إفلاس فى الفكر وركاكة للخطاب!
لم يتصور كثير من الناس أن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يعانون من إفلاس فكرى عميق كشفت عنه التجربة العملية بعد أن تولوا السلطة فى مصر المحروسة!
لقد ظن بعض المعلقين السياسيين أننا فى نقدنا لجماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة غالينا كثيراً حين أكدنا أكثر من مرة وبصورة موثقة توثيقاً دقيقاً أن هذه الجماعة لا تمتلك أى مشروع فكرى.. ولكنها – على العكس- تمتلك مشروعاً خيالياً وهمياً من أعجب العجب أن يتبناه أعضاؤها ومن بينهم أساتذة جامعيون فى تخصصات علمية مختلفة.
وهذا المشروع الوهمى يقوم على عدة أسس أهمها على الإطلاق استرداد الحلم المفقود وهو إقامة الخلافة الإسلامية من جديد، وتعيين خليفة يحكم الأمة الإسلامية كلها، وتصبح كل بلاد العالم العربى والإسلامى مثل مصر مجرد ولاية من الولايات.
والأساس الثانى الانقلاب ولو باستخدام العنف والإرهاب على الدول المدنية القائمة لإقامة دول دينية بتطبيق مبدأ ولاية الفقيه على الطريقة السنية! بمعنى أن فتاوى فقهائهم مهما بلغت ضآلة معرفتهم بأحكام الشريعة الإسلامية هى التى ستحكم القرارات السياسية والاقتصادية والثقافية.
إذا تحققت مسيرة "التمكين" هذه فإن الطريق سيكون مفتوحاً ليكونوا "أساتذة العالم"!
ما نقوله مستقى من تصريحات قادة الجماعة أنفسهم، ومنها تصريح أطلقه مؤخراً أحدهم قائلاً لمن يدعون أن المرشد الدكتور "بديع" هو الذى يحكم مصر فعلاً من مقره بمكتب الإرشاد فى المقطم وليس الدكتور "مرسى" رئيس الجمهورية قائلاً ليس هذا صحيحاً، لأن المرشد ليس لديه وقت لكى يحكم مصر أو غيرها، لأنه مشغول طول الوقت بمشكلات الأمة الإسلامية!
ما هذه الادعاءات المضحكة وما هذه المزاعم الفارغة؟
المرشد المشغول بمشكلات الأمة الإسلامية من المفروض أن تكون لديه رؤية محددة للعالم، وآراء واضحة عن الاقتصاد والسياسة والثقافة.
غير أن الدكتور "بديع" المرشد العام للجماعة أثبت بالدليل أنه يعانى من فقر فكرى مزمن وضحالة معرفية لا حدود لها، وتهافت فى الخطاب لحد يثير الرثاء له، مع أنه أستاذ جامعى من المفروض أنه يمتلك ناصية التفكير العلمى الرصين.
وحتى لا نتهم بأننا نلقى الكلام على عواهنه سنقوم – بإيجاز شديد- بتحليل خطاب المرشد العام بمناسبة عيد العمال الذى وصلتنى نسخة منه بالبريد من الجماعة.
عنوان الخطاب "بشريات فى عيد العمال".. تصورت أن يتضمن الخطاب رؤية متكاملة للجماعة حول مشكلات الطبقة العمالية فى مصر من ناحية التعليم والتدريب والتشغيل وشبكة الأمان الاجتماعى التى ينبغى أن تظلهم، وكنت أتصور أن توجه الرسالة نقداً علمياً للسياسات الخاطئة التى اتبعها النظام القديم فى مجال القطاع العام، وأهم من ذلك الرؤية المستقبلية للجماعة للنهوض بالقطاع العام وعماله وكذلك تشجيع القطاع الخاص، إلا أن المرشد – وكأنه إمام جامع محدود الإمكانيات- قنع بحشد مجموعة لا نهائية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليدلل على بديهيات معروفة مثل أهمية العمل وقيمه.
أمثلة على ما نقول.. يقول المرشد "وحينما يقول الرب جل شأنه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (فاطر:10)" نعرف قيمة العمل الصالح ورفعة مكانته!
وهل نحن فى حاجة إلى ترديد هذه الآية للتدليل على قيمة العمل؟ والمرشد حين يريد أن يدلل على أهمية العمل اليدوى البحت حتى لا يظن الناس أنه أقل مرتبة من غيره من الأعمال يستشهد بحديث للرسول "صلى الله عليه وسلم" يقول فيه "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده".
أهذا هو خطاب "النهضة" الذى صدعت به الجماعة رؤوسنا؟ وماذا نفعل إذا كان خطاب المرشد مثله مثل خطابات رئيس الجمهورية أشبه ما تكون بخطبة من خطب الجمعة التقليدية التى يذيعها من على منابر المساجد شيوخ محدودو الثقافة ويقنعون بالنقل ولا يعملون العقل؟
نحن فى حاجة إلى رجال دولة حقيقيين وليس إلى أئمة ووعاظ يجلسون فى مقاعد الحكم!
eyassin@ahram.org.eg