رئيس التحرير
عصام كامل

إمام مسجد «عمرو بن العاص»: أنا أزهري والعمامة تاجي والشافعية مذهبي

فيتو

>> «مبارك» كرمنى وعمرى 11 عاما
>> أي إمام يستخدم مكانه في الباطل يحاسب على الفور
>> نؤمن بإخراج خطاب دعوى وسطى للناس

>> قضيت 23 عاما في الدعوة إلى الله
>> تجديد الخطاب الديني يتطلب وعيا ونضجا من الدعاة
>> انتهت الثورات وعرف الناس أن الإمام الأزهرى هو الحل


اعتلى المنبر في مرحلة مبكرة من حياته، وتتلمذ في مدرسة الشعراوى والغزالي، قضى سنوات طويلة في الدعوة إلى الله داخل مساجد المنصورة، إلى أن تم اختياره مؤخرا إماما وخطيبا لمسجد عمرو بن العاص أحد أكبر مساجد القاهرة.. إنه الشيخ محمود الأبيدى أحد الدعاة الذين استطاعوا فرض أنفسهم على الساحة الدعوية خلال السنوات الأخيرة. الأبيدى ابن قرية «أويش الحجر» مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية حفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره، وكرمه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بعد تفوقه في مسابقة الأوقاف، وأكمل تعليمه الأزهرى والتحق بكلية أصول الدين في طنطا، واستخرج تصريح خطابة للعمل كخطيب بالمكافأة حتى تخرج في الكلية، وعين في إحدى مسابقات الأوقاف بعد أن تجاوز الاختبارات.
استطاع الأبيدى أن يحجز له مكانة كبيرة بين الدعاة في العصر الحديث، وأسس الرواق الأزهرى في المنصورة على غرار الأزهر الشريف، مما دفع وزير الأوقاف للاستعانة به في المدارس العلمية التي دشنتها الأوقاف، وطلبه الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف شخصيا مرتين ليخطب مكانه في 2015 بمسجد محمد على بالقلعة، والثانية في 2016 بأحد المساجد التي تم افتتاحها في الأسمرات، قبل أن يستدعيه مجددا لإمامة المصلين في مسجد سيدنا عمرو بن العاص.
الأبيدى تحدث لـ«فيتو» عن رحلته الدعوية، وكيف وصل إلى إمامة جامع عمرو، وتحدث عن تجربة الاستعانة بالشباب في وزارة الأوقاف، وغيرها من الملفات في الحوار التالى..



> كيف بدأت عملك الدعوي؟
صعدت المنبر لأول مرة، وأنا في أولى ثانوي، وكنت أحفظ القرآن على يد شيخ فاضل يسمى عبد القادر على عوض، كان شيخى وشيخ والدي، تعلمت على يديه في قرية «أويش الحجر» وتسمى بقلعة القرآن الكريم، وفيها ما يزيد على 750 إماما، واشتهرت القرية بحفظ القرآن؛ وهذه القرية لا يوجد فيها منزل واحد لا يحفظ أبناؤه كتاب الله، والحمد لله ختمت القرآن وعمرى 11 عاما، ودخلت عدة مسابقات، وكرمت في عام 1989 من الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وشرفت بعدة جوائز في القرآن الكريم، واكتشف بعض المحبين وجود موهبة في الصوت، عندما كنا نذهب إلى مراكز الشباب والليالى الرمضانية، ومواسم المولد النبوى والإسراء والمعراج وغيرها، وكنا نقوم بأداء بعض الدروس العلمية، وشرط من شروط طلب العلم أن يكون لك أستاذ وشيخ ومذهب، وفى إحدى المرات ذهبت لأصلى وأنا في أولى ثانوي، وإذ بإمام المسجد يغيب عن الصلاة، فنظر الناس من حولهم، ووجدنى ذلك الشخص الحافظ لكتاب الله وكنت في ذلك الوقت أؤم الناس للصلاة في بعض الصلوات؛ وطلبوا منى التقدم للصلاة وتراجعت إلى أن صليت بهم؛ وأول مرة أقف على المنبر كانت قدماى ترتعش جدا إلا أننى عملت بوصية قالها والدى لأخى الأكبر وهو إمام وخطيب فكان دائما ما يقول له: حينما تصعد المنبر ردد تلك الكلمات «رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي» وبالفعل كنت أفعل ذلك؛ وحينما كان يسافر بعض الخطباء أو يحدث عندهم ظروف، كنت أخطب مكانهم إلى أن دخلت كلية أصول الدين والدعوة في طنطا، واستخرجت تصريحا بالخطابة، وبدأت أخطب بالمكافأة في مدينة المنصورة، وصعدت عدة منابر بمساجد كبيرة جدا في مدينة المنصورة قبل التعيين مثل مسجد «نادي جزيرة الورد بالمنصورة» وأخذت على المساجد الكبرى والجمهور الكثيف ولم أستطع الخطابة بعد ذلك في الزوايا.

> من من العلماء تأثرت بهم في تلك الفترة؟
تأثرت كثيرا بالإمام «أبو حامد الغزالي»، والدكتور عبد الحليم محمود، والشيخ الشعراوي، خالد محمد خالد، وسيدنا الشيخ على جمعة ومجموعة كبيرة من العلماء، وبدأت أقرأ لأصناف مختلفة وأنهل من مدارس مختلفة، وأرى في النهاية أن كلا منهم له أسلوبه ومدرسته الخاصة، وإذا بى بعد ذلك أجمع مادة علمية خاصة، فعلى الإنسان أن يبتعد عن التقليد أو تقمص شخصية أخرى.

> وماذا عن رحلتك بعد المرحلة الجامعية؟
بفضل الله تجاوزت المرحلة الجامعية وتخرجت في كلية أصول الدين، وفتحت كتاب تحفيظ بعد ذلك، وبعد التخرج بشهر تقريبا بحثت عن موقفى من التجنيد، فوجدت أن عندى «تأجيل» وقدمت في مسابقة بوزارة الأوقاف وأصبح بين تعيينى وتخرجى 4 أشهر، وعينت في أكبر مساجد قريتى لمدة 8 أشهر، ثم انتقلت بعدها مباشرة إلى مسجد «الجمال» أمام جامعة المنصورة، وكان للمسجد مكانة كبيرة في قلوب الناس، وكان الشيخ الشعراوى يعطى درسا بشكل أسبوعى فيه كل ثلاثاء، وكان يخطب فيه أكابر المنصورة، وتشوقت للخطابة في هذا المكان، وربنا وفقنى وانتقلت له بعد 8 أشهر، وبقيت فيه لمدة 15 سنة، وانطلقت منه رحلتى الدعوية إلى حيث كل الأماكن وكان جمهور هذا المسجد مثقفا جدا، وذا عقلية منطقية وتذوق خاص في التفكير، وبدأت أجتهد للدخول في دورات تدريبية معاصرة، والأوقاف دعتنا لدورة الإمام المجدد والإمام المتميز واجتزنا تلك الدورات بنجاح، وحصلت على دورات في اللغة الإنجليزية والكمبيوتر والإنترنت، وتلك الدورات أهلتنى للتمتع بثقافة شبابية جديدة، أستطيع من خلالها مواكبة العصر والحدث والحفاظ على تراث الماضى الجميل، ثم بدأت دخول الإعلام في عام 2011 وقدمت برامج خاصة وبرامج متنوعة على التليفزيون الرسمى والإذاعة المصرية وبعض الإذاعات الدولية والعربية، ورأيت أن واجب الداعية أن يكون في كل مكان سواء الشارع أو الجامعة أو على القهوة، أو من خلال التليفزيون أو النت.

> هل تعلقت كل حياتك بالجانب الدعوى فقط؟
حياتى كلها كانت متعلقة بمسجد الجمال في المنصورة، فكنت أستيقظ وأفطر وأذهب للمسجد يوميا لإعطاء الدروس، وبدأت بعد ذلك في صناعة الأروقة الأزهرية بالمنصورة، على غرار رواق الأزهر الشريف، لأننى تعلمت في رواق الأزهر على يد كبار الأساتذة، ومنهم الدكتور جمال فاروق، وأسامة الأزهري، والدكتور على جمعة، والدكتور أحمد عمر هاشم، وبدأت في نقل الرواق إلى المنصورة في شكل مصغر، وافتتحته عام 2008 إلى أن شكلت وزارة الأوقاف ما يسمى بالمدارس العلمية، وأصبح هناك استقطاب للدعاة من السيدات.

> هل ترى أن الداعية في العصر الحالى منعزل عن الواقع؟
البعض يريد أن يصور الداعية على أنه منعزل عن الواقع، فالداعية جزء أصيل من الواقع، وكنت أنزل مع الشباب في رمضان، نصلى الفجر ونقرأ القرآن ونرتدى ملابس الرياضة ونذهب للملعب ونعقد مسابقات، لكى يرى الشباب الداعية كجزء من الواقع وهو منهم وفيهم ولهم.

> كيف استقبل محبوك قرار نقلك من مسجد الجمال بالمنصورة إلى عمرو بن العاص؟
المسجد تحول إلى ساحة بكاء، وقالوا لى لولا علمنا أنك ذهبت إلى مسجد أكبر كنا لن نتركك؛ ومنذ 3 سنوات وأنا أعرض عليهم الانتقال من المسجد إلى القاهرة خلال شهر رمضان، وكان الطلب يقابل برفض تام من جميع الجماهير، لأننى كنت أشاركهم جميع الحالات في الأفراح والأحزان، وفى حل المشكلات وفى النجاح والزواج، وبدأت أتحمل مفهوم دور الداعية الأمين حتى أتت عندما خرجت من صلاة الجمعة الأخيرة من المسجد صعدت إلى المنبر وقبلته هو والكرسى الذي كنت أجلس عليه، لأنى قضيت 15 سنة في المكان بنيته مع الناس، وكبر طوبة طوبة لكن المقارنة بين أن تكون في مسجد الجمال ومسجد سيدنا عمرو بن العاص صعبة على أي إنسان.

> كيف تم اتخاذ قرار نقلك إلى مسجد سيدنا عمرو بن العاص؟
وزير الأوقاف الحالى الدكتور محمد مختار جمعة، يعمل على تصدر القيادات الشابة للمشهد، وبدأ في جلب القيادات الدعوية الشابة من المنيا والمنصورة والإسكندرية والبحيرة وتقلدهم أماكن قيادية في الوزارة ثم المساجد الكبرى الخاصة بـ«آل البيت»، وبات ينظر إلى الشباب على أنهم الأمل، وفى إحدى المرات خطبت أمام وزير الأوقاف في يوليو 2015 في مسجد محمد على بالقلعة، وحضر الجمعة محافظ القاهرة، وقال لى «أنت تمثلنى في خطبة الجمعة، وهتطلع مكاني، وأنت في اختبار» وهذا اليوم كان اختبارا صعبا جدا فالوزير يحضر ووكيل أوقاف القاهرة والمحافظ ووزير الآثار ومجموعة من الوزراء ومدير أمن القاهرة، فضلا عن الجمهور وشاشة التلفاز، وفى عام 2016 استدعانى للخطبة في مسجد كان يفتتح لأول مرة في منطقة الأسمرات، وحضرت وسائل الإعلام ومفتى الجمهورية، ومجموعة كبيرة من القيادات التنفيذية، وكانت الخطبة في ذكرى الهجرة، وكانت نقطة تحول بالنسبة لى وبداية جديدة وفكرت بمنطق التغيير، وحينما جاءت فكرة المدرسة العلمية واستدعانى الوزير لإلقاء درس كل أحد في مسجد عمرو بن العاص، ودرس في مسجد صلاح الدين بالمنيل، ودرس آخر في الجمعية الشرعية الرئيسية بالجلاء بدأت المدارس العلمية تأتى بصدى واسع، ولكن تعبت جدا من كثرة الضغط فكنت مشتتا بين 3 أيام في المنصورة ومثلها في القاهرة؛ وبالفعل تقدمت بطلب رسمى إلى الوزير لنقلى إلى القاهرة، ونقلت الحمد لله، ووجدت نفسى مكلفا بإمامة المصلين في مسجد عمرو بن العاص، وقلت لنفسى إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك، وإذا طلبنا لشيء نسأل الله أن يعيننا عليه.

> ما الشيء الذي خطر على بالك للوهلة الأولى بعد نقلك للمسجد؟
المسجد درس فيه أكابر أهل العلم، وسيدنا عمرو بن العاص خطب فيه بنفسه، والجامع فيه رائحة صحابة سيدنا رسول الله وهو من أقدم الجوامع العتيقة في مصر، لأنه يصلى فيه أكبر عدد في صلاة القيام، وله شكل رائع بتذكرة الناس بأحوال رمضان، وأنا طفل صغير جئت إلى المسجد، ولم أكن في يوم من الأيام أتخيل أننى سأتقلد إمامة مسجد عمرو بن العاص.

> ما اسم المدرسة التي تتمنى أن تكون خاصة بالشيخ «الأبيدي» في الدعوة؟
أكثر دائما من قولى بأن مصر أمى والأزهر أبي، وأنا أزهرى والعمامة تاجى مهما حييت فأزهرى منهاجي، ونحن نسير على خطى أزهرية أشعرية المذهب، وأنا مذهبى شافعى ونؤمن بإخراج خطاب دعوى وسطى للناس.

> ألم يعرض عليك العمل القيادى في الوزارة؟
ثقة الوزير فينا كبيرة جدا ويفتح بابه لنا كثيرا، والشيخ جابر طايع، يتعامل معنا كزميل وليس كرئيس للقطاع الديني، وبابه أصبح مفتوحا لنا في أي وقت، وأنا مثل السمك في المياه.. والبحر بالنسبة لى هو المحراب والقبلة والمنبر، وأنا لست من أهل العمل الإدارى ولست من الناجحين فيه، ولكن أحاول أن أكون من النابغين المتميزين في العمل الدعوي، وأرى نفسى على المنبر وفى القبلة وفى المجال الدعوى لكن شغل الورق والأختام فأنا «مبعرفش أعمله» ولست أهلا له، وأنا أؤمن أن النجاح يبدأ من إتقان الصنعة التي تعمل فيها هذه واحدة، والثانية أن تعرف مقامك عند ربنا؛ وصراحة أنا أشفق على القائمين بالعمل الإداري، لأنهم يعانون من مشقة كبيرة جدا في سبيل خدمة أهل الدعوة، ولكن هي أدوار فهم يخدمون البنيان، ونحن نخدم بناء العقول فالدعوة لذة لا يعرف معناها إلا من ذاقها ومن ذاق عرف، فقد عملت بالدعوة لما يقرب من 23 عاما سواء داخل أو خارج مصر.

> لعبت دورا مهما في تطبيق الرواق الأزهرى بالمنصورة فهل تقدم مقترحاتك لوزارة الأوقاف فيما يخص البرامج الدعوية؟
كنا زمان نعمل بطريقة عمل عشوائية، والأربع سنوات الأخيرة نعمل بطريقة مؤسسية من خلال رفع الرؤية للمسئولين في الوزارة وبالفعل يقومون بتطبيقها، وأصبح هناك موقع خاص بالأئمة، ولقاءات تجمع قيادات الوزارة بالقيادات الشابة لعرض الرؤى والمقترحات والوزير يكاد يكون عارفا لتلك المجموعة بالاسم وأرقام التليفونات ولم أر في حياتى سنة يبحث فيها عن المتميزين من الأئمة في جميع أنحاء الجمهورية مثل سنة 2017.

> هل ما زال الإمام مؤثرا في محيط مسجده؟
قبل ثورات الربيع العربى كانت المنابر مختطفة من قبل الجماعات الإسلامية الممدودة بإمدادات من العالم الإسلامى والعربي، وهذا الاختطاف أدى إلى أنهم أثروا على عقول الشباب واستقطابهم بأشكال مختلفة، وإمام الأوقاف لم يكن عنده تلك القدرات، وبدأ الناس يزهدون الإمام الأزهرى ثم دارت الأيام وانتهت الثورات وعرف الناس أن الإمام الأزهرى هو الحل.

> هل هناك تأثير لتلك الجماعات على المنابر؟
أعتقد لا.. فمنابرنا ردت إلينا، والقبلة أصبحت ملكا لنا ونتصرف فيها الآن بحرية، ونعمل بشكل مؤسسى وليس فوضويا، وأى إمام يستخدم مكانه في الباطل يحاسب على الفور وهو ما يعجبنى في الفترة الأخيرة.

> ما الخطة التي أعددتها فور استلامك للعمل تزامنا مع شهر رمضان؟
عملنا على جلب علماء مصر الأكابر لأداء دروس طوال اليوم، وأنا جئت بطاقة إيجابية وحماس عالٍ، وبحمد الله جميع سبل الدعم مفتوحة، ونجحنا في تجهيز المكان من حيث التهوية والتجهيز من حيث تقسيم الأدوار مع الدكتور أحمد عوض واستغلال المدرسة العلمية في تلك الأيام المباركة في شكل أسئلة وأجوبة على شكل فتاوى، والرد على الاستفسارات وصندوق المقترحات والتفعيل الأكبر لصفحة المسجد على فيس بوك.


الحوار منقول عن بتصرف النسخة الورقية لـ «فيتو»

الجريدة الرسمية