رئيس التحرير
عصام كامل

حنان يوسف.. حلمت باحتراف الرقص وقطعت علاقتها بـ«ديزني» اعتراضا على قتل الدرة

فيتو

يوم عادي من أيام فصل الشتاء البارد، كان الطقس غائمًا كعادة عروس البحر المتوسط في ذلك التوقيت، عجلة الزمن تدور وتصل إلى منتصف ثمانينيات القرن العشرين، حنان كانت قد زاد عمرها عن الثامنة عشر بقليل، لا شيء يوحي بالمفاجآت أو أن طارئا ما سيحل على روتين حياة تلك الفتاة السكندرية المشاغبة، إلى أن أخبرها صديقها المخرج أنها بطلة عمله المسرحي المقبل، لم تكن دعابة، ربما هي المصادفة أو القدر.




طفولة مشاكسة
كانت تمارس فعل الطفولة بتلقائية وتمرد، تظل الأم تراقبها بابتسامة حانية من بعيد «صغيرتها المشاكسة»، تذهب وتعاود مجددًا، تراها مميزة ومختلفة بين قريناتها، تدرك أن لابنتها مستقبلا لا يؤمن بالتقليد ويطيح بالمألوف، فهي الطفلة التي اختارت لنفسها منذ سن صغيرة جدًا هواية، كانت ولا تزال من المحظورات في مجتمع محافظ كمصر: "كنت بحب ألعب ستات وبنات، لعبة معروفة أوي بنقلد فيها ممارسات الأمهات وجيران والصديقات، وأتصور إن دي بداية التمثيل، وبعشق الرقص".



عائلة فنية
حنان يوسف، تلك النجمة ذائعة الصيت، موهوبة بالفطرة، وهذا ما يمكن أن يستشفه المتابع منذ الوهلة الأولى تقول: "أسرتي ذواقة للفن، والداي كانا لديهما ولع بالسنيما والمسرح، وكانا يترددان عليهما بشكل مستمر وأنا وأشقائي معهم، ويبدو أن هذا ما أثر في تركيبتي الفنية فيما بعد، كما كان للقاء الأسبوعي للعائلة، دورًا مهمًا في اكتشاف مواهبنا، ولدي ابنة خالتي وهبها الله صوتا عذبا لكن لم تحترف الغناء، وكذلك أبناء خالي كلاهما يعشق الغناء وأحدهما عازف عود، وأشقائي الذكور كانوا يقلدون الشنكحاوي والزعبلاوي، وكنت أنا أحب الرقص، وفتى أحلامي أحمد رمزي».



احتراف الرقص
أمنية حنان في احتراف الرقص تحطمت أمام أسوار قاهرة المعز تقول: «كنت أتمنى أن أصبح رقاصة وأحترف الرقص، وكنت معجبة جدًا بتحية كاريوكا، لكن عائلتي أصرت أن أدرس الباليه، لكن تراجع حماسهم، عندما علموا أن الأمر سيطلب أن أغترب في القاهرة كونها مدرسة داخلية، وهنا تحطم حلمي».

على المسرح العائم، كانت الشابة المراهقة قصيرة القامة، تبدأ أولى خطواتها في عالم التمثيل، فعلى كلمات نجيب سرور وأغنيات علي الحجار، تفجرت طاقات الموهبة البكر، لؤلؤة كشف عنها مراد منير، مخرج العمل، الذي كان يدرس بذات الجامعة التي انتمت إليها الطالبة الشابة المناضلة آنذاك، وربما مواقفها من القضايا السياسية ونشاطها الطلابي، جعل منير يجد فيها الشخصية الأنسب والأقرب لهذا الدور الذي يعبر عن حالة التمزق والصراع السياسي من خلال قصة حب.



أول دور سنيمائي
بينما تعد الفتاة «أورى» -اسمها في مسرحية منين أجيب ناس-، حقيبتها استعدادا للعودة إلى مدينتها وتحديدًا حي جليم حيث الميلاد والنشأة، جاء المخرج خيري بشارة، ليلتقي وعلي الحجار، أحد أبطال المسرحية، يطلب منه الانضمام لعمل سنيمائي جديد، وهناك عرض على حنان أول دور سنيمائي، بعدما تابعها لفترة طويلة على خشبة المسرح، شريطة أن تخسر ٣ كيلو جرامات من وزنها، وهو الأمر الذي أثار سخرية ما حولها كونها فتاة ضئيلة الحجم، فموهبة ابنة أليم طغت على أدائها ودراستها للفلسفة -التي لم تخطط لدراستها- أثرت بشكل غير مباشر على عمق أدوارها فكان رغم سنها "غول مسرحي".

الطوق والأسورة
في مطعم شهير بجليم، بينما تتلامط أمواج البحر في الجهة المقابلة له، وتتناغم مع صوتها موسيقى مزار التي تنبعث من جرامافون، ورثة مالك المطعم عن جدته، وسط هذه الأجواء، كتبت حنان يوسف سطرها الأول في مشوارها السنيمائي، حيث لقاء العمل الأول الذي جمعها بخيري بشارة وبشير الديك، صناع "الطوق والأسورة"، ولم تأخد "حنان يوسف" فترة لتقتنع بقبول العرض، لا سيما أن صداقة جمعت بينهم، وبالفعل التقوا مرة أخرى في أحد مطاعم جليم الشهيرة أيضًا، وبقي موافقة الأم": سافر كل من خيري بشارة وبشير الديك وطارق التلمساني إلى الإسكندرية خصيصًا لإقناع أمي، أن أتجه نحو السنيما، لا سيما أن كان لديها تحفظات شديدة على الدخول في المجال، وكانت تتصور أن المسرح بالنسبة لي لعبة، فكانت لا تجد غضاضة من التمثيل على خشبة المسرح، على العكس موقفها من السنيما".

"أمي كانت سيدة مثقفة جدًا، ذات توجه يساري، ولها مواقف سياسية ضد الملك، تبدو أنها متحررة، لكنها كانت في حقيقة الأمر محافظة جدًا، وهو ما جعلها قلقة من دخولي مجال التمثيل، هنا أصر الأضلاع الثلاثة لمثلث صناعة الفيلم خيري بشارة، بشير الديك، وطارق التلمساني، السفر إلى الإسكندرية لإقناعها، لا سيما إني ما زلت أدرس في الجامعة، وبالفعل أطمئنت لهم أمي ووافقت على مشاركتي في أول عمل سنيمائي لي، جاء محض الصدفة ودون تخطيط".

أول مرة
على ضفاف نيل القاهرة، بجزيرة الروضة، داخل شقة بالطابق الأول، كانت الإقامة الأولى لحنان بمفردها بعيدًا عن العائلة، شاركتها في هذا المسكن التي وصفته بـ"الجميل" مها عطية، الصحفية، إلا أنها لم تنقطع تمامًا عن الإسكندرية، تأثرت حنان بشخصية "الحدادة" أولى أدوارها السنيمائية عام 1986، لفترة طويلة التي جسدت فيها أخت صعيدية من مدينة الأقصر، تستهدف ورث أخيها، هذا العمل الذي حصل على المركز العشرين في قائمة أفضل 100 فيلم بذاكرة السنيما المصرية.

300 جنيه كان أول أجر حصلت عليه حنان يوسف عن دور الحدادة، تقول": مع نهاية التصوير جاء مدير الإنتاج بمظروف فيه مبلغ إضافي قائلا: "إحنا أسفين ما قدرناش نقدر الموهبة صح".

عزومة حمام
في منزل المخرج خيري بشارة، كانت البداية التي جمعت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وحنان يوسف، للإعلان عن تصوير فيلم "يوم مر ويوم حلو" أحد أهم المحطات في حياة "حنان يوسف" تصف الأخيرة تفاصيل عرفتها عن شخصية فاتن حمامة خلال هذا العمل: "كانت هادئة وودودة، قادرة أن تعزل نفسها عن العالم المحيط قبل التصوير وفي البلاتوه، رغم وجودها وسط الضوضاء والكاميرات وأدوات التصوير، وتقدِّر قيمة الوقت وتحترمه دءوبة، شخصية ملتزمة ومبهرة، خفيفة الظل والروح، نشأت بينا علاقة ود استمرت لسنوات طويلة بعد العمل".


الميلاد الثاني
داخل ورشة «حسن الجريتلي للتمثيل» وهي فرقة حرة غير تجارية، كان الميلاد الثاني لحنان يوسف فنيًا، قرابة ١٥ عامًا زهدت فيها الشهرة وابتعدت عن الأضواء، واكتفت أن تثقلت موهبتها وتطور أدائها من خلال الورشة، لا سيما أنها لم تدرس أصول التمثيل، ولم تلتحق بمعهد السنيما.

راودتها فكرة الاعتزال بعد خلاف في الرأي يتعلق بأدائها وإحدى زميلاتها في الورشة، رفضه الجريتلي، جاء ذلك التزامن مع زواجها وإنجابها طفلها أحمد، وبالفعل توقفت عن العمل تمامًا لمدة خمس سنوات، لرعاية ابنها كما ينبغي، وقررت أن تتجه إلى إنتاج أعمال والت ديزني، بالإضافة إلى مشاركتها في دبلجة بعض الشخصيات الكرتونية نظرًا لصوتها المميز.

نهاية العلاقة
استشهاد محمد الدرة، الطفل الفلسطيني، كتب نهاية العلاقة بينها وديزني: كانت شغلانة مربحة جدًا، تحسنت أحوالي، إلى أن وقعت عيني على خبر صادم باستشهاد محمد الدرة، أصبت بحالة إنكار، وابتعدت عن معرفة التفاصيل، إلى أن قررت أن أستجمع قواي وقرأت التقرير الذي أعده الصحفي الذي وثق الجريمة النكراء، على الفور أرسلت بريد إلكتروني مقاطعة لشركة ديزني، وأكدت لهم، أنها لن تسمح لنفسها أن تتعاون مع قتلة الأطفال، ووزعت بيان المقاطعة على أغلب دور العالم، تراجعت إثر القرار ظروفي المادية بكل تأكيد لكن لن أستطع تحمل خيانة النفس".

الالتحاق بالإذاعة
صوت دافئ رخيم، مؤشر لإذاعية مختلفة ربما تحدث تغيير، الروتين والبيروقراطية، وقف حائلًا دون خوضها هذه التجربة: "تقول كانت هناك شروط قاسية للالتحاق بالإذاعة، منها أن أكون خريجة المعهد العالي للسنيما، فضلا عن أن الدخول إلى العتبات الأولى لماسبيرو كان يستجوب حصولي على كارنيه النقابة، وحينما لم أكن نقابية، وهنا انتهى كل شيء ولم أفكر الآن سوى في التمثيل".

لم تمارس حنان دورًا سلطويًا على ابنها أحمد، الذي التحق بالمعهد العالي للسنيما بقسم الإخراج وفقًا لرغبته، وتركت الأم للابن حرية اختيار وظيفته: "أحمد عازف إيقاع ويمتلك أذنا موسيقية، وممثل موهوب، وسيم ولديه كاريزما، إلا أنه أصر على السير في طريق الإخراج".

سجن النسا
"إنصاف" في سجن النساء من أحب الأدوار إلى قلبها، تمردت خلالها على دور الأم الحنونة المثالية، وكانت الحدادة في الطوق والإسورة من أصعب أدوراها، تأثرت بها لفترة طويلة وأرهقتها نفسيًا، تذكر: "أن التصوير استمر لمدة 3 أشهر في مدينة الأقصر، كان الجميع بعد التصوير وفي البريك ينادونني "الحدادة"، أثر في لدرجة إنني شارك بعدها في عمل سنيمائي مع بشير الديك، دوري فيه بنت شابة، كنت في بعض الأحيان، وفجأة اتقمص دور الحدادة، ينزعج بشير ضارحًا "أنتِ مش الحدادة".

ثورجية بامتياز

حنان يوسف، كانت جزءا من الحراك الطلابي فترة السبعينيات من القرن المنقضي، شاركت في انتقاضة الخبز، واعترضت على معاهدة كامب ديفيد، رفضت سياسات الانفتاح الاقتصادي، لم تنشغل بدراستها قدر انشغالها بالشأن العام، تؤمن بأهداف ثورة يناير وتدعم الحقوق والحريات، رغم أنها لم تشارك فيها مخافة انقضاض تيار الإسلامي عليها، وهذا ما حدث، تفاصيل عديدة تجد السؤال عن استبعادها فنيًا لمواقفها السياسية مطروح، تعلق حنان: "كنت نشطة تمامًا فترة السبعينيات، والآن ليس لي موقف واضح، ورغم إني لم أشارك بعمل درامي هذا العام، إلا إنني لا أتصور أن أكون ضمن قائمة الفنانون المستبعدون لمواقفهم السياسية المعارضة".

لسه الأماني ممكنة، هكذا تثبت "حنان يوسف"، التي تتمنى أن تشارك الفنان روبرت دي نيرو، الممثل والمخرج العالمي، أحد أدواره السنيمائية، فلا السن أو الظروف بمقدورهما أن يقفا أمام توهج موهبة فرضت نفسها وبقوة وتربعت على قائمة النحو الكبار.
الجريدة الرسمية