رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عمرو عبد الجليل.. عبقري خسره شباك التذاكر


في مجتمعات الجهل يموت الموهوبون حزنا وكمدا، نظرا لعجز الجاهل عن تقييم الموهبة، ومن هنا ينعدم تكافؤ الفرص، ليسير المجتمع خطوات جديدة نحو قاع الحضارة الإنسانية، وهذا الكلام ينطبق على كل المواهب بداية من العلوم التطبيقية المعقدة وحتى الفنون كالشعر والتمثيل.


وهذه الآفة تبدو واضحة في مجتمعنا خاصة في مجال الفنون، إذ إن رجل الشارع العادي هو الذي يحدد نسبة مبيعات الكتب، وإيرادات المسارح ودور السينما، وبالتالي مستوى ثقافته هو السبب الرئيسي في صعود نجم موهوب أو خفوته إلى الأبد، حتى لو كان ذلك بلا سبب منطقي سوى أن «كيفه كده»، ولا يغرنك عزيزي القارئ نسبة التعليم ، فشتان ما بين التعليم والثقافة، فضلا عن أن خريجي الجامعة في بلادنا لا يحسنون القراءة والكتابة.

كل هذه الأفكار دارت في ذهني، وأنا أتابع الفنان العبقري "عمرو عبد الجليل" الذي يعزف منفردا في مسلسل «طايع»، ليستحق بجدارة جائزة أفضل ممثل في دراما رمضان الجاري، وهو يؤدي دورا مركبا شديد التعقيد لا يستطيع حل ألغازه إلا ممثل متمكن من أدواته جيدا، فنظرات عينيه تعطيان الإحساس المطلوب دون أن يتحدث، وملامح وجهه تتغير بدقة كبيرة من شعور إلى آخر، دون إفراط أو تفريط، وكأنه يزنه بميزان شديد الحساسية، ونبرات الصوت تتغير وفق كل كلمة دون «نهيق أو سرسعة»، أما حركة جسده غير المتشنجة فتشعرك أنك أمام أحد عمالقة برودواي التاريخيين، لأنه ببساطة يرتدي الشخصية فلا تراه داخلها.

حتى الثياب التي يرتديها عمرو عبد الجليل ستجد أنها متناغمة في ألوانها وطريقة تفصيلها مع الشخصية، باستثناء العمامة التي جاءت متأثرة برؤية شادي عبد السلام في فيلم المومياء، ولا أعلم هل هذا من فكر عمرو عبد الجليل أم بتوجيه من المخرج.

وكلما شاهدت «الريس حربي» المعروف خارج الصورة باسم عمرو عبد الجليل، تساءلت متعجبا كيف لممثل بهذا الثقل لا يكون نجم شباك إلا بعد أكثر من 20 عاما من رحلته الفنية، وحتى هذه النجومية لم تدم طويلا، ربما يكون أخطأ في بعض الاختيارات، ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون سببا أبدا في أفول نجومية موهوب عبقري.

وكيف لم يتنبه المنتجون لعمرو عبد الجليل في بداية التسعينيات، بعد دور "شاهر" كبير المطاريد في مسلسل «ما زال النيل يجري»، ودور «عمرو» في «إسكندرية كمان وكمان»، ولماذا تركوه يتوارى شيئا فشيئا حتى كاد أن يختفي لولا أن انتشله يوسف شاهين مرة أخرى ليشارك في «هي فوضى»، ثم يبزغ نجمه في «دكان شحاتة» فينتزع منا الضحك الممزوج بالبكاء في كل مشهد يظهر فيه، وبالطبع حجتهم أن «الزبون» لا تعجبه موهبة عمرو عبد الجليل، ويقبل على تشنج محمد رمضان، ووسامة أحمد عز رغم أن الأخير والحق يقال نجح في صقل موهبته ويتطور يوما بعد يوم.

ومن من نجوم الشباك الحاليين قادر على تغيير جلده تماما مثل عمرو عبد الجليل، فتظن أن عدة ممثلين هم من يؤدون هذه الأدوار، وشاهد صالح القناوي في مسلسل «نسر الصعيد» ستجد أن محمد رمضان خلع القميص والبنطلون وارتدى جلابية، أما الريس حربي فهو الريس حربي فقط ولا وجود لعمرو عبد الجليل في المشهد.

ولكن ما أراح عقلي عن سلسلة الأسئلة اللا نهائية هو أن هذا الأمر ليس بمستغرب في بلدنا، والنماذج كثيرة فمحمود مرسي وحسن عابدين لم يكونا يوما نجوم شباك، ولم يحققا الانتشار المطلوب إلا في سن متأخرة، بل إن الموهوبين الفائزين بلقب فتى الشاشة تجد معايير عجيبة لاستمرارهم، حتى إنك تجد إقبال المنتجين على فريد شوقي في الستينيات أكبر من شكري سرحان رغم الفارق الكبير في الموهبة لصالح «ابن النيل» وتفوقه المبهر على «ملك الترسو».

كل ما سبق لا ينفي أن المشاركين في مسلسل طايع لهم نصيب كبير من الموهبة، ومن بينهم عمرو يوسف بطل العمل، والورق الذي كتبه الأشقاء الثلاثة خالد ومحمد وشيرين دياب يحصل على تقدير جيد، ولولا عدم وضوح دوافع تقلبات بعض الشخصيات لحصل على تقدير امتياز باقتدار.

والمخرج عمرو سلامة بذل جهدا كبيرا ليخرج صورة مبهرة تجذب العين، باستثناء مشاهد المعارك التي تصل إلى سذاجة معارك أفلام عادل إمام في الثمانينيات والتسعينيات، أما التتر فموسيقاه يعلو بها صوت وائل الفشني لتحلق في سماء بعيدة واسعة، ولكن عمرو عبد الجليل حالة خاصة يقف في ضفة وحده، والآخرون في ضفة أخرى ليؤكد أن شباك التذاكر هو الذي خسره وليس العكس.
Advertisements
الجريدة الرسمية