الوثنيون الجدد
بعد نكسة يونيو خرج المنافقون يقولون إن إسرائيل لم تنتصر علينا لأنها فشلت في إسقاط الزعيم، ولم يهتز لهم رمش من الكارثة السياسية، ولا أقول العسكرية، لأن الجيش لم ينهزم في ٦٧، ولكنها السياسة الحمقاء والمناورات الغبية التي كانت تراهن على وطن لم تعرف قدره، وذلك عندما تم جرجرة الجيش لسيناء وهو غير مستعد لدرجة استدعاء بعض القوات من اليمن بغير ملابسهم العسكرية.
وبغض النظر عن النتائج المروعة لما حدث في تلك الأيام السوداء لايزال بعض دراويش الناصرية يبررون الهزيمة بديماجوجية رعناء، والمهم أن الزعيم لم يخطئ ولم يهزم، وفِي نفس الوقت يكيلون أبشع الاتهامات للمنتصر العظيم الراحل أنور السادات ومنذ تلك الأيام أصبح الشعار الشهير (بالروح بالدم نفديك يازعيم)، هو الشعار الرسمي للوثنيين.
فقد قيل هذا الشعار لمحمد نجيب، ولم يقدم واحد من قائليه نقطة مياه وليست دماء، وتكرر الشعار مع عبد الناصر ولم يعترض شخص واحد عندما قبض السادات على عتاولة ومنظري عبد الناصر في لحظات، وتكرر مع السادات، ومع مبارك وعندما وقعت الواقعة، لم يخرج واحد من ملايين الأعضاء بالحزب الوطني!
ومنذ تلك الأيام أبدعنا في ال٩٩،٩٩٪، وكان طبيعي لأي مخلوق بشري أن يصدق مع الأيام أنه الملهم والذي ًلايخطئ، وكان أن راحت الأمم تتقدم وتنهض بينما نتراجع ونتأخر، لأننا قدمنا الزعيم على الوطن، والشخص على المؤسسة، ورحنا نسأل ببلاهة لماذا تنتصر إسرائيل؟، ولماذا ينهزم العرب؟.
ولم يجهد أحد نفسه في القول لإن الصهاينة يعتبرون إسرائيل فوق الجميع، والمؤسسة أهم من أي فرد، ثم الديمقراطية تلك الفريضة العربية الغائبة، وكانت النتائج التعيسة في سقوط العراق وسوريا وليبيا بسقوط الصنم، وهو ماحدث أيضا لألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، وروسيا القيصرية، واندثرت ممالك وإمبراطوريات من الفرس للرومان، لأن حكام تلك الدول غيبوا مفهوم الدولة ولم يعترفوا بقانون ولا دستور..
وكرسوا كل السلطة في أيديهم وأيدي قبيلتهم لكي يصبحوا هم الملاك الحصريين للبلاد والعباد، وقد أصبحت تلك الأصنام تمنح وتمنع وعلي المتضرر اللجوء للسماء، والأغرب أن معظم الأنظمة الجمهورية تحولت لملكيات مستبدة وبعد هوجة الربيع العربي، راحت كل جماعة تعود لقبلية الجاهلية، وأصبحت الأمة شيعا متفرقة مابين سني وشيعي ومسلم ومسيحي وساداتي وناصري وثوري وفلول ووطني وعميل.
ورغم أن دروس السنوات السبع الماضية كانت كفيلة لانتشال الأمة من غيها الوثني، خاصة وأن الأحداث لاتزال ساخنة في الذاكرة وكان الثمن غاليا دفعه الجميع، إلا إن هناك إصرارا على إعادة إنتاج الماضي بأسوأ ما فيه، والتعلق بفضلات وبقايا زمن مضى لم يعد صالحا للحياة الآن.
وبينما يقول المصطفى سيدنا محمد (ص) للرجل الذي جيء به إليه وهو يرتعد: "هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد".. وهو الرسول (ص) الذي يوحي إليه.. يأمره الله بأن يشاور أصحابه في الأمر.. بينما نجد الوثنيين الجدد يخلعون على بشر مثلهم قداسات لاتليق بالبشر، وقد أجمع الفقهاء أن الاستبداد هو وثنية سياسية، وهي الوجه الآخر للوثنية الاعتقادية، خاصة إذا كانت الطقوس واحدة في الوثنيتين مثلما كان القدماء يضفون القداسة على أصنامهم التي لا تنفعهم ولا تضرهم.
وفِي رأيي أن الديمقراطية كانت ولم تزل مخرجا يستحق أن نضحي من أجله، ونتعجل قدومها، وهي الحل السحري كمظلة يحتمي الجميع بها، لأن الوضع لا يحتمل أن ننتظر عقودا توازي عقود الميراث غير الديمقراطي، لأنه مهما كانت عبقرية وإخلاص الزعيم فإن عشرة عقول أفضل من عقل واحد، خاصة أن لا أحد معصوم من الخطأ، وكل يؤخذ منه ويرد إلا سيدنا محمد (ص).