رئيس التحرير
عصام كامل

الجمال أسلوب حياة


على غرار نوادى الروتارى، وأنشطتها البيئية الرائعة، فكرت فى إنشاء نوادى روتارى المناطق الشعبية أو بمعنى آخر نوادٍ تضم عامة الشعب وشبابها المتفتح الناضج، تكون مهمة أفرادها هى فى الأساس خدمة البيئة ونظافتها وتوعية البسطاء من الأهالى بخطورة ممارستهم الخاطئة خلال حياتهم اليومية وما تؤديه هذه الممارسات إلى أمراض خطيرة يعانون وذويهم منها.


ورأيت لو انتشرت تلك الجماعات فى جميع أنحاء مصر كجماعة بيئية تنموية تعليمية تضم جميع فئات المجتمع بجميع طبقاته، الكل يدلو بدلوه فى خدمة البيئة من أجل بيئة نظيفة ومواطن ينمو بداخله حب بلاده ويتفانى من أجل تنظيفها وجمالها.

الكل يشترك من خلال تلك الجمعية أو الجماعة أو التنظيم أو النادى لا يهم هنا المسمى، ولكن كل مايهم هو الغاية السامية التى نصبو إليها جميعاً وهى خلق مواطن لا يرضى إلا بالعيش داخل مجتمع راقٍ.

ولن يتحقق هذا المطلب السامى إلا إذا تضافرت كل أطياف المجتمع يداً بيد بتمويل ذاتى لرسم مصر المستقبل، ولجعل المواطن البسيط يرى الدنيا بنظرة مختلفة، يرى من خلالها الممكن الذى كان فوق مخيلاته الطبيعية، وقد أصبح حقيقة تُرى على أرض الواقع، فيصبح انتماؤه للوطن فعلاً وليس كلامات تُسمع وتُردد وما تُخبِئه الصدور شىء مختلف، فيكون قادراً وقد نضج فكرياً بحيث لايقبل أن يسمع غير صوت الأفعال، فلا يكون للكلمات صدى فى أُذُنيه بل الكلمات التى تُجَر بالأفعال، والأفعال التى تأتى بالنفع والمصلحة للجميع.

فنوادى الروتارى مع احترامى وإعجابى الشديد بها لا يرى الناس منها غير يوم نجد فيه بعض أعضائها وهم بالطبع من الطبقات الغنية فى المجتمع، يرتدون الملابس والأحذية الرياضية البيضاء الغالية الثمن، ويرتدون فى أيديهم قفازات بيضاء ويضعون على أنوفهم كمامات الوقاية من الأتربة ويقومون بالتنظيف والتجميل، وهذا جميل ورائع، ولكن الأجمل والأروع هو تعليم ومتابعة شباب يُجند نفسه من أجل استمرارية هذا الصنع العظيم.

لانه ليس من المنطقى أن يتركوا وظائفهم وأشغالهم ويتفرغوا بأنفسهم لتلك الأعمال، ولكن إذا تضافرت الجهود وكانت لنوادى الروتارى فروع أخرى تضم فقراء المناطق الفعلية التى تحتاج إلى نظافة وتجميل ويكونون متاشبكى اليد معهم وتجنيد ناس بمقابل وناس أخرى متبرعين بلا مقابل مادى، ويراها الأهالى بصفة دورية وتباركها وتحميها مؤسسات الدولية المدنية والدينية، فتصبح نظاما ودستورا حياتيا يعاقب من يخرج عن مبادئه الأساسية لأصبحنا فى بداية طريقنا إلى العالمية وإلى اصطفافنا بجوار أكبر الأمم الأوربية.

قد يتهمنى البعض بالرومانسية الحالمة، وبأننى أنادى بعالم اليوتوبيا الخيالى، فلا والله أنا أحلم بما هو قابل للتحقق، أنا لا أحلم بالمستحيل بل أحلم بما هو متاح فعله، فسأعطى لك مثلا.. كان والدى يقوله لى دائما تخيل لو أنك دخلت مكتبا نظيفا مرتبا وكل موظفيه يتحركون وفق نظام قوى ويتكلمون معك بابتسامات تعلو شفاههم، وحالك لو دخلت على آخر نقيض الأول بلا نظام ولاتنسيق ولا بروتوكول فى الحوار، ففى الأول سيجبرك النظام على أن تكون متوافقاً مع النظام لدرجة أنك تجلس وتطمئن على نظافة حذائك وهندامك وتصفيفة شعرك ورباط عنقك وتمسح نظارتك وتخرج زجاجة عطر لتزداد عطراً وبريقاً حتى لو كان هذا متعارضا مع طبائع أمورك اليومية.

وفى المكتب الآخر لو دخلت عليهم وأنت فى كامل زينتك ربما يتخذونك هزواً ولو بنظرات مختلسة وربما تشعر بأنك أخطأت عندما دخلت ذلك المكان بهذه الهيئة حتى لو كانت تلك الهيئة هى من طبائعك المعتادة، ربما يجبرونك بأسلوبهم وطريقتهم العشوائية على أن تتخلى ولو لبعض الشىء عن أناقتك، فتخيلوا كيف يكون الجمال أسلوب حياة.
الجريدة الرسمية