رئيس التحرير
عصام كامل

الرياضة ولعنة السياسة.. متلازمة قديمة تصل شظاياها إلى ميسي

ميسي
ميسي

ألغيت المباراة الودية بين المنتخبين الأرجنتيني والإسرائيلي، والتي كان من المقرر أن تقام في التاسع من الشهر الحالي بمدينة القدس، في إطار استعدادات فريق "التانجو" لمونديال روسيا 2018.


وقالت مصادر إعلامية إسرائيلية إن إلغاء المباراة كان بسبب "ضغوط سياسية"، ففي أول تعليق رسمي إسرائيلي، أعرب وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان عن أسفه لكون المنتخب الأرجنتيني "لم يقاوم ضغوط الذين يضمرون الكراهية لإسرائيل وهدفهم الوحيد انتهاك حقنا الأساسي في الدفاع، وتدمير إسرائيل" -على حد زعمه-.

كما أوضحت السفارة الإسرائيلية في بوينوس إيرس أنها "تأسف لإعلان تعليق إقامة المباراة".. متحدثة عن وجود "تهديدات واستفزازات" بحق ميسي.

الأمر الذي نفاه رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب معتبرا، في مقابلة مع DW عربية، أن ذلك يدخل ضمن "بروباجاندا تستعملها إسرائيل للزج بالسياسة في الرياضة".

وأضاف أن المباراة تتعارض مع الشرعية الدولية، وتنتهك قوانين الـ«فيفا»، وبالمنطق التجاري فإنها ستتسبب في خسارة للأرجنتين، لكن الرجوب اعترف بأنه دعا إلى حرق قميص ميسي ومقاطعته في حال شارك في تلك المباراة.

إلغاء المباراة الودية بين الأرجنتين وإسرائيل، والاتهامات المتبادلة بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني، باستغلال الرياضة لتحقيق مآرب سياسية، تأتي قبل أيام على انطلاق مونديال 2018 والذي تستضيفه روسيا، المتهمة هي الأخرى من قبل خصومها الغربيين باستغلال هذا الحدث لتنفيذ الدعاية الروسية.

فهل باتت السياسة تسيّر الرياضة وتتحكم في مفاصلها؟ وما تأثير ذلك على العرس الكروي العالمي الذي ستحتضنه روسيا قبل أيام؟ ومن سيكون أقرب للمشجعين، حرارة الملاعب، أم حرارة السياسة؟

تسييس منذ الإغريق
"منذ أن كُتب للرياضة أن تتواجد على هذه البسيطة ظلت دائما مختلطة بالسياسة، وبالتالي فقد كنا دائما أمام تسييس الرياضة أو ترييض السياسة"، هكذا يصف الدكتور منصف اليازغي، الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية، العلاقة التاريخية التي تجمع بين السياسة والرياضة.

"فمنذ عهد الرومان والإغريق كان ينظر للأبطال المتوّجين على أنهم مصدر فخر للأمة الرومانية والإغريقية.. وقبل سنوات فقد استخدمت الرياضة كواحدة من أسلحة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي"، يقول اليازجي، وهو بذلك يشير إلى دعوة الولايات المتحدة المعسكر الرأسمالي إلى مقاطعة الألعاب الأوليمبية في موسكو لعام 1980 وذلك للاحتجاج على التدخل السوفياتي في أفغانستان، فيما ردت 14 دولة محسوبة على المعسكر الشرقي بمقاطعة الألعاب الأوليمبية لعام 1984 والتي أقيمت في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية.

وهكذا نجد أن علاقة السياسة بالرياضة حاضرة في كل زمان، لكن ما يتغير هو شكل تدبير تلك العلاقة ومدى عمق تأثير الأولى في الثانية. فبحكم أن "السياسة لا تعترف بحدود الاستغلال، فقد تكون الرياضة وسيلة مهمة لتسجيل نقاط سياسية"، يؤكد الدكتور اليازجي، ويشير إلى الإشكالات التي لاحقت روسيا قبل نيلها شرف استضافة كأس العالم 2018، حيث تم توظيف السياسة للطعن في أحقيتها في استضافة المونديال.

والآن وقبل أيام من يوم الافتتاح ما زال الجدل بين روسيا ودول غربية قائما على خلفية اتهامات لموسكو بتدبيرها عملية تسميم العميل الروسي المزدوج سكريبال، فيما يحاول "بوتين إظهار بلاده بمظهر الدولة القوية والقادرة على تنظيم كأس العالم بالرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده".

رونق الرياضة وغبار السياسة
إن الأمثلة التي تدعم نظرية استغلال السياسة للرياضة لا يمكن حصرها لكثرتها، فبالرغم من الدعوات التي تطلق في كل زمان ومكان، ومن قبل السياسيين والقائمين على الهيئات الرياضة، بضرورة تجنيب الرياضة ضغوط السياسة، إلا أننا نعيش تكرارا لتلك الممارسات التي "تفقد الرياضة شيئا من نقاوتها، لكنها تحافظ على رونقها مع كل منافسة جديدة" كما يقول الدكتور اليازجي.

فاستغلال السياسة للرياضة هو دليل على قوة الأخيرة في الوصول إلى قلوب الجماهير التي عادة ما تكون بعيدة كل البعد عما يجري في دهاليز السياسة، فهل كانت جماهير إنجلترا ستقبل بمقاطعة مونديال روسيا 2018 بسبب أزمة سكريبال؟ الجواب طبعا لا، يتساءل ويجيب الدكتور اليازغي المتخصص في السياسة الرياضية. ما يعني أن حتمية تأثر الجماهير بما يمليه السياسي ليست دائما صحيحة، وهو المثال الذي قد ينطبق على دعوة جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي طالب بمقاطعة ميسي في حال شارك في مباراة الأرجنتين مع إسرائيل.
الجريدة الرسمية