أطفال على أبواب لجان الثانوية..الشمس الحارقة تهون أمام حلم الأخ الأكبر
أمام كل مدرسة تحتضن طلاب الثانوية العامة لأداء امتحاناتهم، تجدهم يقفون متراصين عند المدخل أو يلتفتون حولهم بحثًا عن بقعة يستظلون بها من شمس نهار يونيو الثقيلة فوق رؤوسهم الصغيرة.
أن تجد أمهات وآباء في انتظار خروج أبنائهن من الامتحان، هذا أمر عادي، ولكن أن تجد وجوههم وأجسادهم الصغيرة تستقبلك بالعبارة ذاتها "إحنا جايين مع إخوتنا الصبح للامتحان علشان نتطمن عليهم".
في الخامسة من فجر الأحد الماضي، الذي وافق مع انطلاق ماراثون امتحانات الثانوية العامة، استيقظ "محمد" 8 سنوات مع مريم أخته الطالبة بالمرحلة الثانوية، طاف بعينيه الدقيقتين على الكتب الموضوعة أمامها، ليطلق سؤاله الطفولي "إنتي يا مريم بتذاكري في كل ده ؟، لتجيبه قائلة: "مهي دي الثانوية العامة يا محمد".
لم يستوعب محمد الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي ما تعني أخته بتلك اللفظة، إلا أنه ظن أن الأمر كأنه شبح خفي يطارد أخته، ويستوجب مع الاستيقاظ مبكرًا والذهاب معها، وانتشارها حتى انتهاء الامتحان، "أول ما الامتحان خلص جري على بوابة المدرسة وقعد ينادي على مريم زي المجنون، ويسأل البنات مشوفتوش مريم"، تتحدث والدة محمد. مؤكدة حرصه الشديد على الجلوس مع مريم أثناء المذاكرة مرددا العبارة ذاتها "ربنا معاكي ويوفقك".
أما مصطفى 14 عامًا، وقف منذ الصباح الباكر أمام مدرسة الخصوص الثانوية بنين بالقليوبية، يتابع بتركيز ما يدور خلف البوابة الحديدية المغلقة، ثم يعاود الجلوس بجواز والدته، في انتظار شقيقته الكبرى، "أنا باجي هنا مع أختي علشان لما تنجح إن شاء الله أحس بفرحتها بجد وإني كنت معاها، أنا نفسي أشوفها مهندسة ديكور زي ما بتتمنى".
بالرغم من حرص مصطفى على عدم التواجد في المذاكرة المخصص لشقيقته في المنزل، إلا أنه يحرص طوال الوقت على أن يظل مستيقظًا، ما دامت هي منكبة على الكتب والملازم تسترجع ما ذاكرته سلفا، "بفضل صاحي طول الليل لحد ما بنزل معاها الصبح وبعد ما اتطمن إنها خلصت امتحان بروح أنام لأني بكون مطبق طول الليل".
متابعة مصطفى الدائبة لتبعات وتأثيرات العام الذي قضته أخته في المذاكرة والدروس وجمع الأموال لسد حاجة المدرسين، جعله يرفض رفضا تاما دخول الثانوية العامة، "أنا هدخل صنايع 5 سنين علشان عايز اطلع مهندس، وقالوا لي ممكن تطلع مهندس من ثانوي عام، قلت لا كفاية اللي شافته أختي والفلوس اللي اتصرفت، نص فلوس أبويا كانت رايحة على التعليم.. وكمان المواد الكثيرة اللي مكنتش بتلمها".
محمد صاحب الـ8 سنوات الذي جاء برفقة أخته إسراء للاطمئنان عليها بعد ليلة شاقة، ليراها بعينيه وهي باسمة بعد أن يزاح جانب من الحمل الثقيل عن كاهلها "بحب أكون موجود علشان أول ما تخرج اتطمن إنها بخير ومبسوطة، نفسي ربنا ينحجها علشان هي تعبت كتير السنة دي"، محمد أيضًا عانى ويلات الثانوية العامة وإن لم يذقها، الأمر الذي جعله يصر على عدم دخول تلك المرحلة الخانقة، وقفًا له، "أنا مش هدخل ثانوية عامة، هدخل صنايع علشان الثانوية مصروفاتها كثيرة وصعبة".
أما فاطمة 7 سنوات، والتي ظلت على مدى الليلة الماضية جالسة بجوار شقيقتها، تحلم لها ولنفسها الحلم ذاته، بأن تصبحا طبيبتين، "أنا باجي هنا علشان اشوفها بنفسي مبسوطة بعد الامتحان، تفسي تطلع دكتورة وأنا كمان".