رئيس التحرير
عصام كامل

الدوحة والعرب «كواليس عام المقاطعة الأول».. تدبير اغتيال السيسي والانقلاب على الملك سلمان أبرزه.. وخطة إعلامية للعام الثاني.. تميم يشعل «صراع العروش» للهيمنة على منطقة الخليج

الدول العربية ومقاطعة
الدول العربية ومقاطعة قطر

في مثل فجر هذا اليوم قبل عام تحديدا، الموافق 5 يونيو 2017، صدر من مملكة البحرين بيانًا رسميًا يؤكد قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وفى غضون الدقائق اللاحقة صدر نفس البيان من الرياض ثم الإمارات قبل أن يختتم «بيان الفجر» دورته الإقليمية في القاهرة، بعدما قرر الرباعي العربي مقاطعة الدوحة دبلوماسيًّا على خلفية تصريحات أدلى بها أمير قطر تميم بن حمد، في 24 مايو 2017 حملت إساءة للدول الشقيقة واستقوائه بقاعدة "العديد" الأمريكية، ورفضه للعداء الذي يناصبه العرب لإيران، واعترافه رسميا بالعلاقات الطيبة التي تربط بين الدوحة وتل أبيب.


تصريحات «تميم» المفجرة للأزمة أدلى بها في حفل تخريج الدفعة الثامنة من مجندي الخدمة الوطنية في ميدان معسكر الشمال، ونقلته وكالة الأنباء الرسمية "قانا" التي كذبت نشرها وادعت الدوحة اختراق الوكالة الرسمية والزج بالتصريحات عليها، رغم إثبات الأيام التالية لصحته.

ما كان من الرباعي العربي بعد رفع «تميم» قناع الأشقاء وكشف وجه الحقيقى ونواياها تجاه أمته سوى قصف سماء قطر فجرا ببيان المقاطعة، لتشهد المنطقة نهاية حقبة عقود متتالية نجحت الدوحة خلالها في التمدد إقليميًا وفتح قنوات تواصل مع الميلشيات المسلحة في ربوع المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، عبر دعم ميليشيات الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء بالغرب الأفريقي، مرورًا بمصر التي تجرعت مرارة خداع تنظيم «الحمدين» منذ عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حتى إسقاط نظامه في يناير 2011، وبعدها تموضعت قطر داخل قصر الاتحادية عقب دخول الرئيس المعزول محمد مرسي إليه، واستغلت ذراعها الإقليمية جماعة الإخوان في خلخلت استقرارها لسنوات.

كواليس ما قبل المقاطعة
قرار المقاطعة العربية انضم إليه عدد من العواصم الأخرى، بعدما طفح كيل أنظمتها من التدخلات القطرية ودعمها للتطرف بالمال والسلاح وخطط استخباراتية تبين فيما بعد تورط تركيا وإيران وعواصم غربية في وضعها.

صحيح أن الخلاف (المصري – القطري) لم يكن وليد هذه اللحظة، ولطالما بُح صوت القاهرة الرسمية من نداءات التحذير حول مخططات الدوحة «الشريرة»، منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي ناصبته قناة «الجزيرة» الفضائية، العداء الصريح واختلقت قصصا وأكاذيب حول سياسته الداخلية والخارجية، وجندت الداعية الهارب يوسف القرضاوي في التحريض عليه.

«الدوحة» التي خططت لإسقاط «القاهرة» والزج بها إلى مستنقع الفوضى، بلغ ذروته عقب ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الإخوان ولم يسلم الرئيس الحالي للبلاد عبد الفتاح السيسي، من هذا التآمر والعداء المعلن دون مواربة لدرجة وصلت لتدبير عملية اغتياله حسب كم هائل من الوثائق السرية التي تسربت في سنة أولى مقاطعة.

هدم المملكة
ربما يكون دخول السعودية على خط المواجهة هو الجديد في مسلسل تآمر الذي فجر الأزمة ولم يكشف عنها علنية في وسائل الإعلام حتى الآن، وتكشفت ملامحه عقب تصعيد الأمير محمد بن سلمان إلى منصب ولي عهد المملكة.

بعدها مباشرة شرعت قطر في كشف أوراقها على طاولة المقامرة الإقليمية، وتبين لاحقًا تدخل الأمير تميم بن حمد، بطريقة تشبه الفيروس في جسد العائلة المالكة، ودشنت ميليشياته الإلكترونية ومواقعها الإخبارية التي يقف خلف تمويلها إضافة إلى أذرع جماعة الإخوان الإعلامية، مدعومة من الإعلام التركي والإيراني، حملة مضادة ضد «بن سلمان» بهدف التحريض على قادة المملكة، من خلال دعم أجنحة أخرى في العائلة بهدف الوصول بها إلى قصر اليمامة والإطاحة بحكام البلاد.

أشهر صعبة مرت بها الرياض ونجحت في تفادي موجة عاتية ضربت بحر المملكة مركز انطلاقها الدوحة، وعمل القائد الشاب في المملكة على احتواء جميع الخلافات من خلال الحوار، وتبني سياسة الانفتاح حتى ووصل ببلاده إلى بر أمان.

التحريض على نظام الحكم في السعودية، لم يكون الجرم الوحيد الذي ارتكبه نظام تميم في حق السعودية، وكشف لاحقا دفعها أموالًا طائلة لـ«لوبي» ضغط في واشنطن بهدف تمرير قانون «جاستا» الذي يزعم تورط السعودية في أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وامتنع الرئيس الأمريكي الأسبق عن استخدام الفيتو الرئاسي في عرقلة الموافقة عليه، بهدف فتح شرايين المنطقة أمام تميم حسب الوعود المبرمة بين الطرفين منذ ثورات الربيع العربي التي وضعت لها الدوحة ميزانية مالية هائلة لتسريع إسقاط الأنظمة العربية والواحدة تلو الأخرى.

صراع العروش
صراع العروش الذي أشعلته الدوحة في الخليج، لم تسلم منه الإمارات والبحرين، ونالت أبو ظبي حصتها عبر فرع تنظيم الإخوان وتجرعت المنامة كأسه من خلال دعم الشيعة هناك لتقديم المملكة هدية لإيران الشريك الفاعل لتميم في جميع مخططاته الرامية لزعامة الخليج وإسقاط حكامه.

ما بعد الفراق
بعد الفراق العلني وتقاطع الطرق بين العرب والدوحة، لم يمنع التاريخ المشترك، النظام القطري من إظهار نواياه الحقيقة، بعدما جلب جنود تركيا إلى المنطقة العربية بهدف توفير الحماية لنظامه، والاستقواء بالرئيس رجب طيب أردوغان، على جيرانه العرب.

الطريق إلى طهران.. كان خيار تميم بن حمد، لقناعته بضرورة التحالف مع العدو التقليدى للمملكة العربية السعودية، وعمل بكامل طاقته المالية على دعم جماعة الحوثي في اليمن، وتحولت الجزيرة بنفاق إعلامي تجيده بواقع خبرتها في هذا المجال من الهجوم على الانقلابيين في اليمن، إلى اتهام السعودية بارتكاب مجازر جماعية في اليمن وفتحت منابرها لقادة الحوثي للمساهمة في تشويه صورة المملكة وتحريض المجتمع الدولي ضدها.

مليارات الفدية
مليارات الغاز القطري التي حرم «تميم» شعبه من التمتع بها، حولها بكامل إرادته إلى دعم الميليشيات الإرهابية الموالية لإيران في العراق وإيران، من خلال ما يسمى بـ«الفدية» لتحرير رهائن في عمليات استخباراتية تم إعدادها بعناية للتغطية على عمليات التمويل.

شراء الذمم بصفقات التسليح
الترتيبات التي قامت بها قطر لاعتلاء عرش المنطقة، منذ عهد الأمير السابق حمد بن خليفة، ورئيس الوزراء حمد بن جاسم، الثنائي الذي يعرف إعلاميًا حاليًا بتنظيم «الحمدين»، بدأت بدعم «داعش» و«القاعدة» بالأسلحة، واستمرارا لشراء ذمم الغرب بصفقات السلاح أبرم نجله تميم في عام المقاطعة صفقات مع الغرب تفوق قيمتها 25 مليار دولار للتعويض، علاوة على شراء ذمم صحف ومنظمات غربية تعمل على إصدار تقارير وبيانات مضادة للرباعي العربي، مقابل تلميع النظام القطري وإظهاره في صورة المدافع عن الديمقراطية بالمنطقة أمام أنظمة اعتادت على وصفها بـ«الديكتاتورية».. الوثائق المسربة التي تخطت نحو «3 آلاف وثيقة» تحمل أدلة دامغة على دعم قطر للإرهاب في المنطقة العربية (أفريقية وآسيوية) تجاهلتها هذه الصحف والمنظمات أمام الرشوة القطرية السخية.

هدم المنظمات العربية
المنظمات العربية متمثلة في الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، لم تسلم هي الأخرى خلال الاثنى عشر شهرا الماضية، من هجمة منظمة تبنتها الدوحة بهدف هدمها، واستهدفت قطر علنية الجامعة العربية وعملت من خلال أبواق السياسيين في كل من قطر وتركيا على مهاجمة الجامعة وأمينها العام (المصري) أحمد أبو الغيط، لتقليل وتقزيم دورها للوصول بها في نهاية المطاف إلى "بيت أشباح" تسكنه الخلافات وسط القاهرة.

مجلس التعاون الخليجي هو الآخر لم ينجُ من معول الهدم القطري، ولوحت الدوحة بالانسحاب منه وطالبت صراحة بإلغائه، وكان لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الدور الأكبر في الحفاظ على كيانه، حيث فضل ثعلب الدبلوماسية العربية البقاء بعيدا عن صف المقاطعة، لخلق ممر للتفاهم والمصالحة على أمل لملمة الصف العربي وإنقاذه من الشقاق، ومثلت قمة التعاون الخليجي التي انعقدت في الكويت نهاية العام الماضي، وبالرغم من غياب القادة عنها، صمام أمان ضد هدم كيان المجلس لحين زوال العاصفة على أمل قبول قطر بقائمة المطالب الـ13 التي قدمها العرب مقابل طي صفحة الخلافات.

الكعبة والقدس
لم تترك قطر ورقة في ملف أزمة المقاطعة دون اللجوء لها، ومقدسات المسلمين دفعت ثمن تآمر تميم وأذرعه الإرهابية، وكانت الدعوة الصريحة لتدويل الحج ووضع مكة تحت وصاية دولية أبرز النماذج الفجة على اللعب بالورق المحظور، القدس هي الأخرى لم تفت الدوحة الفرصة لترضية أمريكا وإسرائيل بها في مقابل دعمها أمام الأشقاء العرب.

الدور الأمريكي والغربي
هذه الأزمة المتفجرة منذ عام والمرشحة للاستمرار، وجدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يمارس السياسية الدولية بعقلية "رجل الأعمال" ورغم امتلاك أجهزته الاستخباراتية من الدلائل على دعم قطر للإرهاب، ووضع رقبته على حبل المشنقة الدولي، فضل غض الطرف عنها بهدف ابتزاز جميع الأطراف مقابل الانحياز لطرف ضد الآخر.

مستقبل الأزمة
مع دخول الساعات الأولى لبداية العام الثاني من المقاطعة يبدو أنه لا أمل في رجوع «الشقيق العاق» عن السير في طريق التخريب والعناد، وأكد الخبير الإماراتي سالم الكتبي، لـ«فيتو»، أن اجتماع وزراء إعلام دول المقاطعة الذي استضافته العاصمة «أبو ظبي» الأسبوع الماضي، وضع إستراتيجية عمل للعام الثاني من المقاطعة بهدف مواجهة منابر التطرف التي تدعمها قطر وأعوانها (تركيا وإيران) ووضع خطة إعلامية عربية موحدة في مستهل العام الثاني من الأزمة.


"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية