رئيس التحرير
عصام كامل

هل سيسقط الأردن؟


هي الاحتجاجات الثالثة خلال عشرة أعوام تقريبًا التي يشهدها البلد الشقيق بذات السيناريو وللأسباب عينها، إنها الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها بلد على حدود النار، هو بالقرب من امتداد عرش قديم، وهو صاحب الحدود الأطول مع العدو الإسرائيلي، وهو على حدود بلدين تحكمهما أنظمة جمهورية ثورية في العراق وسوريا، وما بهما من أحداث ساخنة طوال ربع قرن، وهو على حدود التماس مع الأرض المحتلة الملتهبة على الدوام وما بها من امتدادات على أراضيه.. هذا البلد لينجو من كل ذلك يحتاج دائمًا إلى حاكم ذكي يجيد لعبة السياسة وما بها من توازنات بموازين الذهب.


الأردن الحبيب.. بلد صغير في مساحته فقير في موارده لكنه كبير بشعبه المتعلم المثقف وببلده الجميل التي تحتاج إلى بئر بترول واحد ليتغير حالها ومع ذلك ووسط هذه الأمواج المتلاطمة يستمر الأردن في الوجود والحضور في الأسرة الدولية كما يستمر في المعاناة الاقتصادية التي تفرضها كم المعونات التي يحصل عليها، أولها الدعم الخليجي بفضل التزامات الأشقاء، وثانيها أمريكي بحكم الرغبة في الاستقرار في البلد، وثالثها من أوروبا وبعض المانحين.

في الأردن - وكما رأينا بأنفسنا وفي زيارات لكل مدن الأردن ومؤسساته شعبية ورسمية من أربد إلى العقبة، ومن عجلون والبحر الميت إلى الزرقاء - نهضة تعليمية هائلة بل وعلمية، ولكن في الأردن وضع عشائري قبلي حاكم هيمنت رؤوسه على العلاقة مع الحكم وعلي الاقتصاد وعلى المجالس النيابية المنتخبة، ويمكن حصر ما يقرب من مائة عائلة وقبيلة هيمنت على المجلس النيابي منذ الأربعينيات ومنها يتشكل الأردن.

من عربيات إلى البطاينة، والخصاونة، والعكايلة، والبقاوية، والشبايلة، والمجالي، وحدادين، والزريقات، وغيرها، إذن السؤال: ولما الحال كذلك.. كيف انفجرت الأوضاع؟ الكل يعرف القصة المعلنة من ارتفاع في الأسعار وقانون للضرائب يرفضه الجميع وهذا حقيقي وصحيح لكن ما لا يعلنه ولا يتكلم فيه أحد هو الغضب من الموقف المتشدد من موقف الأردن من قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وما تلاها من سفر الملك عبد الله إلى تركيا للقمة الإسلامية المنعقدة للسبب نفسه، وهو ما أغضب أطرافًا عربية ودولية لا ترحب بالاستجابة لدعوات من أردوغان.

لكن هل ستمتد الاحتجاجات إلى حد خروج الأمور على السيطرة؟ أغلب الظن أن ذلك لن يحدث، فأولاً الأردن لا يعاني من أزمات طائفية ومذهبية كما الحال في بلاد أخرى، وثانيًا الفاصل واضح ومحدد عند الشعب الأردني بين الحكومة والملك، وثالثًا ورقة القبائل جاهزة للجوء إليها عند الضرورة وهذه اللحظة لم تحن بعد.

فالدولة الأردنية تتعامل رغم كل ما يجري بثبات وبالنفس الطويل فحتى اللحظة لم يقل الملك الحكومة وربما تم ذلك اليوم، لكن حتى اللحظة لم يحدث وبما ينفي انهيار أعصاب الحكم هناك، كما أن المعارضة حددت الأربعاء موعدًا للإضراب، وهو موعد يعني منح الفرصة للتراجع عن القرارات الأخيرة أو أخطرها.

هذا لو وقفنا عند حدود الأردن، أي بالنظر إلى الداخل الأردني، لكن لو وضعنا المؤامرة على خط التحليل السياسي ورؤية المشهد، سنقول إن الأردن مطمع لبعض الآراء الصهيونية التي تؤمن بترحيل فلسطيني واسع إلى هناك وإنهاء القضية الفسلطينية لكن هل حانت اللحظة؟

اعتقادنا أنها لم تحن، ولا ينبغي التعامل مع المخططات الصهيونية باعتبارها قدرًا، وهذا يحتاج إلى تحليل مستقل يضع المنطقة أو حتى العالم كله تحت المجهر فما يجري كبير جدًّا وخطير، وارتفاع أسعار البترول جزء منه إذ تم بقرار من عدد من المنظمات السرية التي تحكم العالم، وإلى حين ذلك يكون الرهان على حكمة وذكاء الملك عبد الله، وعلي وعي الشعب الأردني الطيب والحبيب، وعلى موقف فلسطيني حاسم يجب أن يدين ما يجري وبحسم، وعلي وعي عربي يغلب المصالح الكبرى على الضيقة.
الجريدة الرسمية