هل يصبح عبد الرازق مقري الرجل الحديدي في تاريخ إخوان الجزائر.. يطمح في تكرار سيناريو حركة النهضة.. غيَّر قواعد الترقي في الجماعة ورفض جعل السجن ممرًا للمناصب.. يحاول تسويق مشروعه لدى القوى السياسية
لم يكن سهلاً، إعادة تنصيب عبد الرازق مقري، رئيسًا لحركة مجتمع السلم ـــ ذراع الإخوان في الجزائر ـــ بعدما خاض منافسة شرسة، مع سلفه أبو جرة سلطاني، رئيس الحركة السابق، وصاحب الشهرة والنفوذ، الذي كان يطمح في العودة مجددًا، مما أثار عدة تساؤلات عن كيفية حصول «مقري» على هذه الثقة، لدرجة أن البعض أصبح يعتبره الرجل الحديدي في تاريخ الإخوان.
أرشيف مقري السري
البحث في أرشيف رئيس الإخوان وأفكاره ليس صعبًا، ربما لوضوح الرجل وعلانية أفكارة تجاه الآخر، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها، السر الأكبر في قدرته على التأثير، وحشد هذه الجماهيرية التي حملت له الغلبة على منافسه التاريخي أبو جرة سلطاني، الذي يحمل بعض الميوعة في إيضاح ما يريد، وإن كانت أكثر اعتدالاً بمراحل من عبد الرازق مقري.
تعدى طموح "مقري" الحالة الإخوانية، وأصبح يسير على درب حركة النهضة التونسية، في محاولات الانفتاح على المجتمع، والخروج بعيدًا عن شرنقة الجماعة، وإعادة تقديم أوراق اعتماد نفسه وجماعته، لدى جميع القوى السياسية، مجمعًا لا مفرقًا لهم، بعكس ما كانت عليه الإخوان طوال تاريخها مع معارضيها، سواء داخل الجزائر أو خارجها.
يُسوِّق الرجل حاليًا مشروعه السياسي، الذي حصل به على ثقة الإخوان، إلى المعارضة الجزائرية، ويعتبره مشروعًا صالحًا لإدارة الدولة إذا اقتُدي به، خصوصًا أنه يركز على 7 محاور حداثية، هم صلب أفكاره، لدرجة أنه جعل منهم أساس اختيار المكتب التنفيذي الجديد للحركة، وذراعه الأيمن في حكم الجماعة.
الجمع بين الأجيال
استطاع عبد الرازق مقري، توفير ثلاثة أجيال في المكتب الجديد، فبعيدًا عن رئيس الحركة ونائبيه ورئيس مجلس الشورى الوطني، أصبح كل أعضاء المكتب، من العناصر البارزة في القيادة المركزية، التي تشكلت بعد وفاة محفوظ نحناح، مؤسس حركة السلم.
أصحاب الخبرة
أعطى مقري الأولوية لأصحاب الخبرة العالية، وخصوصًا الذين تدرجوا في سلم العمل السياسي والمسؤوليات «خطوة خطوة» وهو أمر كشفته وسائل الإعلام التي تتبعت سيرهم الذاتية، خلال إعلانهم بوصفهم أعضاءً جددًا للمكتب التنفيذي.
الشهادات العليا
كما هي عادة الإخوان بجميع أنحاء العالم، فَضَّل «مقري» أصحاب الشهادات العليا على غيرهم، حتى لو كانوا من ممارسي العمل السياسي، وأصحاب الخبرة فيه؛ لذا حرص على انتقاء جميع من رُشِّحوا للمكتب التنفيذي وفازوا بعضويته بالفعل، من أصحاب الشهادات الجامعية، وبعضهم حصل على عدة شهادات، بالإضافة إلى شهاداتهم الأصلية.
ممارسة السياسة
تجاوز مقري عقد الإخوان الكثيرة، التي تعتبر أصحاب المحن والأكثر سجنًا، الأولى بصفوف المقدمة، فغيّر القاعدة وأصبح من ممارسي العمل السياسي وخاصة الذي تولوا مناصب في المجالس الشعبية المحلية، ثم تدرجوا في العمل السياسي، ليحصلوا على عضوية البرلمان، هم أصحاب الحظ الأوفر في قيادة أخطر كيان في الحركة "المكتب التنفيذي".
كما استقدم رئيس الإخوان أعوانه من المحليات، وخصوصًا الولايات التي حققت فيها الحركة نجاحًا بمختلف المجالات، لإعطاء دلالة للقوى السياسية، أن الحركة تعتبر ممارسة القيادة استحقاقًا وليس منحة، لتغيير الصورة النمطية السائدة عنها، كما وضع شرطًا أساسيًّا، وهو تمتع الجميع بالنزاهة والقبول في ولاياتهم وبالساحة السياسية، باعتباره شرطًا لتصعيدهم.
خطة مقري وإن كانت تشير إلى تقدم على مستوى الفكر والخروج عن شرنقة الإخوان من فرع الجزائر، إلا أن عامل الوقت، والريبة التي ما زالت تحكم الكثير من القوى السياسية في تصرفات الإخوان، وانعدام الثقة فيهم، تجعل محاولات الرجل مجرد حرث في ماء، خصوصًا أنه يحمل أفكارًا انعزالية، ولم يراجع معتقداته الفكرية والسياسية حتى الآن، كما هو الحال في تونس، التي أعلنت انسلاخها عن الإخوان فكرًا وتنظيمًا.