القبطان نبيل عبد الوهاب أحد أبطال «إيلات»: كبدنا إسرائيل خسائر فادحة.. وهذه بطولات البرقوقي
- الإسرائيليون لم يفتحوا علينا النار.. والجندي المصري خير أجناد الأرض
قال القبطان البطل نبيل عبد الوهاب، أحد أبطال الضفادع البشرية، والذي شارك في عمليات إيلات، إن القوات المصرية كبدت العدو الإسرائيلي خسائر فادحة، مشيرا إلى أنهم نجحوا في ضرب عمق إسرائيل، وتنفيذ 5 عمليات دون معرفة جنود الصهاينة وأجهزة مخابراتهم بما يجري في الكواليس، وإلى نص الحوار:
حدثنا عن كواليس استشهاد الرقيب فوزي البرقوقي أحد أبطال العملية "إيلات"؟
الرقيب فوزي البرقوقي، ضحى بحياته حتى لا تنكشف العملية، فعندما وصلنا إلى السفينة "داليا" كل واحد منا كان يحمل لغما، أنا زرعت لغمي تحت وسط السفينة، وهو المفروض كان يزرع اللغم تحت مؤخرة السفينة، ونحن تحت الماء نتنفس الأكسجين الصناعي، وأحيانا نشعر بدوار فنخرج على سطح الماء ونتنفس الأكسجين الطبيعي ثم نعود للغطس مرة أخرى، وفوزي شعر بالدوار وكانت عملية الخروج إلى سطح الماء لن تستغرق بضع ثوان، ولكنه رفض الخروج خوفا من أن يكتشف الإسرائيليون وجودنا، وقام بزرع اللغم في مؤخرة السفينة، ولم يخرج من الماء، فصعدت روحه للسماء شهيدا.
لماذا لم تتركه وتنجو بنفسك خصوصا أن السفينة كانت على وشك الانفجار؟
البرقوقي لم يكن صف ضابط عادي، فهو كان صديقي وقريبا جدا مني، ثم إنه ضحى بنفسه حتى لا تنكشف العملية، أي من أجل مصر، كيف أتركه للإسرائيليين؟! نحن تعلمنا ألا نترك شهداءنا أبدا للعدو، ولأنه أحب مصر وضحى بنفسه من أجلها فأقل شيء كان من الممكن أن أقدمه له وقتها أن يعود جثمانه ليدفن في ثراها المقدس.
هناك من يقول إن الإسرائيليين شعروا بحركة وضربوا النار، وهو السبب في استشهاد البرقوقي؟
الناس لم تعرف بعمليات إيلات إلا من خلال فيلم الطريق إلى إيلات، والكثير كانوا يعرفون تدمير المدمرة إيلات فقط التي تم تدميرها أمام ساحل بورسعيد في 67، وكانت تحمل على ظهرها طلبة الفرقة النهائية للكلية البحرية الإسرائيلية، ولكن باقي العمليات ظلت مجهولة، حتى تم عمل فيلم "الطريق إلى إيلات"، ولكنه كان اختصارا للخمس عمليات التي قامت بها البحرية؛ من الوصول إلى الميناء وتدمير 4 سفن ثم الميناء نفسه، أنا كنت سعيدا عندما شاهدت الفيلم لأنه لولاه لما عرفَنَا الجيل الحالي، ولكن لا بد أن يكون هناك أفلام وثائقية توثق الأحداث الحقيقية لكل بطولات الوحدات الخاصة والبحرية والضفادع البشرية وبطولات حرب الاستنزاف وأكتوبر؛ حتى نعطي للشباب دفعة بأنه لا يوجد مستحيل.
أما بشأن ضرب نار علينا من الإسرائيليين خلال تنفيذ العملية فإن هذا أمر لم يحدث مطلقا، فكل العمليات دخلنا فيها إلى الميناء وخرجنا منه ورأينا التفجيرات بأعيينا، ولم ترنا أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وهنا تكمن عظمة التخطيط وبراعة التنفيذ قبل العمليات، كانت لدينا رهبة من الأسلحة المتقدمة التي تمتلكها إسرائيل التي أطلقت على نفسها "الجيش الذي لا يقهر"، ولكن بعد أول عملية تأكدنا تماما أن عقل وإصرار المصريين فاق كل التوقعات، وأن الأسلحة المتقدمة لم تقف عائقا أمام تحقيق أهدافنا؛ وهي كسر شوكة إسرائيل وضربها في العمق.
والحقيقة أن هذه العمليات لا تقاس فقط بحجم الخسائر المادية الإسرائيلية من الجنود والمعدات، ولكن بحجم الرعب والحالة النفسية التي سببناها لهم في عقر دارهم، فإسرائيل مثل أمريكا تحارب خارج حدودها، وعندما يصل الضرب للداخل تخاف على وجودها، والسادات قالها: "العمق بالعمق"، أي مثلما دخلوا سيناء وهي أرض مصرية نحن سنرد عليهم، ونجحنا الحمد لله، ولم يكتشف الإسرائيليون دخولنا أو خروجنا خلال 5 عمليات.
وكيف وصلتم إلى إيلات ورحلة العودة بعد العملية؟
عمليات إيلات برعت فيها أجهزة المخابرات والتحريات أولا، والتعاون بين الدول العربية، وهو ما نفتقده الآن، فكان هناك تنسيق بين مصر والجانب الأردني في جمع المعلومات، ثم صدرت لنا الأوامر من القيادة بالسفر إلى عمان، وسلموا لنا جوازات مزيفة، والحقيقة أنا كان لي موقف في المطار، فجوازي كان باسم طالب في السنة النهائية حقوق، والتأشيرة مكتوب بها سبب السفر "للفسحة"، ووقت العملية كان يتوافق مع امتحانات آخر العام، فكيف أسافر لقضاء إجازة وسط الامتحانات؟! هذا أثار الشك لدى ضابط المرور بالمطار، وأوقفني، وكانت الرحلة ستضيع عليّ، لكن أشار إليه شخص من بعيد برأسه فتركني أمر، وشعرت باطمئنان وقتها، وعلمت أن رجال المخابرات يتابعوننا.
وكيف وصلتم إلى إيلات ورحلة العودة بعد العملية؟
عمليات إيلات برعت فيها أجهزة المخابرات والتحريات أولا، والتعاون بين الدول العربية، وهو ما نفتقده الآن، فكان هناك تنسيق بين مصر والجانب الأردني في جمع المعلومات، ثم صدرت لنا الأوامر من القيادة بالسفر إلى عمان، وسلموا لنا جوازات مزيفة، والحقيقة أنا كان لي موقف في المطار، فجوازي كان باسم طالب في السنة النهائية حقوق، والتأشيرة مكتوب بها سبب السفر "للفسحة"، ووقت العملية كان يتوافق مع امتحانات آخر العام، فكيف أسافر لقضاء إجازة وسط الامتحانات؟! هذا أثار الشك لدى ضابط المرور بالمطار، وأوقفني، وكانت الرحلة ستضيع عليّ، لكن أشار إليه شخص من بعيد برأسه فتركني أمر، وشعرت باطمئنان وقتها، وعلمت أن رجال المخابرات يتابعوننا.
نزلنا في عمان لمدة يومين حتى أحضروا لنا المعدات والألغام، ثم تحركنا إلى مكان قريب من ميناء العقبة، وكل واحد منا معه البودي؛ وهو صف الضابط، أو الشريك الآخر، وتحركنا من نقطة الإنزال في مكان بين الحدود الأردنية السعودية، وكانت الأوامر بعد إتمام العملية هي العودة إلى نقطة الإنزال أو تسليم أنفسنا إلى المخابرات الأردنية.
نزلت أنا وفوزي البرقوقي الذي كان فرحا جدا باختياره للعملية، وكأنه ذاهب للقاء حبيبته، لم أعرف وقتها أنه يشعر بملائكة الجنة، ووصلنا إلى السفينة "داليا"، أنا زرعت اللغم، وشاهدته يشعر بالتعب، وبعد زرعه اللغم الخاص به وضبطه طلب مني الصعود به إلى الأعلى؛ لأنه يحتاج استنشاق الأكسجين، وصعدنا، ووجدته فارق الحياة، فهو كان يشعر بالدوار منذ وقت كبير، ولكنه رفض الخروج إلا بعد إتمام مهمته في زرع اللغم حتى لا يكتشفه أحد من الإسرائيليين الموجودين بالسفينة فتفشل العملية.
شعرت وقتها بخليط من الحزن والفرح، الحزن لفقدان البرقوقي الذي كانت علاقتي به لا تقتصر على ضابط ورقيب، ولكننا كنا أصدقاء منذ دخولنا القوات الخاصة، نأكل ونتدرب ونخرج لا نفارق بعضنا أبدا، فقررت سحبه، وهذا جعلني أتأخر على نقطة التجمع، وطلعت في قرية سياحية بجوار خليج العقبة مهجورة منذ حرب 67، وتابعة للأردن، ولم أجد أحدا فيها، بحثت حتى وجدت "كشك" خارج القرية وبه ضباط حرس حدود أردنيين، فعرفتهم بنفسي وقلت لهم إن هناك طائرة هليكوبتر أنزلتنا وقمنا بالعملية، وقالوا لنا سلموا أنفسكم للإخوة الأردنيين، فسألوني: أنتم الذين فجرتم السفن الإسرائيلية؟ قلت: نعم، فأخذوني بالأحضان، وهم في غاية الفرح؛ لأننا عرب ولدينا ثأر مشترك مع العدو الإسرائيلي، وطلبوا لنا الإسعاف إلى المستشفى، تم حجزي يومين، وعدت أنا وجثمان أخي وصديقي فوزي البرقوقي أحد الأبطال الذين سجلوا بروحهم أغلى معاني التضحية والفداء.
وبعد هذه العملية بـ3 شهور اشتركت في عملية تدمير الميناء الحربي "إيلات" مع صديق عمري القبطان عمر عز الدين.
هل شاركت في الـ5 مرات إغارة على إيلات؟
لا، اشتركت في 3 مرات فقط، وكانت حصيلة المشاركة تدمير السفينة "داليا" والرصيف الحربي "إيلات".
ما الدور الذي قمت به في حرب أكتوبر؟
تم تكليفي أنا ومجموعة من الضفادع البشرية بتدمير المجمع الرئيسي لحقل بترول بلاعيم بالتعاون مع رجال الصاعقة، وهذا الحقل كان ملك مصر، وعندما احتلت إسرائيل سيناء كانت تسرق البترول الذي كان فيه وتبيعه، وكانت الأوامر حرمانهم من الحصول على البترول حتى يعود إلى السيادة المصرية، وبالفعل نجحنا في تدميره تماما، وتكبيد العدو خسائر كبيرة من الأفراد والمعدات فيه، ومنعنا قواته من التزود بالوقود الذي يمتلكه المصريون.
ما أهم المهام التي كلفت بها بعد الحرب؟
بعد نصر أكتوبر وقرار وقف إطلاق النار صدرت لنا الأوامر بتطهير قناة السويس لافتتاحها، وبدأت أنا وزملائي بالتطهير لمدة عامين حتى بعد افتتاحها في 5 يونيو عام 75؛ لأن الإسرائيليين كانوا يرمون علينا قنابل 1000 رطل، وإذا لم ترتطم بجسم صلب لا تنفجر، والكثير منها كان في قاع القناة، وكان الخوف أنها تنفجر بالسفن التجارية بعد افتتاح القناة، والحمد لله قمنا بتطهيرها بالكامل نهاية عام 76، وبعدها تركت الخدمة وأنا برتبة عقيد لأنني شعرت أني أديت واجبي الحمد لله.
هل يمكن للشباب الآن القيام بأعمال مشابهة لبطولاتكم النادرة؟
ما قمنا به لم يكن بطولات من وجهة نظري، هذا كان عملا موكلا إلينا وقمنا بالتدريب الجيد وأنجزناه، وكان هناك عدو ظاهر وتغلبنا عليه بصمودنا وذكاء المخطط المصري، أما البطولات فهي ما يقوم به الآن أبطال القوات المسلحة في سيناء من حرب على أشباح لا يرونها، فمحاربة عدو معروف غير محاربة أهداف غير واضحة، وهناك تضحيات كبيرة تبذل من جانب الضباط والجنود ونحن لا نراها كلها، ولكنها بطولات عظيمة، وأتمنى أن يعود بي الزمن وأحارب معهم في سيناء.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"
هل شاركت في الـ5 مرات إغارة على إيلات؟
لا، اشتركت في 3 مرات فقط، وكانت حصيلة المشاركة تدمير السفينة "داليا" والرصيف الحربي "إيلات".
ما الدور الذي قمت به في حرب أكتوبر؟
تم تكليفي أنا ومجموعة من الضفادع البشرية بتدمير المجمع الرئيسي لحقل بترول بلاعيم بالتعاون مع رجال الصاعقة، وهذا الحقل كان ملك مصر، وعندما احتلت إسرائيل سيناء كانت تسرق البترول الذي كان فيه وتبيعه، وكانت الأوامر حرمانهم من الحصول على البترول حتى يعود إلى السيادة المصرية، وبالفعل نجحنا في تدميره تماما، وتكبيد العدو خسائر كبيرة من الأفراد والمعدات فيه، ومنعنا قواته من التزود بالوقود الذي يمتلكه المصريون.
ما أهم المهام التي كلفت بها بعد الحرب؟
بعد نصر أكتوبر وقرار وقف إطلاق النار صدرت لنا الأوامر بتطهير قناة السويس لافتتاحها، وبدأت أنا وزملائي بالتطهير لمدة عامين حتى بعد افتتاحها في 5 يونيو عام 75؛ لأن الإسرائيليين كانوا يرمون علينا قنابل 1000 رطل، وإذا لم ترتطم بجسم صلب لا تنفجر، والكثير منها كان في قاع القناة، وكان الخوف أنها تنفجر بالسفن التجارية بعد افتتاح القناة، والحمد لله قمنا بتطهيرها بالكامل نهاية عام 76، وبعدها تركت الخدمة وأنا برتبة عقيد لأنني شعرت أني أديت واجبي الحمد لله.
هل يمكن للشباب الآن القيام بأعمال مشابهة لبطولاتكم النادرة؟
ما قمنا به لم يكن بطولات من وجهة نظري، هذا كان عملا موكلا إلينا وقمنا بالتدريب الجيد وأنجزناه، وكان هناك عدو ظاهر وتغلبنا عليه بصمودنا وذكاء المخطط المصري، أما البطولات فهي ما يقوم به الآن أبطال القوات المسلحة في سيناء من حرب على أشباح لا يرونها، فمحاربة عدو معروف غير محاربة أهداف غير واضحة، وهناك تضحيات كبيرة تبذل من جانب الضباط والجنود ونحن لا نراها كلها، ولكنها بطولات عظيمة، وأتمنى أن يعود بي الزمن وأحارب معهم في سيناء.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"