الفقراء يدفعون الثمن!
أغرب الذرائع التي قدمت لتبرير محاولات هدم المؤسسات والجمعيات الخيرية، أنها تسيء لسمعة مصر عن طريق إعلانات وصفها البعض بأنها «كاذبة» تبالغ في مدي فقر المصريين.. وانتشار الأمراض بينهم، وكأن المؤسسات الدولية ليست لديها أدق المعلومات عن أحوالنا.. ومعاناتنا التي دفعت تلك المؤسسات إلى تصنيف مصر.. في مواقع متدنية، وليست إعلانات المؤسسات الخيرية التي فضحت أوضاعنا أمام العالم أجمع.
وجه الغرابة في هذا المنطق أنه يكمل رؤية المسئول الكبير عن إحدي المؤسسات وما أعلنه أمام الرئيس بأنه لا يوجد في مصر فقراء، أحد ما يتهم الجمعيات بأنها تضخم من أوضاع الفقراء.. والآخر ينفي وجود الفقر من الأساس.
ولو أن نقد المؤسسات الخيرية اقتصر عند الإسراف المبالغ فيه على الإعلانات التي أصبحت تتكلف ملايين الجنيهات تنفق من أموال المتبرعين، لكان هذا النقد صحيحا وإيجابيا ويدفع إلى تصحيح الأوضاع وأن نوجه تلك الأموال إلى تحسين الأحوال بالمستشفيات الحكومية.
والتخفيف من معاناة المرضى الغلابة، الذين يقفون في طوابير أمام كل مستشفى انتظارا لدورهم في العرض على الأطباء وبعد ذلك يواجهون مشكلة الحصول على الدواء الذي ارتفعت أسعاره بما يفوق قدرة أبناء الطبقة الوسطي، وليس الغلابة وحدهم.
إصلاح أحوال المؤسسات الخيرية أمر ضروري أما الدعوة إلى حرمانها من الصدقات والهيئات والتبرعات، فلن يتحمله سوى الفقراء وحدهم.
بالتبرعات أقيم مستشفى لمرضي السرطان في الصعيد ولا يدرك مدي معاناة المرضي الصعايدة سواء عذاب المواصلات.. والبحث عن مأوي.. ثم تتكرر رحلة العذاب يوميا لا يدرك تلك المعاناة إلا من تحمل قسوتها أو من لديه أقارب في الصعيد يعانون من المرض اللعين.
وما كان بمقدور الحكومة أن تقيم هذا الصرح وإلا كانت أقامته منذ زمن بعيد، ما يدل على أن مساهمة المجتمع المدني في المشروعات الخدمية أمر محمود.. ويجب تشجيعه.. بدلا من إحباط الذين يتطوعون لإنجاحه وخدمة البسطاء.
ذريعة أخرى اتخذت في الهجوم على الجمعيات الخيرية من منطلق أن الفقر لا يواجه بالصدقات والتبرعات وهذا صحيح.
مواجهة الفقر تقع على عائق الدولة ووضع خطط التنمية التي تستوعب ملايين الفقراء وما تقدمه المؤسسات الخيرية لا يدخل في دائرة مواجهة الفقر، إنما مجرد المساهمة في تخفيف معاناة المصريين في محافظات مصر وقراها.. ونجوعها وكذلك إقامة مشروعات خدمية ربما لا تضعها الدولة في مقدمة أولوياتها، أي أن دورها يكمل مسئوليات الدولة بمساهمات شعبية غير رسمية وليس بديلا عنها.
ولو انهارت تلك المؤسسات فالبديل القائم جميعات تسعي للاستيلاء على التبرعات والصدقات باسم الدين.. وتدعي أنها تتبع القواعد الشرعية في إنفاقها.. وغالبا ما توجه لتنفيذ الأفكار المتطرفة. ورعاية المتطرفين.
يبقي أن مسئولية الدولة أن تراقب أداء تلك الجمعيات.. دخولها التي تحصل عليها من تبرعات المصريين وتراقب طرق إنفاقها.. وتحاسب مجالس إداراتها.. وتوجه الأموال لإقامة مشروعات تخدم الفقراء وبغيابها يدفع الفقراء الثمن!