السرورية.. قصة أخطر تنظيم إسلامى متطرف أخطر من القاعدة والإخوان
قال ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في حوار سابق لمجلة «التايم» خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، أن أتباع السرورية هم الأكثر تطرفًا في الشرق الأوسط، وأعلى درجة من الإخوان المسلمين.
جاء التصريح كأول إشارة صريحة من نوعها، لهذا التيار العريض من تيارات الإسلام السياسي، كما يعتبر تصريحًا رسميًا على صعيد الدول العربية كافة، مؤكدًا في حديثه أن السروريين مجرمون بموجب قوانيننا، وستتم محاكمتهم متى ما توفرت الأدلة الكافية ضدهم.
وثائق أبوت آباد
في هذا السياق، كان مثيرًا ما كشفت عنه الدفعة الأخيرة من وثائق أبوت آباد، مفسرةً ما جاء في حديث ولي العهد السعودي عن السروريين، والكاشفة عن بعض تفاصيل العلاقة الجامعة ما بين التيار «السروري» والجماعات الأصولية المسلحة بالعراق، وتحديدًا مجموعة الزرقاوي وتنظيم القاعدة من جهة، والجيش الإسلامي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين بالعراق من جهة أخرى.
ولعل هذه الوثائق التي أطلعت عليها «العربية.نت» تكون الأولى في فضح العلاقة الجامعة بين السرورية ورموز تيار ما يعرف بالسلفية الجهادية كالقاعدة وداعش، وغيرهما من جماعات العنف المسلح، رغم مساعي الأول في نفض تهم التطرف والتكفير عن نفسه، والإدعاء باستنكاره عبر منابره الإعلامية تنفيذ العمليات الانتحارية.
انقسام سروري
وتشير الوثائق التي جاءت على لسان المندوب الخاص لـ «عطية الله الليبي» القيادي في تنظيم القاعدة، إلى الانقسام السروري في الساحة العراقية، بدعم عدد من رموز التيار السروري في السعودية للزرقاوي ونائبه أبو عمر البغدادي، وبين فريق آخر عمد إلى تشكيل تنظيم مسلح خاص تم التعريف به في الوثائق بـ«الجي أس»، بقيادة شخصيتين من رموز التيار السروري، ساعدا على تأمين تمويل شهري له بمبلغ مليون ريـال، بحسب ما ورد في الوثائق، ويقوم بالإشراف عليه«أن» أبرز القيادات التنظيرية للسرورية والبعيد عن الأنظار بين الأوساط الجماهيرية للتنظيم السروري.
وبحسب موقع «العربية نت» السعودي، تأتي هذه التقارير والرسائل المرسلة من قبل أحد عناصر تنظيم القاعدة، والوسيط ما بين تنظيم الزرقاوي المعروف حينها باسم «تنظيم دولة العراق الإسلامية»، ثم «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، وبين رموز التيار السروري، إثر الخلاف والاقتتال الذي دب بين جماعة الجيش الإسلامي بالعراق وتنظيم القاعدة ما بين عامين 2006 و2007.
لتبدأ بسبب ذلك مساعي الاستقطاب، للتأييد وجمع الأموال ووفقا لما بدأ فيه الوسيط رسالته: شيخي الحبيب أبي عبد الرحمن «المقصود به عطية الله الليبي» لقد التقيت بمجموعة من المشايخ المشهورين الذين وقعوا على بيان نصرة أهل السنة الأخير بالعراق ضد الصفويين، وسألتهم عن انطباعهم عن بيانك الأخير وبيان الإخوة في دول العراق الإسلامية، وكذلك عرضت عليهم كلهم رسالتك والشروع في بناء جسور معهم.
معلومات مهمة
وأضاف: لقد قالوا لي الكثير من المعلومات المهمة، وبعض التصورات عن الأحداث الجارية، وأبرز من استفدت منه هو الشيخ أبو ظفر«ب، ب» حفظه الله، واتفقنا على الجلوس للقاءات مطولة لصياغة مجموعة من التقارير، وهناك الكثير من التفاصيل التي سأذكرها لك بخصوص البيان الخاص بدعم أهل السنة بالعراق وقصته وما الذي حصل بالضبط.
وعن بيان، نداء أهل السنة في العراق وما يجب على الأمة من نصرتهم المنشور في 18 ذو القعدة 1427، قال وسيط الزرقاوي: البيان تم التوقيع عليه في اللقاء الذي يحصل كل 4 أشهر، بين مجموعة من أشهر المشايخ وحضره 70 شيخًا، وعرض عليهم البيان، ووافق عليه 38 فقط، ورفض الباقون التوقيع لأسباب مختلفة، منها اعتراض على الصياغة، ومنها خوف من التضييق عليهم ولأسباب أخرى، والبيان كان يحوي 4 أسطر، فيها تهجم على دولة العراق الإسلامية، وأنها دولة غير شرعية، وأصر مجموعة من المشايخ وعلى رأسهم «ع، ب» على حذفها فاضطر البقية للرضوخ لرأيهم، لأهمية تواقيع تلك المجموعة الرافضة.
تفنيد الاجتماع
ويتابع الوسيط المرسل من قبل عطية الله الليبي القيادي في تنظيم القاعدة، في تقريره تفنيد نتائج اجتماعه مع عدد من رموز التيار السروري قائلا: الجميع رحبوا بالتواصل وقرؤوا الرسالة الشيخ «ع، ب» وهو أحد الرموز العلمية الدينية للتيار السروري تأثر بالرسالة كثيرًا، وقال: عفى الله عنك أخي عطية، فو الله إنك رفعتني فوق منزلتي، وإنما أنا عبد ضعيف، ودعا بالنصر والتمكين لدولة العراق الإسلامية، الشيخ «ب، ب» «داعية سروري» فرح برسالتك، وكان مرتاحًا كثيرًا عند التعامل معي، وقال: أنصح الشيخ عطية ودولة العراق الإسلامية ألا يصدروا بيانا للثناء على هؤلاء فإنهم سينقلبون عليكم.
شخصيات في الرياض
وأضاف: أكثر شخصيتين مراقبتين في الرياض «ب، ب» وأبو مالك «ع، ر» والثاني هو أكبر رأس مؤيد للجيش الإسلامي، وله موقف معروف من القاعدة، ولذلك تفرغ الشيخ «ب، ب» للعمل السري منذ عام، وقال لي «ب، ب» إن المشايخ الثلاثة «ع، س»، و«ي،أ»، و«م، ه»، مؤيدون للمجاهدين، ولكن لا يظن أنهم يمكن أن يفيدوا المجاهدين حاليًا في الاستشارات ونحو ذلك، لانشغال بعضهم في الاحتساب وإنكار المنكر في الأسواق والصحف، وقال لي: إنه قابل أمير الجيش الإسلامي بالعراق، وكذلك قابل وفد المحاكم الإسلامية الذين أوصاهم بسحق الحكومة الانتقالية في بيداو قبل وصول الدعم الإثيوبي.
كذلك كان من بين من التقى بهم: الشيخ «س، ز» وهو من رموز العمل السياسي السروري وقيادي نشط، ودعا للشيخ أبو عمر البغدادي، وقال لي: أخبر الشيخ عطية أن سبب توقف الأخوة، عدم وجود وسيلة عملية تلوح بالأفق لنصرة الشيخ والبيانات لا تجدي، وكان الشيخ يوصي بعدم الرجوع لمشايخ الجزيرة، لأن قلوب أغلبهم ليست مع المجاهدين.
مندوبين من خراسان
وقال الشيخ، إن هناك مندوبين من خراسان والعراق يلتقون به دوريًا، أما الشيخ «ع،ج» وهو من رموز التنظير الفكري للسروريين وخاصة بنسخته القطبية، تفاعل كثيرًا مع بدء التواصل، ودعا للشيخ عمر ولأسرى المسلمين، وقال: إنهم وصلوا إلى مرحلة يتمنون فيها وجود أخ يلتقون به، ليتأكدوا من بعض الأمور، ويوصلوا بعض الأشياء، والشيخ «م،ه» وهو من رموز ما يعرف بالمحتسبين، أو الجانب الجماهيري للتيار السروري، تفاعل مع بدأ التواصل وهو على استعداد لخدمتكم بما يستطيع.
وقال الشيخ «ي،أ» وهو الجناح الاحتسابي السروري، إن هناك مندوبين من بعض الفصائل، حضروا الاجتماع أو بشكل أدق، المشايخ المؤيدين لفصائل معروفة، ولهم تواصل قوي مع مندوبيها.
مشايخ السعودية
وبحسب الاتفاق المبرم ما بين الوسيط لعطية الله الليبي، وأحد قيادات التيار السروري «أبو ظفر» بإمداده بعدد من التقارير المنتظمة عن أحوال المشايخ في السعودية جاء فيها: «لو اقتنع ن، ع و أ، ن بالإخوة في الدولة فسيكون فتحًا عظيمًا جدًا، فهؤلاء السرورية لديهم كوادر وطاقات كثيرة جدًا، يمكن الاستفادة منها لمشروع الدولة، فنسأل الله أن يشرح صدورهم، ولا بد أن نبذل بعض الجهود في تجلية الأمر لهم.. وأبشرك بأنه قد تم تكوين مجلس شهري سري فيه 7 من مشايخ الجزيرة، لنصرة دولة العراق الإسلامية، والتكفل بما تحتاجه وفيه أنا و«س،ز» و«م،ف»، وغيرهم وأنا متفائل بنتائجه كثيرًا.. هناك لجان تجمع التبرعات في الرياض والقصيم لبلاد الرافدين، ولا أعلم إن كان هناك أحد يجمع لخراسان، ولعلنا ننظر في الموضوع ويمكن عرض خطاب طلب الدعم عليهم، وبعضهم قد لا يخدمك في القضايا المالية، والتركيز حاليًا في الجزيرة على أمر التبرعات على بلاد الرافدين والشيخ «ع،ب» و«ع،ج» لا يريان إعلان الدولة الآن، وذلك من باب السياسة الشرعية».
وأضاف الوسيط نقلًا عن «أبو ظفر» عن جمع التبرعات: هناك نشاط محموم في الرياض هذه الأيام، لجمع مبلغ 40 مليون دولار أمريكي، من قبل الجي اس لمعركة بغداد، ولقد جمعوا مبلغًا كبيرًا عن طريق المشايخ، ولكن لا أدري كم بالضبط، ولقد زارني «ن،ع» طلبًا للدعم بناء على طلب أبي مالك منه أن يساعده في الأمر.
النفس السلفى
وينقل مندوب عطية الله الليبي على لسان صاحبه «أبو ظفر» توضيحه بشأن حال التيار السروري قائلا: أخذوا النفس السلفي والدروس العلمية، واستعملوا طرائق الإخوان في التنظيم والترتيب والتنسيق، بحيث تتوافق مع المنهج السلفي، وذكر لي أبا ظفر أن الثابت عنده أن رءوس السرورية يكفرون الدولة ويرونها غير شرعية، ولكنهم يقولون إن المصلحة والسياسة تقتضي السكوت عنهم في هذه المرحلة، ولقد استشكلت هذا الكلام كثيرًا، فقال لي أبو ظفر: إنه متأكد مما يقوله، وإن له علاقة قوية ببعض كبارهم، فهناك فرق بين خطابهم المعلن وخطابهم السري في بعض المسائل، فحتى قواعدهم لا تعرف عن تكفيرهم للدولة.
وتجدر الإشارة إلى نجاح التيار السروري في اللعب على المتناقضات في خطاب أقل ما يمكن وصفه بالتكتيكي، يصل بطبيعة الحال في نهاية المطاف، إلى ذات مخرجات التيارات «الجهادية» المتطرفة، من تكفير للدولة ونقض للبيعة.
فنظريًا تحمل الأدبيات السرورية تكفير العاملين بالقوانين الوضعية، واعتباره كفرًا أكبر مخرجا عن الملة، واعتبار الجهاد من أعظم الواجبات الشرعية في الوقت الراهن، إلا أنه واقعيًا يسعى إلى ترويج عدم اعتباره من المصلحة المواجهة المسلحة ضمن ما يعرف بالسياسة الشرعية التي ينتهجها، وبالمقابل يرى الديمقراطية كفرًا ودينا غير دين الإسلام، إلا أنه على أرض الواقع يجيز الدخول والمشاركة في الانتخابات والتصويت في سبيل تحقيق المكاسب السياسية.
شهادة بن لادن
إلى جانب ذلك، كان من بين الوثائق، شهادة احتفظ بها بن لادن ضمن مجموعة وثائق أبوت آباد، وهي لأحد عناصر تنظيم القاعدة عرف نفسه بـ «أبو عثمان القحطاني»، واسمه الحركي «عضو محتسب».
تناول القحطاني في شهادته التي دونها في العام 2007 في أحد المنتديات الجهادية والتي كانت بعنوان «مؤامرات السرورية وحسدهم.. والكيد المستمر»، قصته التي بدأت مع التيار السروري في أواخر الثمانينيات الميلادية، وانتهت بلقائه بـ «عبد الله عزام» وارتباطه بتنظيم القاعدة في أفغانستان.
اللافت في الرواية ما تحدث فيه عن مساعي التيار السروري في مزاحمة ما يعرف بالتيار الجهادي، طمعًا في تصدر المشهد على الساحة الإسلامية، وبالأخص عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي وجد فيها السروريون فرصة مواتية لطرح أنفسهم كبديل إسلامي معتدل.
ليكشف عن طلب أحد رموز التيار السروري في السعودية، قبيل أحداث الـ11 من سبتمبر بأشهر قليلة، من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إنشاء معسكر خاص في أفغانستان لتدريب عناصرهم قائلا: في العام 2001 وقبيل الضربات بأشهر قليلة، أتى إلى قندهار أحد الإخوة المجاهدين القدامى، هذا الأخ كان في سنة 89 أمير أحد المراكز التابعة للشيخ أسامة.. في جلال آباد، ففرح الشيخ بقدومه فرحًا كبيرًا لكن الفرح ما لبث أن انقلب حزنًا وهمًا وغمًا على الشيخ، ذلك أن الأخ كان مرسلًا من أحد مشايخ السرورية وليس سفر أو سلمان حتى لا يذهب فكركم بعيدًا، بل هو الرجل الثالث، ولا أريد أن أسميه، وقد أتى بأموال كثيرة وعنده مشاريع خيرية لمساعدة الطلبة، لكن للأسف اتضح فيما بعد أن أتى يريد أن يقيم لهم معسكرات يدربون فيها شبابهم، بعيدًا عن التكفيريين وعن القاعدة، فرفض الشيخ بشدة، وقال للأخ: هذه أفغانستان أمامكم بطولها وعرضها، افعل ما شئت من أعمال الخير، وأما المعسكرات فهذه معسكراتنا أمامكم دربوا فيها من تريدون من شبابكم، ولكم منا السلاح والمدربون المتخصصون، أما أن تكون لكم معسكرات خاصة مغلقة فلا.
الكثير من التفاصيل تكشفها وثائق أبوت آباد عن علاقة السرورية بتنظيم القاعدة، والجماعات الراديكالية المسلحة، والتي لطالما اكتنفها الكثير من الغموض.
رحم الإخوان
مع ذلك، لا يمكن إغفال البوادر الأولى لافتضاح شيء من ملامح العلاقة السرية لتنظيمين خرجا من رحم الجماعة الأم «الإخوان المسلمين»، والتي كانت عبر بيانات القاعدة في اليمن، التي فضحت الستر الرقيق الذي كانت تسعى إليه معارضة لندن «سعد الفقيه» ومن معه، لترويج أسمائهم في الإعلام الغربي بوصفهم دعاة حرية وإصلاح سياسي، وليسوا دعاة إرهاب، من خلال ما عرف بحملة «معتقلي الرأي» ومن ثم إلا الحرائر حتى تصعدت إلى «فكوا العاني».
في حين أن بيان زعيم القاعدة في اليمن المطلوب السعودي «سعيد الشهري» قدم هذه الأسماء بوصفهم من دعاة الخير والجهاد أي الفكر الإرهابي، وهذه كانت لحظة كاشفة تبين الاندماج بين الجناح السياسي والعسكري لجماعات الإسلام السياسي.