رئيس التحرير
عصام كامل

أسامة الجندي يكتب: العاشر من رمضان نموذج لقيم التخطيط والتوكل على الله

أسامة الجندي
أسامة الجندي

إن الأمم الواعية التي تريد التنمية والتطور هي التي تذكِّر بين الحين والآخر لكل جيل من أجيالها، بل ومع كل طفل يولد لها، بمظاهر عزتها وصور انتصاراتها، ولا شك أن من أهم مظاهر الاعتزاز وصور الانتصار هو نصر العاشر من رمضان 1393هـ/ السادس من أكتوبر 1973م.

وأعلم جيدًا أن هناك كتابات كثيرة عن نصر العاشر من رمضان وكيف أن الجيش المصري قدم كل ما يملك من إمكانات وقدرات، وجادوا بأنفسهم وأرواحهم من أجل تلك اللحظة التي كان الشعب المصري كله ينتظرها ويتمناها وهي النصر، وسوف أحاول في هذه المقالة أن أبتعد عن صور الانتصارات الكثيرة ومعاني البطولة العظيمة التي ظهرت في نصر العاشر من رمضان؛ لأن الكتب والمقالات قد امتلأت بها كثيرا، وإن كنا في حاجة دائما لنتذكرها ولنقرأها، وسوف أحاول أن أسلّط الضوء على ذلك العقل المصري في تلك الفترة فترة الحرب وكيف أنه اختار السنة والشهر واليوم والساعة؟ بما يدل على عقلية واعية قامت بالتفكير والتخطيط والتنظيم والترتيب والابتكار حسب الآليات التي كانت متاحة في وقت الحرب.

وقبل أن أذكر سبب اختيار السنة والشهر واليوم والساعة، أحب أن أذكر تلك الكلمات لموشيه دايان حينما عقد اجتماع مع القيادات اليهودية وهم يدرسون مدى إمكانية أن تقتحم مصر خط بارليف المنيع والساتر الترابي – هذا إذا أضفنا إلى الإمكانات المتاحة وقتها أن الحرب كانت في شهر رمضان –، فقال موشيه ديان ساخرًا: إن مصر حتى تستطيع أن تقوم بذلك، فإنها تحتاج إلى سلاحيّ المهندسين الروسي والأمريكي.
وقد استطاعت مصر بفضل الله عز وجل أن تفعل ذلك بقوة وعزيمة وإصرار وتوكل واعتماد على الله، وحنكة في التخطيط والإدارة والتنظيم، وكان شعارهم في الحرب هو «الله أكبر»، تلك القوة الروحية مع حسن التوكل والاعتماد على الله والتي كانت حافزًا لجلب النصر بإذن الله تعالى.

سبب اختيار سنة 1973م:
1. استكمال بعض الأسلحة والمعدات التي كانت تنقص الجيش المصري.

2. وصول معلومات تفصيلية إلى القيادة المصرية بأن إسرائيل قامت بعقد اتفاقيات عن عقود التسليح وعن الأسلحة ونوعياتها التي سوف تصلها في عام 74، لذلك فإن الانتظار إلى ما بعد عام 73 سوف يعرض القوات المصرية إلى مفاجآت من الممكن أن لا تستطيع مواجهتها مواجهة صحيحة أو تكلّف القوات جهودًا وتكاليفًا أكثر ونحن في أشد الحاجة إليها.

سبب اختيار شهر أكتوبر:

1. أن شهر أكتوبر كان أنسب طقس دولي؛ وذلك للجهود المصرية وقتئذٍ حيث انفتحت على أفريقيا وآسيا وأوروبا، وأدت هذه العلاقات إلى أن يكون هناك رد فعل موافق تقريبا مع مصر ضد العدو، فأصبح العالم مستعد لسماع وقوع حرب بين مصر والعدو.
2. أن شهر أكتوبر كان شهر المناورات العسكرية، وبالتالي فإن الجيش المصري سيتحرك تمهيدًا للحرب تحت ستار المناورات العسكرية.

3. أن شهر أكتوبر كان أنسب طقس مناخي؛ حيث إن مناخه كان معتدلا بين الصيف والشتاء.

4. أن شهر أكتوبر وافق في تلك الحرب شهر رمضان، وشهر رمضان من منظور العدو هو شهر كسل وخمول وركود، وبناء على ذلك فمن المستحيل أن يحارب المصريّون في رمضان وهم في حال صوم وخمول وكسل حسب اعتقادهم.
5. أن شهر أكتوبر كان مملوءًا بأعياد اليهود؛ حيث كان شهر أكتوبر به ما يقرب من ثمانية أعياد، أي أن الحياة في إسرائيل يصيبها الاهتمام باللهو وغير ذلك نظرًا لكثرة أعيادهم.
6. أن شهر أكتوبر عند إسرائيل هو شهر الانتخابات البرلمانية، فقد كانوا يستعدون لها في أواخر الشهر، ومعلوم ما تكون التجهيزات والإعدادات لمثل تلك الانتخابات، وبالتالي فهو يصرفهم كثيرا عن الاستعداد للحرب.

سبب اختيار اليوم السادس من أكتوبر:

1- يوافق يوم السادس من أكتوبر في ذلك العام يوم كيبور هو أحد أعياد إسرائيل وهو عيد الغفران، وقد أعلنت مصر وسوريا الحرب على إسرائيل في هذا اليوم لأسباب يذكرها رئيس هيئة العمليات للجيش المصرى خلال الحرب في مذكراته ويقول، «وضعنا في هيئة العمليات دراسة على ضوء الموقف العسكري للعدو وقواتنا، وفكرة العملية الهجومية المخططة، والمواصفات الفنية لقناة السويس من حيث المد والجزر. درسنا كل شهور السنة لاختيار أفضل الشهور في السنة لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، واشتملت الدراسة أيضا جميع العطلات الرسمية في إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم إجازتهم الأسبوعية، حيث تكون القوات المعادية أقل استعداد للحرب. وجدنا أن لديهم ثمانية أعياد منها ثلاث أعياد في شهر أكتوبر وهم يوم كيبور، عيد المظلات، عيد التوراة. وكان يهمنا في هذا الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة في إسرائيل، ولإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطي بوسائل غير علنية ووسائل علنية تكون بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون، ووجدنا أن يوم كيبور هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد أي أن استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة، وبالتالى يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطي، وكان يوم السبت عيد الغفران ـ 6 أكتوبر 1973 وهو أيضا العاشر من رمضان أحد الأيام المناسبة وهو الذي وقع عليه الاختيار».


2-يوم السادس من أكتوبر كان يوافق يوم العاشر من شهر رمضان أي أن القمر يقترب أن يكون بدرًا، ومعنى ذلك أن هناك نورًا للقمر، فيستطيع سلاح المهندسين أن يتحركوا في الظلام وتحت ضوء القمر معًا؛ مما يتيح لهم صنع العبارات وغير ذلك.

3-يوم السادس من أكتوبر كان يوافق أقل نسبة مدى وجزر للمياه، فلا يعوق تحرك الأدوات والآليات في البحر.

4-يوم السادس من أكتوبر كان فيه إتمام وصول بعض الأنواع المعينة من الأسلحة.

سبب اختيار الساعة:

ومزيدًا في الخدعة والفراسة عند المصريين أن يختاروا الساعة الثانية بعد الظهر؛ وذلك لأنه في هذا الوقت تكون أشعة الشمس في ظهور جنودنا المصريين، وبالتالي فهي في وجه العدو، أي أن أشعة الشمس تنعكس على وجوههم، فتكون وكأنها مانعة لهم عن الرؤية الكاملة أو الواضحة.

الجريدة الرسمية