لاجئون في فريق إطفاء الحريق البرليني
كالعديد من السوريين الذين قدموا إلى ألمانيا لأجل حياة آمنة ومستقرة جاء محمد يوسف الغامدي إلى برلين بعد رحلة محفوفة بالمخاطر لا تزال تفاصيلها بحلوها ومرها عالقة بذهنه، غادر محمد مدينة حلب في سوريا بحثا عن شاطئ السلام.
إلتقينا محمد في ساحة شاسعة في مبنى الحماية المدنية، المطافئ، حيث يقوم بمرحلة تأهيلية يسعى من ورائها إتقان هذه المهنة الإنسانية المتميزة ليصبح واحدا من رجال المطافئ في طاقم الحالي، وحول اختياره لهذه المهنة دون غيرها.
يقول الشاب الحلبي : "لقد تعرفت على هذه المهنة في عين المكان في يوم الباب المفتوح، حينها قدمت بمعية ثلة من الشباب السوريين بزيارة هذه المؤسسة للتعرف على الدور الإنساني الذي يضطلع به رجال المطافئ في مدينة برلين والذين نراهم دوما بصافراتهم العالية في شوارع المدينة."
ويضيف محمد يقول بأن الدور الإنساني كان الدافع الأساسي بالنسبة له وهو القادم من مدينة حلب التي يعاني فيها أبناء مدينته الأمرين غالبا بدون مساعدات رجال المطافئ التي اختفت كمؤسسة،ويضيف حول العامل الإنساني الذي يعد العامل الرئيس الذي حرك أحاسيسه:" أود أن أكون منقذا ومساعدا لكل إمرء يستحق المساعدة كيف ما كانت، أن هذا العمل يوافق تماما تصوراتي المهنية." يبتسم الشاب الوسيم محمد بقوة بنيته وبدماثة أخلاقه.
إضافة إلى قناعته بالقيام بمثل هذا العمل الإنساني فإنّ شروطا أساسية يجب أن تتوفر لدى كل رجل مطافىء، وتطرق محمد في مجرى حديثه إلى التجهيزات والآلات العصرية التي لم يرها قط في حياته فمضى يقول:" لقد تمكنت هنا في إطار تكويني من التعرف على أجهزة عصرية لا حصر لها لكل منها وظيفتها الخاصة..." لقد كان الوافد السوري يذكر لنا أسماء التجهيزات وخراطيم المياه المتنوعة في حجمها المعلقة على جدار إحدى قاعات المبنى واصفا وظيفتها تارة باللغة الالمانية وتارة أخرى بالعربية.
بينما كنا نتجاذب أطراف الحديث متنقلين ببطىء هنا وهناك في فضاء القاعة الرئيسية حيث تجلس ثلة من رجال المطافئ ببذلاتهم المتميزة على أهبة الاستعداد، وإذ بأحدهم يخاطبنا وبيده فنجان القهوة مبتسما :" لقد تعلم محمد الكثير هنا، وبات اليوم واحدا منا، هل قال لكم بأنه يعشق العمل بخراطيم المياه..." ثم ألقى الحلبي بنظرات وديعة نحونا وقد بدت على محياه الابتسامة قائلا:" ما قاله داريوس صحيح، نعم أنا احب العمل بخراطيم المياه لإخماد النيران، لقد باتت هذه المهمة اليوم من اختصاصي في طاقم العمل."
داريوس اولر الأربعيني في العمر ورئيس طاقم العمل المكلف بالسهر على تكوين محمد كرجل مطافئ ضمن طاقم من رجال المطافىء مكلفون هم أيضا بتكوين هذا الأخير في مختلف الاختصاصات في هذا المجال.
"محمد شاب مهذب وذكي كما أنه يولي واجبه المهني اهتماما كبيرا، يباشر عمله بانظباط يحترم الأوقات ويطبق الأوامر برحابة الصدر" هكذا نعت داريوس محمد ثم أضاف بأن محمد يريد أن يكون رجل مطافئ، رغبته في ذلك واتقانه للمهنة كافيتان للخوض في هذا المعترك، ثم مضى يتكلم مداعبا نظارته الشمسية التي كان يحملها طول الوقت بأن، محمد أظهر تمكنه من هذه المهنة الصعبة خلال مرحلته التكوينية التي هو بصدد القيام بها، ثم أضاف :" محمد يمتلك خاصية لا يمتلكها أحد منا، إنها اللغة العربية."لا شك أن اللغة تضطلع بدور هام في مثل هذه الحالات، الحرائق الإسعافات التي يقوم بها رجال المطافئ تطال أيضا للأسف الأقلية العربية في المدينة. لقد كان لنا عونا في بعض مهامها لدى العائلات العربية."
لم يثمن اولر لوحده انضباط والتزام واتقان محمد لمهنته المستقبلية بل هذا ما سمعناه ولمسناه أيضا من لدن زملائه الذين يرون فيه إضافة إيجابية لطاقمهم كما أنهم يودون أن يظل بينهم.
اللغة والغوص في مختلف المجالات الحياتية هما مفتاح التأقلم والنجاح
"نجاحي في عملي والإعجاب الذي جنيته من قبل زملائي يعود بالدرجة الأولى إلى اللغة الألمانية التي منحتها وقتا طويلا ناهيك عن البرامج الاندماجية التي شاركت فيها بكثافة وأخذها بعين الاعتبار".. هكذا وصف محمد سبب النجاحات التي حققها في حياته الجديدة في ألمانيا. تعلم اللغة الألمانية بالرغم من صعوباتها والمثابرة والنشاط في برامج اندماجية التي تعج بها الحاضرة برلين لمدينة جعلته يدخل الحياة اليومية في برلين من بابها العريض.
ومن بين المهام التي قام بها قبل أن يدخل ميدان الحماية المدنية يقول الحلبي: "عملت متطوعا في إحدى مبيتات الأطفال القصر، مهمتي تضمنت الترجمة والقيام بأنشطة تربوية في المبيت على غرار تنظيم رحلات في العطل الصيفية وزيارة المتاحف وحديقة الحيوانات وغيرها من الأنشطة".
وذكر لنا الشاب المتحمس أنه شارك فاعلا في برامج أخرى مثل مصاحبة المسنين ومرافقتهم في أوقات الفراغ وتنظيم جلسات للحوار، ومقاهي اللغة، بين الوافدين الجدد ومواطنين ألمان من مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية للتعرف على الحياة الألمانية والمحادثة باللغة الألمانية.
وبهذه العبارات أراد محمد تقديم النصح لأبناء وطنه من الوافدين الجدد على ضرورة تعلم اللغة والمشاركة الفعلية في البرامج الاندماجية المتنوعة من أجل الفوز بتجارب تمكنهم من التأقلم في المجتمع الجديد وحمل تجاربهم إلى وطنهم يوما ما إن أرادوا يوما ما العودة النهائية.
بالرغم من أن محمد قد جال في مختلف القطاعات سيما منه الاجتماعية وتعرف على خفاياها إلا أن مهنته المستقبلية كما قال لنا مرارا وتكرارا تظل مهنة رجل المطافئ نظرا لبعدها الإنساني، ثم توج كلامه قائلا: "حلمي أن أحمل تجاربي كرجل مطافئ يوما ما إلى أبناء وطني في سوريا حتى ينتفع وطني بما اكتسبته في برلين من مهارة في هذا المجال."
شكري الشابي / برلين
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل