حكايات «السادات» في مسجد الصالح قبل ساعات من حرب أكتوبر.. افتتحه ضمن خطة «الخداع الإستراتيجي».. التقى أصدقاءه وجيرانه في «حدائق القبة».. واستمد منهم قوة النصر في ملحمة ال
نصر أكتوبر، لم يكن مجرد حرب على الأرض، وتقدم للقوات المصرية لتحرير سيناء، بل سبقه سنوات من الخداع الإستراتيجي، كان خلالها الرئيس الراحل أنور السادات، يتفنن في إبعاد أجهزة المخابرات العالمية، والموساد على رأسها، عن التفكير في أن مصر من الممكن أن تخوض حربًا.
الأخبار التي كانت تتناقلها الصحف، بتعليمات رئاسية، حول حالة الأريحية التي تعيشها مصر، لم تكن الأمر الوحيد الذي استخدمه « السادات» في خطة الخداع الإستراتيجي، فهناك حكايات أخرى لم يسلط عليها الضوء بالقدر الكافي، ولعل أبرزها حكاية زيارة السادات لمنطقة «حدائق القبة» والصلاة في أحد مساجدها قبل الحرب بيوم، والتي لا يزال أهالي المنطقة يذكرون تفاصيلها وكأنها حدثت بالأمس.
مسجد صالح
«مسجد صالح».. الكائن بشارع ترعة الجبل في منطقة كوبرى القبة، كان افتتاحه من ضمن خطة الخداع الإستراتيجي، حيث زار الرئيس المنطقة قبل يوم من اندلاع الحرب، وافتتح المسجد، ثم أجرى زيارة لمجموعة من الأشخاص، كانت تربطه علاقة بهم في سنوات عمره الأولى، وتحديدًا قبل اندلاع ثورة 23 يوليو 1952.
«فيتو» أجرت جولة في المنطقة، والتقت عددا من الأشخاص الذين عاصروا واقعة زيارة الرئيس، والبداية كانت مع على محمد عمر، الذي أكد أنه يتذكر تفاصيل الزيارة، وقال: منزلى بجوار المسجد مباشرة، وفى يوم 5 أكتوبر73 أثناء تأدية صلاة الجمعة فوجئنا ببعض الناس الأغراب والرئيس السادات يدخل علينا المسجد، ولم نكن نتوقع هذه الزيارة أبدا، خصوصا أن المسجد لم يكن بهذا الحجم فكان مسجدا صغيرا ووزارة الأوقاف أعادت بناءه على الطراز الإسلامي.
وأضاف كنا نتوقع أن يفتتحه وزير الأوقاف وليس الرئيس السادات، وعندما دخل المسجد جلس في زاوية صغيرة وراء المصلين ولم يجلس في الصفوف الأولى كما يفعل الرؤساء، وبعد انتهاء الصلاة سلم على الموجودين بالمسجد ثم فاجأ الحراسة ولم يركب السيارة ومشى على قدميه إلى شارع بجوار المسجد وسلم على عم حسين الترزي، وجلس معه دقائق ثم اتجه إلى الجهة الأخرى وهى منطقة كوبرى القبة وتسلق الحجارة التي كانت موضوعة كحاجز على شريط القطار الذي كان يذهب إلى منطقة المرج، ثم اتجه إلى عم زكريا البقال وفوجئنا بالرئيس يأخذه بالأحضان ويجلس معه، وعرفنا بعد ذلك أن هذا البقال تربطه صداقة قديمة بالرئيس السادات، وكان يشكك منه هو وأسرته قبل أن يصبح رئيسا وبعدها غادر في السيارة.
الزي المدني
المهندس خالد نور الدين، التقط طرف الحديث من «عم على»، وأكمل متذكرًا تفاصيل الزيارة ذاتها: كنت وقتها أبلغ من العمر 7 سنوات، وكنت أصلى في المسجد وأثناء وقبل أذان الجمعة بدقائق قليلة وجدنا الرئيس السادات قادما بزيه المدني، وجلس في آخر الركن الشمالى من المسجد وعقب الصلاة أحاط الناس به ورحبوا بزيارته، وكان وقتها يؤدى معنا الصلاة خالد خاطر المحامى الذي انخرط في البكاء وقال للرئيس السادات، إن شقيقه كان نقيبا طيارا وتوفى في نكسة 67 فقام السادات بصرف سيارة ١٢٨ لمساعدته في الحركة لأنه معاق، وشقيقه كان سنده.
وتابع: بعد ذلك خرج الرئيس من المسجد ولم يركب سيارته وذهب إلى بدروم قريب في الشارع المجاور للمنزل كانت تسكن فيه سيدة فقيرة تدعى أم محمود وجلس عندها بضع دقائق، وعلمنا بعد ذلك أن هذه السيدة التي كان يجتمع الضباط الأحرار لديها في البدروم قبل ثورة 23 يوليو بعيدا عن أنظار البوليس السياسي بعدها ذهب إلى الترزى ثم إلى عم زكريا البقال.
القوة
في حين قال مجدى محمد أحمد، ضابط بالمعاش: السادات جاء إلى هذه المنطقة قبل حرب أكتوبر بساعات لأنه كان يستمد من أهلها القوة، حيث عاش في المنطقة، ومعظم أهالي المنطقة وقتها كانوا يعرفونه جيدا ويحبونه ومؤمنين به وبوطنيته، عكس الكثيرين في ذلك الوقت الذين شككوا في وطنيته وعدم قدرته على اتخاذ قرار الحرب، أرى في هذه الزيارة الحنين إلى الحياة العادية قبل تنفيذ أخطر قرار مصيرى في حياته وقتها وهو قرار العبور، وسميتها في ذلك الوقت استراحة محارب والعودة إلى طبيعته الأولى قبل التحاقه بالجيش وتوليه الرئاسة، فالقرار وقتها كان صعبا، وهذه المنطقة كانت النقطة الوحيدة التي يشعر فيها بالأمان وسط أصدقائه البسطاء: أم محمود وعم حسين الترزى وعم زكريا البقال، لم يلمه أحد منهم على عدم الانتقام أو عدم محاربته إسرائيل.
وأضاف: في اليوم التالى للزيارة فوجئنا بالقوات المسلحة تعبر خط بارليف، وتحقق انتصارات على العدو الإسرائيلي، فكانت فرحتنا فرحتين الأولى بالعبور والثانية كانت برؤية بطل قرار الحرب والانتصار، وفى الجمعة التالية للزيارة فوجئنا به مرة أخرى يصلى معنا في نفس المسجد، وكأنه جاء ليشكره على منحه البركة في النصر العظيم على العدو الإسرائيلى الذي احتل سيناء.
نقلا عن العدد الورقي..