رئيس التحرير
عصام كامل

المفكر اليساري عبد الغفار شكر: لا عودة لزمن المنابر الثلاثة.. أرفض فكرة اندماج الأحزاب.. آفة «اليسار» الانقسام..الدمج لن يصنع مشهدا سياسي مستقرا.. ومعظم قادة الأحزاب أصحاب مصالح يجمعهم القرب

المفكر اليساري عبد
المفكر اليساري عبد الغفار شكر

هل تعود مصر إلى عهد "المنابر الثلاثة"؟.. سؤال كبير فرض نفسه، وبقوة، على المناقشات السياسية خلال الأيام الماضية، وتحديدًا بعد الحديث عن اللجوء إلى ما اصطلح على تسميته بـ"الاندماج السياسي".. وضعنا السؤال على طاولة الحوار مع المفكر اليساري، عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان.


التاريخ العريض والخبرة الواسعة التي يمتلكها "شكر"، تجعله واحدًا من الأصوات العاقلة التي يجب الإنصات عليها قبل اتخاذ خطوة في الوسط السياسي، فالرجل إلى جانب مشاركته السياسية، يعتبر قارئا جيدا للتاريخ والتجارب الحزبية في مصر، لهذا قدم تحليلًا تاريخيًا لـ"يوميات السياسة والأحزاب المصرية مع الدمج".

"شكر" الذي أعلن من البداية رفضه فكرة اندماج الأحزاب، بهدوء معروف عنه أكد أن الحياة الحزبية في مصر حاليا غالبية من يديرونها ليسوا سياسيين، بل معظمهم إما رجال أعمال أو ضباط سابقون، الأمر الذي يبرر ميلهم وموافقتهم على فكرة الدمج، مشيرًا إلى أن العالم لم يشهد من قبل فكرة الاندماج الحزبي، اللهم إلا ما حدث في الدول الشيوعية، ولم يكن وقتها اندماج بقدر ما كان تنسيق.. وعن تفاصيل موقفه الرافض ورؤيته للحياة الحزبية في مصر حال اكتمال تنفيذ سيناريو الدمج.. كان الحوار التالي:

بداية.. ما موقفك من المبادرة التي دعت لدمج الأحزاب ذات التوجه المتقارب في الكيان الأكثر نشاطًا وتأثيرًا؟
لا أرحب بذلك.. فالوضع الطبيعي والأفضل أن تأخذ الأحزاب فرصتها في الممارسة، والتوافق بينها يتم من خلال نشاطها، لا سيما أن كل المجتمعات عند بداية نضج الاقتصاد تصبح مصالح رجال الأعمال واضحة، وكذلك مصالح العمال والفلاحين المستأجرين والطبقة الوسطى وكبار الملاك، وتتعارض فيما بينها، وتبدأ كل فئة من هذه الفئات في تأسيس حزب أو أكثر حسب ارتفاع المنتمين للفئة الواحدة، أو حسب القيادات التي تترأس أي هذه الفئات، وبالتالي فكلما نضج المجتمع والاقتصاد نجد معه أن هناك أحزابا تذبل وتنتهي وأخرى تكبر وتستوعب أحزاب قريبة منها، والمعيار هنا الممارسة.

برأيك إذن.. ما المقومات الأساسية لبقاء أي حزب سياسي؟
قدرة الحزب على التواصل مع الجماهير وإقناعهم بأنه قادر على الدفاع عن مصالحهم، توفير الإمكانيات التي تمكن الأحزاب من الاستمرار، تعد أهم المقومات على بقاء الحزب مؤثرًا وله دور، ويتضح ذلك من خلال الممارسة، وهو ما حدث في أمريكا وإنجلترا وفرنسا، وفي الهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا، عقب حركة الاقتصاد ونضجها نشأ عدد كبير من الأحزاب سرعان ما ذبلت معظمها واستمر ما أصبح له تأثير، يضاف إلى ذلك أن في مصر يكون للسلطة دور في السماح لبعضها بمزاولة نشاطها البعض الآخر لم تتح لهم هذه الفرصة، وغيرها من عوامل ضغط، وبالتالي التجربة في مصر لن تنتهي بوضع ناضج ومستمر.

لكن في مقابل حديثك هذا رحب عدد من الأحزاب بفكرة الاندماج وبدأت بخطوات على الأرض.. تعقيبك.
لأن معظم قادة هذه الأحزاب ليسوا سياسيين، وإنما ضباط سابقين وأصحاب مصالح، يجمعهم قاسم مشترك وهو القرب من السلطة، لتأمين مصالحهم، وهو ما شاهدناه في دعوات حزب الوفد، وتحركات حزب مستقبل وطن، وإعلان ائتلاف دعم مصر تحويله إلى حزب سياسي.

بصفتك واحدًا من كوادر الحركة اليسارية.. أي من الأحزاب اليسارية يمتلك المقدرة على قيادة بقية الكيانات السياسية المتقاربة حال الاتجاه ناحية الدمج؟
في ظني أن مشكلة اليسار، في الانقسام الشديد، وفرض اندماجهم ضعيفة، وحتى إذا قاموا بمحاولات تنسيق فيما بينهم، فليس هناك حزب مؤهل أن يخوض الأحزاب الأخرى، أو بالأحرى لن يقبل أي منهم أن تكون القيادة لحزب آخر غيره، وبالتالي هناك صعوبة في تطبيق التجربة على اليسار وستأخذ وقتا طويلا.

هل هناك تجارب مصرية في اندماج أحزاب سياسية وتحديدًا فترة الحراك الحزبي قبل ثورة 23 يوليو 1952؟
لا.. لم يحدث وعقب ثورة 1919 فترة التعددية الحزبية، والوضع كان متروكا للممارسة، لذلك كان قبل 23 يوليو حزب ثورة 1919 وأعني هنا حزب الوفد، كان هو الكبير، وعندما كانت تجرى انتخابات حرة، كان يفوز باكتساح، أما في الفترات التي يتم فيها تزوير الانتخابات، كانت تنجح أحزاب تسمى بـ"أحزاب الملكية الأقلية" التي أسسها منشقون عن حزب الوفد، مثل "السعديين، الشعب السعدي، الأحرار الدستوريين، والكتلة الوفدية"، وكان الملك يلجأ إليهم إذا ما احتاج لاستبعاد الوفد في بعض الفترات.

بجانب هذا كانت هناك أحزاب أخرى ممثلة عن الطبقات الضعيفة ومصالح قوى اجتماعية، كانت لها اتجاهات معارضة لاتجاهات الدولة مثل "مصر الفتاة، الإخوان المسلمين، الحزب الوطني القديم، والحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، والحزب الديمقراطي، واسكرا "الشرارة" وهو حزب شيوعي"، لكنها ظلت أحزاب صغيرة رغم أنها معبرة عن الفئات مجتمعية، لأن إمكانياتها كانت محدودة ولم تساعدها للوصول إلى السلطة، وظل لهم وجود في وسط الطبقة العاملة أينما وجدت في مصر.

عالميًا.. هل هناك تجارب ناجحة في دمج الأحزاب؟
لا لم يحدث من الأساس أن لجأت دول غربية في دمج الأحزاب على مدى تاريخها، لكن نظم الحكم الشيوعية، جزء منها كان تابعا للاتحاد السوفيتي، مثل المجر، بولندا، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، وغيرها من دول شرق أوروبا نحجت أحزابها الشيوعية في الوصول إلى السلطة أثناء الحرب العالمية الثانية بمساعدة الاتحاد السوفيتي، والأحزاب الأخرى تمت محاصرتها، لكنها في الوقت ذاته، حافظت على وجودها، وظلت كيانات صغيرة شكلية على الهامش، ودخلت في جبهة وطنية مع الحزب الشيوعي الحاكم، لكن لم تندمج وظلت مستقلة، إلى أن سقط الاتحاد السوفيتي، وبدأت أحزاب جديدة تنشأ من الواقع، ومع أول انتخابات نزيهة نجحت بعض هذه الأحزاب في الوصول إلى الحكم وأصبح لها تأثير، وانتهى الحزب الشيوعي، وهذا دليل على أن الدمج وفقًا لقرارات إدارية، يواجه عقبات كبيرة.

بعد الحديث عن دمج أكثر من 100 حزب في 4 كيانات كبرى.. هل ترى أن مصر عادت إلى عهد المنابر الثلاثة التي أعلنها السادات في السبعينيات؟
التاريخ لا يعيد نفسه، والذي فعله أنور السادات في السبعينيات من إعلان المنابر الثلاثة، جاء في لحظة لم تكن هناك تعددية حزبية، لكن الآن الأحزاب موجودة على أرض الواقع، وبعضها يأخذ مبادرة الدمج على محمل الجد وهذا ما نراه في الاتفاقات والتشاورات والدعوات التي يطلقها عدد م الأحزاب والكيانات السياسية الآن للتقارب والدمج، ونحن سنتابع التجربة وهي التي ستحكم في النهاية.
الجريدة الرسمية