رئيس التحرير
عصام كامل

نائب مدير مدينة زويل: قانون حوافز الابتكار سيحدث فارقًا كبيرًا في إنتاج الأبحاث العلمية

فيتو

  • هذا سر تقدم البحث العلمى في دول الغرب
  • وظيفة الأستاذ طرح أبحاث مفيدة ونشرها بمجلات علمية رفيعة
  • الجامعة دورها عقد اتفاقات مع شركات ومكاتب متخصصة لتسويق الأبحاث
  • أقترح إنشاء مجلس أعلى للبحث العلمي يتولى وضع خطة البحث العلمي لـ 10 سنوات ويتبع للرئيس مباشرة
  • لا ينبغي أن يكون بجامعاتنا مكان لفاسد وليس أفسد على أي منظومة تعليمية من أستاذ فاسد

لا ينبغي أن يكون بجامعاتنا ومؤسساتنا البحثية مكان لفاسد، فليس أفسد على أي منظومة تعليمية من أستاذ فاسد.. بهذه الجملة أنهى الدكتور صلاح عُبية، نائب مدير مدينة زويل للشئون الأكاديمية، ومدير مركز الفوتونات والمواد الذكية، حواره مع "فيتو"، الذي دار حول البحث العلمي ومستقبله في مصر، ومعوقات الاستفادة من الأبحاث العلمية، وروشتة إصلاح وضع البحث العلمي، ورفع مستوى الباحثين، والجامعات والمؤسسات البحثية.
د. صلاح عبية كشف في حواره عن سر تفوق البحث العلمي في الغرب، ومقترحاته لكي تلحق مصر بركب التقدم.. وإلى نص الحوار:

• ما هي الفوتونات؟ وما آخر الأبحاث العلمية التي أنجزت بهذا الشأن؟
- الفوتونات هو أحد أهم العلوم الحديثة التي عرفها العالم، وتهتم بالتفاعلات التي تحدث بين الضوء والمادة، وما ينتج عنها من تطبيقات عديدة في كثير من المجالات الحياتية الحيوية، كالطاقة، الصحة، الاتصالات وغيرها، ويعكف فريقي البحثي حاليا على عمل أبحاث لتقليل نسبة استهلاك الطاقة في نقل المعلومات، وذلك بناء على تقرير صدر منذ ثلاث سنوات من الولايات المتحدة الأمريكية يفيد أن العالم، خلال العشرة أعوام المقبلة، سيستهلك نحو 10% من الطاقة الكهربائية على الإنترنت، وطالبوا بعمل أبحاث علمية لإعادة تصميم شبكات الاتصالات، للمحافظة على مستوى الأداء ونسبة الإقبال على الإنترنت، وفي نفس الوقت نستهلك كمية أقل من الطاقة، بالتالي بدأنا مشروعا يهدف إلى تحقيق ذلك، وبالفعل تمكنا من نشر مجموعة من الأبحاث خلال العام المنصرم، عن كيفية إرسال عبر شبكة الاتصالات الضوئية ضعف كمية البيانات أو المعلومات في نفس الوقت بدون استهلاك مزيد من الطاقة، من خلال إرسال البيانات، ليس فقط على الاستقطاب الأفقي وحده أو الرأسي وحده، بل إرسال البيانات على الاستقطابين معا في نفس الوقت، بنفس الطول الموجي ونفس كمية الكهرباء المستهلكة، هذا المشروع ممتد وسنظل نعمل على تطويره باستمرار.

• ما تقييمك لوضع البحث العلمي في مصر؟ وما التحديات التي تواجهه؟
- في البداية يجب أن نؤكد أن البحث العلمي هو القاطرة التي قادت دول العالم الأول إلى التقدم، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، وإذا نظرنا إلى مصر فإنها إحدى دول العالم الآخذة في النمو، وأعتقد أن لدى الدولة إرادة قوية وحقيقية للتقدم، وهذا لن يتأتى إلا من خلال البحث العلمي، لكن الحقيقة توجد تحديات كبيرة وعديدة تواجه البحث العلمي في مصر، أهمها التكلفة العالية، وضرورة توافر عناصر بشرية مدربة، على درجة عالية من التعليم والثقافة، قادرة على التعاطي مع تكنولوجيات معقدة، إضافة إلى أن العائد منها مؤكد، ولكنه قد يحتاج إلى سنوات طويلة، فعلى سبيل المثال فور تداول الإعلام أن جماعة بحثية في جامعة ما استطاعوا ابتكار منتج طبي، يتبادر إلى أذهان الناس أنهم سيجدونه قريبا في الأسواق، وهذا غير صحيح فهو قد يحتاج إلى سنوات حتى إنهاء كافة التجارب اللازمة عليه.

• إذن كيف تخطت الدول المتقدمة عقبة تمويل الأبحاث العلمية؟
- من خلال تجربتي في الجامعات البريطانية، وظيفة الأستاذ تنحصر في أن يعكف على طرح مقالات بحثية مفيدة ومتميزة، ونشرها بمجلات علمية رفيعة، أما الجامعة فدورها عقد اتفاقات مع شركات ومكاتب متخصصة، تتولى تسويق تلك الأبحاث، وأصبح هذا النوع من الأعمال منتشرًا وضخمًا للغاية بالخارج، فمن خلال اختراع أو اثنين يمكن تحقيق مكاسب مادية هائلة، ونضرب مثالًا على ذلك، قبل ظهور تكنولوجيا الـ3G، كانت أقصى الإمكانيات المتاحة أمام مستخدمي الهواتف الذكية هو إرسال رسالة نصية أو إجراء مكالمة، ولكن في السنوات الأخيرة حدثت طفرة في مجال الاتصالات، بظهور الـ 3G والـ4G، وقريبًا أيضا سيتم إطلاق الـ 5G، واستطاع المستخدم عمل فيديو كونفرانس، وإرسال إيميلات، واستخدام آلاف التطبيقات، وتحول الهاتف إلى جهاز كمبيوتر متحرك بيد الجميع، وذلك نتيجة بحث علمي نفذته مجموعة كبيرة من الباحثين بالولايات المتحدة الأمريكية، بدأ منذ فترة الثمانينيات والتسعينيات، وأصبح الآن يضخ لهم مليارات الدولارات سنويا.


• وماذا عن الشق الثاني من التحديات والخاص بالكوادر المدربة؟
- هنا يأتي دور الجامعة في تخريج دفعات من الطلاب المتعلمين بشكل حقيقي وحيد، والاهتمام بإصدار أبحاث علمية جادة، والتنسيق مع الحكومة لتقديم الدعم المادي ليس بناء على عدد الأساتذة والموظفين، فهذا نظام غير ناجح، بل على أساس الإنتاجية البحثية، حتى نستطيع تعظيم إمكانيات النجاح ببعض الجامعات الجادة، كما يجب تشكيل لجان لمراجعة الجامعات والمؤسسات البحثية المتعثرة والوقوف على أسباب انهيارها ومحاولة إعادة وضعها على الطريق، نريد أن تعود جامعاتنا متميزة علميا، تنشر أبحاثًا عالمية محترمة.. كما أتمنى أن نرى تعاونًا أكبر بين المجتمع الأكاديمي وبعضه البعض، من خلال تنظيم اجتماعات وورش عمل دورية بعيدا عن المؤتمرات الرسمية، يلتقي بها الأساتذة ويتبادلون الخبرات والمعلومات، ويشاركون بعضهم التحديات القائمة في المشروعات العلمية، بحيث يتعاون الجميع على إيجاد الحلول، فبدون هذا التعاون لن نتقدم بالشكل المطلوب.

• تحدثت عن وجود إرادة من الدولة للنهوض من خلال البحث العلمي، فما الشاهد على ذلك برأيك؟
- الدولة المصرية تواجه تحديات أمنية واقتصادية جمة، والعديد من المؤسسات تحتاج إلى إعادة بناء مرة أخرى، ولكن أرى أنه في السنوات الثلاث الأخيرة أصبح البحث العلمي أول اهتمامات الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولمست بنفسي مدى إدراكه لأهميته، باعتباره الطريق الذي سيقود مصر إلى التقدم، والدليل على ذلك مؤتمرات الشباب، وافتتاحه مؤخرًا الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب التي ستكون جزءًا من منظومة التعليم العالي والبحث العلمي الجديدة في مصر، وأعتقد أنها ستغطي جزءًا كبيرًا من أوجه النقص والقصور التي تعانى منها المنظومة التعليمية القائمة، وسيكون منوطًا بها تدريب الشباب على مهارات وأدوات جديدة، تمكنهم من مواكبة العصر، كما أثمن توقيع سيادته قانون حوافز الابتكار والبحث العلمي في الجامعات المصرية والمؤسسات البحثية، فهذا القانون في رأيي كان لا بد أن يصدر منذ سنوات طويلة لأهميته، وأؤكد أنه سيحدث فارقًا كبيرًا في إنتاج الأبحاث العلمية بالجامعات المصرية والمؤسسات البحثية الجادة، لأنه بمثابة الذراع الإضافية لجذب تمويل من قطاع الصناعة إلى الجامعة لتوفير الموارد المالية اللازمة لمنظومة البحث العلمي، حتى تتمكن من ابتكار منتج يصب في مصلحة الصناعة، وهذا من شأنه جلب الفائدة إلى الجانبين.

• مقارنة بالغرب، ما نسبة الاستفادة من الأبحاث العلمية في مصر؟
- لا أستطيع أن أضع نسبة دقيقة، ولكن بالطبع أقل من 50% بكثير، ففي الغرب، تقوم شركات متخصصة ومكاتب نقل التكنولوجيا بتبنى الأبحاث التي أنجزتها فرق علمية بالجامعات، أما في مصر فهذا النموذج قليل جدا، فنجد في كل جامعة شركة أو شركتين فقط تعمل على هذا الأمر، وأثرها محدود، ولكن أتوقع أن يتغير هذا الحال بعد التصديق على قانون حافز الابتكار الأخير؛ ما سيساهم في تشجيع الشركات على تولي هذا النوع من الأعمال.

• برأيك ما أهم بنود روشتة إصلاح البحث العلمي؟
- في الحقيقة لديَّ مقترح في هذا الشأن، يتمثل في إنشاء مجلس أعلى للبحث العلمي، ليس فقط لمراقبة العملية التنفيذية، بل يتولى وضع خطة مصر الإستراتيجية للبحث العلمي للأعوام العشرة المقبلة، ويتبع للرئيس السيسي مباشرة، حتى يتم فصله عن الجهة التنفيذية متمثلة في وزارة التعليم العالي، على أن تنبع تلك الاستراتيجيات من دراسة جادة عن الوضع الحالي للتعليم العالي والبحث العلمي في مصر، لأن في رأيي الشخصي أن الأستاذ الجيد هو نفسه الباحث الجاد والعكس صحيح، فالمهنتان لا يجب الفصل بينهما، إضافة إلى عمل دراسة جادة عن أوجه التميز ونقاط القوة التي لدينا والاستفادة منها بشكل جيد، فمصر لديها عقول نابغة وعلماء أجلاء، يمتلكون خبرات عظيمة، تسعى الجامعات العربية والعالمية لاجتذابهم، فما ينقصنا هو المنظومة، والبيئة البحثية المناسبة، والتشريعات البحثية المُنظمة.

• مجالات البحث العلمي عديدة، فأي التخصصات يجب أن تعنى بها مصر؟
- في حال إقامة مجلس أعلى للبحث العلمي كما أطمح، لا بد من فتح قنوات تواصل بينه وبين كافة الوزارات والهيئات المعنية العام منها والخاص، وتحديد عدة تحديات رئيسية ستواجه مصر خلال السنوات العشر المقبلة، وعلى رأسها بالطبع مواجهة الشح المائي، وإيجاد مصادر جديدة للطاقة، والحد من التلوث البيئي، علاوة على بحث سبل الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقمح والأرز، ومكافحة بعض الأمراض المتوطنة، ثم وضع خطط بحثية لحل تلك التحديات، والتنسيق مع الوزارات المعنية لتحويلها إلى آليات عمل، بالتعاون مع الجامعات والباحثين، وتوفير الدعم المادي اللازم لهم، مع مراعاة وضع أداة لمراقبة التنفيذ ورفع تقارير دورية عما تم إنجازه إلى الرئيس السيسي، وأعتقد أننا إذا التزمنا بهذه الخطوات المحددة سنتمكن في مدة لا تزيد على 10 أعوام من عمل طفرة ليس فقط في حل تلك المشكلات بل أيضا بالنهوض بالجامعات.

• وكيف يؤدي ذلك إلى النهوض بالجامعات؟
- على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو حل مشكلة المياه، لن تعمل جامعة منفردة، بل سيتم تشكيل فريق عمل ضخم من كافة الجامعات، بالطبع سيتمكن من إحداث تأثير ملحوظ وفارق، وإنتاج عدد كبير من الأبحاث العلمية، تفوق ما تنتجه أي مجموعات صغيرة تعمل معزولة عن بعضها البعض، وبالتالي إنجاز ونشر أبحاث ذات جودة وأهمية في الدوريات العلمية على مستوى العالم، سيعيد الجامعات إلى التصنيف العالمي، وهذا ليس الغرض منه تحقيق "برستيج" أمام العالم فقط، بل سيعمل على جذب الطلاب العرب والأفارقة للتعلم بمصر، بدلا من أن يلجأوا إلى الجامعات الأوروبية ويواجهون اختلافات حضارية ومشكلات عنصرية، وبذلك يُضخ إلى شرايين الاقتصاد المصري عائد جيد من العملة الصعبة، ومثال على ذلك أمريكا والمملكة المتحدة فرغم عدم إفصاحهم عن ذلك إلا أن جامعاتهم الجاذبة للطلاب من كافة أنحاء العالم تحقق مكاسب اقتصادية جيدة للدولتين.

•في تصريح سابق لك قلت إن أحد أهم أسباب جودة العملية التعليمية هو ألا يتجاوز عدد الطلاب بالمحاضرات من 25 إلى 30 طالبًا، في حين أن مدرجات الجامعات الحكومية تعج بآلاف الطلاب، فكيف يمكن التعاطي مع تلك العقبة؟
- نموذج الطالب المصري الذي يمر بالمرحلة الابتدائية والإعدادية، ويلتحق بالثانوية العامة ليصل بعد ذلك إلى الجامعة، لم يعد موجودا بالعالم، والبديل لذلك أن يكون لدينا تعليم فني جيد وحقيقي، ودعونا نتخلص من كلمة "فني" لأن المجتمع ينظر إليها نظرة متدنية، ولنطلق عليه "تعليم تكنولوجي"، يتم تأهيل الطلاب إليه منذ المرحلة الابتدائية، فقد كنا ندرس في المرحلة الابتدائية مادة الأشغال العامة، وتعلمنا من خلالها كيفية إصلاح الأشياء البسيطة في المنزل، لا بد أن تعود مرة أخرى تلك المادة ولكن بطريقة تواكب التقدم، من خلال دعم المدارس بمعامل كمبيوتر مجهزة بأحدث البرامج تتمكن من عمل محاكاة لعمليات التشغيل التكنولوجي البسيطة، لربط الطالب بالتعليم "التكنولوجي"، وإزالة نظرته الدونية عنه، من خلال تقديم صورة جيدة له من المراحل التعليمية الأولى، نريد جيلا جديدًا يختار هذا النوع من التعليم بإرادته الحرة، وليس مجبرًا لعدم تمكنه من الالتحاق بالجامعة كما هو الحال الآن، فواحدة من مشاكلنا اليوم أن المستثمر الأجنبي في كثير من الأحيان يضطر إلى جلب عمالة مدربة من الخارج، لعدم توافر أعداد كافية من العمالة المصرية ذات الكفاءة، لذا إذا تم تفعيل التعليم الفني بشكل حقيقي سينتهي جزء كبير من مشكلة تكدس الطلاب بالجامعات، وسنحافظ على مستوى جودة التعليم العالي.

• هل أنت مع رفع تكلفة التعليم العالي للارتقاء بمستوى الخدمة التعليمية المقدمة اقتداء بنظام الجامعات في الغرب؟
- ليس بالضرورة رفع التكلفة، فالتعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص هو استثمار للمجتمع في البشر المميزين عقليا، فيجب على الدولة أن تنفق الأموال التي تحصلها من ضرائب المواطنين للإنفاق على المنح التعليمية، وأن تقتصر تلك المنح على الموهوبين علميا فقط بغض النظر عن حالتهم المادية، أما فتح الجامعات على مصراعيها مجانا لكل الناس كما هو الحال الآن، بالطبع سيتسبب في انحدار مستوى الخدمة، وكأن الدولة تلقى بتمويلها في البحر، ولن يؤتي أكله مطلقا.

• كيف نواجه فوضى الأبحاث العلمية سواء من سرقة ونسخ الرسائل العلمية أو إصدر أعداد هائلة منها دون فائدة؟
- هنا سيظهر من جديد دور المجلس الأعلى للبحث العلمي في حال تأسيسه، حيث سيكون منوطًا به تنظيم تلك العملية، أما عن نسخ وسرقة الأبحاث العلمية فهذه جريمة يجب التصدي لها بكل حسم، ويتم إقصاء الأستاذ المسئول عن الواقعة فورا، فلا ينبغي أن يكون بجامعاتنا ومؤسساتنا البحثية مكان لفاسد، والحقيقة ليس أفسد على أي منظومة تعليمية من أستاذ فاسد.
الجريدة الرسمية