رمضاننا.. ورمضان زمان
«أجواء صافية وروحانيات عالية تسيطر على البيوت المصرية في شهر رمضان الكريم.. كل شيء ينبض فرحا بقدومه، كل ما حولنا لسان حاله يردد "وحوي يا وحوي" "رمضان جانا".. في الصباح عمل، والظهيرة عودة إلى المنازل.. إعداد الإفطار وانتظار بعد صلاة العصر لوجبة تليفزيونية هادئة مسك ختامها "خواطر الشيخ الشعراوي.. حتى شمس الأصيل قبل غروبها إيذانا بانطلاق أذان المغرب.. تبدوا أشعتها رمضانية حانية».
هكذا كان مشهد شهر رمضان اليومي في طفولتنا.. نسق قيمي يكاد يكون موحدا في بيوت مصر كافة.. مشهد خلَّده جماله في ذاكرة كل منا فاستحال نسيانه، نتذكره بحلاوته ورونقه وجماله.. لم نكن نشاهد برامج تلفزيونية لخداع الجمهور باسم الترفيه بأعمال زعم القائمون عليها أنها "مقالب" في حين أنها متفق عليها مسبقا مع الضيوف، لم تكن الشاشات تنفجر بسيل من الانحرافات الأخلاقية، بأعمال درامية زعموا أنها تعالج ظواهر اجتماعية سلبية، في حين أنها روجت لتلك الظواهر وعلمت الغائب عنها سبل ارتكاب كل ممنوع، كل ذلك باسم الفن والفن منه براء.
لم نشهد في "رمضان زمان"، ما نشهده اليوم من تجارة بالشهر الكريم، نعم إنها تجارة بالدين نحو تهيئة المجتمع لوضع استهلاكي مقيت، وكله باسم رمضان.. كل سلعة يحاول مروجوها ربطها دعائيا برمضان.. المحال التجارية والمولات كلها تتزين بزينة رمضان.. بائعو الزينة أنفسهم يأكلون أرزاقهم "على حس" الشهر الكريم.
في "رمضان زمان" لم نشهد توحشا إداريا من الحكومات الماضية المتعاقبة، رغم ما طالها من تهم فساد، لم نشهد قفزات لأسعار سلع إستراتيجية وتذاكر المترو قبل الشهر الكريم.. لم نشهد توغلا رأسماليا يدهس أحلام الفقراء تحت عجلات البيزنس.
شهدنا في "رمضان زمان" شيوخًا أجلاء بمختلف مدن وقرى مصر تزين رءوسهم العمامة الأزهرية يلقون العلم الشرعي بالمساجد، لم نكن نعرف "الشيوخ المودرن" وأرباب التشدد الذين لا يعلم مؤهلاتهم العلمية إلا الله.
لقد حل الشهر المبارك.. شهر الانتصارات والخير والمودة والرحمة والشعور بالفقراء والمساكين وعابري السبيل.. وفرض علينا شعبا وحكومة أن نستشعر الحكمة من مفهوم الصيام وحكمته.. لسنا بصدد طقوس أو عادات بقدر ما نحن أمام مدرسة روحية ذات دروس راقية.. فهل ارتقينا لفهمها كما فهمها المسلمون الأوائل؟ أعتقد أن الإجابة مملوكة لدى كل منا ربما يمكن الله علينا بالهداية فنعيد صياغة واقعنا إلى الأفضل ونُنصف الشهر الكريم.