رئيس التحرير
عصام كامل

فاروق حسني في الجزء الثانى من حواره لـ«فيتو» : «أنا مش حرامى والثقافة تحتاج مخ مجرم»

فيتو


  • - أعيش حياتى في "سلام جميل"
  • - أشفق كثيرا على إيناس عبد الدايم
  • - هذه حكاية الملايين التسعة والستائر والملاعق وأطقم المائدة
  • - تجمعني صداقة قوية بنجيب ساويرس وهو إنسان حقيقى

يومان كاملان من القراءة في ملف الرجل الذي شغل منصب وزير ثقافة مصر لمدة ٢٣ عاما، لم تكن كافيةً لمراجعة معارك طاحنة دارت رحاها على صفحات الصحف وشاشات الفضائيات وساحات المحاكم. 

على ذات الصفحات وفي قلب المانشيتات لم تكن مشروعات فاروق حسني هي صاحبة نصيب الأسد في الجدل والنقاش والمعارك.. تعدى الأمر ذلك إلى شخصه وحياته ومبادئه وطريقة تعاطيه مع الحياة.. ما بين شيطنة حسني وبين نرجسية المؤمنين به مساحات من الألوان تستحق إعادة القراءة.

ذهبت إليه.. لا يزال كما هو لم تكسره سنوات العمر.. مُعتز بذاته.. حيوي في حديثه.. راض عن حياته.. ينظر من خلف نظارته وكأنه يعيد قراءة الماضي بعيون تستشرف المستقبل.. ديناميكي في تعاطيه مع كل ما أطرحه من تساؤلات أيا كانت التساؤلات.. ثلاث ساعات هي عمر الحوار التالي الذي نشر الحلقة الأولى منه أمس :

• فاروق حسنى يمتلك قدرة جبارة على تخطي الأزمات.. كيف تفعل ذلك؟
الأزمة تحتاج لمنطق كي تنتصر عليها أو تتخطاها، فليس هناك مشكلة دون حل في الحياة، وكنت أنظر للأزمات وأحلل زواياها، هل هي أزمة خاصة كالمال أو الزوجة أو الحبيبة -على سبيل المثال- أم أزمات في الرؤى والأفكار؟ فإذا كانت كذلك فأنا لها، وأنا لا أشرع في تنفيذ خطة ما أو مشروع إلا بعد أن أدرسه جيدا، وأرى نتائجه التي لا يراها غيرى قبل التنفيذ، وبحكم أنني رسام فـ«الابتكار» سر نجاحى في الحياة، وفى الوقت الذي كنت أتعرض فيه للسباب والإساءة والنيل من سمعتى بمصر، كان يطلق عليَّ في روما «فاروق حسنى كنز الأفكار»، وهذا مسجل على صفحات الجرائد الإيطالية، وكنت أؤمن وقتها بأن: «لا كرامة لنبي بين قومه»، وطوال تاريخي لم أشنَّ أيا من المعارك على أحد، وما صدر مني كان رد فعل بعد أن أتعرض للهجوم، وكنت في بعض الأحيان أتصدى للهجوم بعد تأكدي من أنني سأنتصر بنسبة 100% عن طريق حسابات دقيقة وتقديرا للموقف.

• بالعودة للذكريات.. ما المشروعات والخطط التي كنت تتمنى تحقيقها قبل سقوط نظام مبارك؟
كنت وقتها أنهيت كافة المشروعات الصغيرة في الأرياف والنجوع، وبقصور الثقافة والمكتبات ومراكز الطفل والإبداع وأيضا المهرجانات، وكنت أعرف أن تلك البذور ستنمو وحدها، وكان لدى ثلاث مشروعات رئيسية تشكل كيان مصر الأساسى أمام العالم كله ثقافيا وفنيا وتاريخيا، وهى: المتحف الكبير ومتحف الحضارة، والقاهرة الإسلامية، وكان المتحفان (الكبير والحضارة) بالنسبة لي هما هوية مصر وقوتها الضاربة الحاسمة؛ لأن المتحف لغة دولية، وتجعل العالم يغير منك؛ لأن الحضارة المصرية من أقوى الحضارات وأهمها على الإطلاق، وكنت أعلم أنهما سيكونان قاطرة للسياحة في مصر، أما القاهرة الإسلامية كنا أصدرنا كتابا بعنوان «مجد العمارة الإسلامية» ويبين لنا الآثار التي تم ترميمها، والتي لا زالت تحت الترميم، والآثار التي تحت الدراسة، وكان المشروع يهدف إلى عمل حي متكامل بنسق معين حتى نستقطب سياحة المشي على الأقدام، وحتى الآن لم يستكمل المشروع بسبب غياب الخيال عند المسئولين، وللعلم فقد تركته بعد ترميم ما يقرب من 140 أثرا إسلاميا تم تأهيلها، وبدأ يكون له نتاج وثمار في العمل الثقافى.

• قاطعته قائلة: هل زرت منطقة المعز أو متحف الحضارة مؤخرا؟
أجاب مسرعا: بصراحة لا؛ لأن كل من يحدثني عنهما يشعرني بخسارة كبيرة، ومتحف الحضارة مهم جدا، ولا يقل أهمية عن المتحف الكبير، فمن الناحية المادية (الحضارة) أهم، ومن الجانب الشكلى (الكبير) أهم، بمعنى أن متحف الحضارة يسع مصر من آثار ما قبل التاريخ من مرحلة البداري والدولة العتيقة ثم عصر الأسرات مرورا بالرومانى واليونانى ثم العصرين القبطي والإسلامي والحديث، إذن هذا تاريخ 7 آلاف سنة كاملة ويشمل أيضا الأحداث المصاحبة كتاريخ المطابع على سبيل المثال، إذن متحف الحضارة هو «حكاية مصر»، أما المتحف الكبير هو الحضارة الفرعونية لمصر وقوامها 3 آلاف سنة.

• وهل يحزنك ما آلت إليه المشروعات الآن؟
بنبرة هادئة قال: لا لم أحزن، فهذا نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية والمرحلة التي تمر بها مصر الآن، ولكن أرجو من الرئيس عبد الفتاح السيسي أن ينتبه، وألا نكرر خطأ الافتتاح الجزئي المؤقت لمتحف الحضارة، والذي افتتح منذ عام تقريبا بقاعة واحدة، مما أدى إلى اغتياله قبل أن يرى النور وأصبح منسيا، أما المتحف الكبير فلا بد أن يكتمل تماما حتى يفتتح، وأنا أعتبر ما حدث مع متحف الحضارة عيبا أمام العالم، ولا نعتبر الافتتاح الجزئي المؤقت «جدعنة» لأنه قصور، فالقوة في التكامل وليست في التجزئة.

• هل هناك أي تواصل بينك وبين نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي؟ وهل دعيت لأحد لقاءاته بالمثقفين؟
لا تربطنى أية علاقة بالنظام الحالى، وأقدر للمسئولين فيه دعوتى في أكثر من مناسبة، ولكننى أعيش الآن داخل دائرتي الخاصة، وسعيد بها جدا، وأعيش حياتى الآن في سلام جميل.

• التاريخ والآثار عشق فاروق حسنى الأول.. لماذا؟
لأنى عندما كنت طفلا كنت أسكن في منطقة بحري (الأنفوشي) بالإسكندرية، بجوار قصر رأس التين، وكنت أعشق البحر وأمشي بجواره وحدي وكان عمري وقتها 6 سنوات، وكنت أشعر أن البحر كائن حي يعرفني وأعرفه، حيث يغريني منظر الصخور بأعشابها الخضراء، فانزل لها، وفي مرة نزلت عبر منطقة مليئة بالصخور، فوجدت قبوا يونانيا قديما، واستغربت لأنه مهمل ولا يشعر به أحد، وبعدها أصبحت تلك المنطقة هي المفضلة لديَّ، وكنت أجلس هناك للتأمل، وعندما درست الفن درست تاريخ الفن الفرعوني، وهو أقوى من التاريخ الفرعوني؛ لأن الفن قيمة مضافة على تاريخها، وبُهرت جدا وبدأت طوال سنوات الكلية أسافر في كل مصر وأزور جميع المواقع الأثرية إلى أن وصلت لحدودنا مع السودان، قرية تسمى «أدندان»، وكان غرامي الكبير عندما انزل إجازة من باريس وروما، فأذهب للدكتور زاهى حواس في منطقة الهرم، كى أتأمل الأهرامات وأبو الهول.

• بعد الثورة.. تم التحقيق معك بخصوص قضية الـ9 ملايين وظهرت براءتك.. ولكن ما لفت انتباهى إشارتك إلى أن «القضاء المصري فتش كل تفاصيل حياتك من ستائر وملاعق وطعام وملابس».. فما هي حكاية ملاعق فاروق حسنى؟
ضحك بصوت عال، وقال: كانوا بيشوفوا طقم الملاعق والمائدة من ماركة "كريستوفل" أم لا.. والحقيقة أنا لم آخذ شيئا من الدولة، بالعكس، أعطيت الكثير، بل لي حقوق لم أحصل عليها، فكل أظرف بدلات السفر وكانت 6000 آلاف دولار كنت أردها للبنك المركزي، وأتسلم إيصال استرداد، وفي ذلك الوقت كنت رئيس المجلس الأعلى للآثار ووزير للثقافة بكل قطاعاتها، ولم أتقاض مليما واحدا منها، فأنا موجود لأعطي وليس لآخذ، وكان مرتبي في البداية لا يصل إلى 3 آلاف جنيه، والحقيقة أن كبريائي كفنان جعلني لا أقبل بأي شيء.. إذا كانوا يريدون سجني فليسجنوني، ولكن أنا نظيف اليد، وأتذكر التعبير الذي قلته وأنا في قفص المحاكمة بعد سؤالي عن إحساسي داخل القفص، قلت: «القفص من ذهب»، وسألت عن القاضي الذي ينظر القضية، وأبلغونى أنه قوي للغاية وذمته نظيفة، فسألت إذا كان أحد يحركه؟ وجاءت الإجابة بـ«لا»، فقلت: أنا براءة. 

• صف لنا إحساسك وقت تفتيش منزلك.. وهل كنت تتوقع أن يأتي يوم كهذا؟
ولا همني شيء، ولم يكن في خيالي حتى ولا كنت أتصور أن آراه في كابوس أثناء نومى بأن أتعرض لمثل هذا، فأنا لم أكن أعمل لنظام ولا لاسم أحد ولا حتى لفاروق حسنى، كنت أعمل لأجعل الشعب يستمتع بأشياء غائبه عنه، وهذا كان شغلي الشاغل، والبراءة تأتي من الذات وليس من القاضي، وأنا بريء أمام نفسي.
فكنت قد بدأت في تنفيذ مشروعات جبارة، وفي ذلك الوقت كنا قد صرفنا على المتحف الكبير 900 ألف جنيه، ومتحف الحضارة 100 مليون، هذا بخلاف ما نفذته من 42 متحفا و150 مكتبة وأعدت دار الكتب لمكانتها بعدما كانت إدارة صغيرة في هيئة الكتاب.. صمت قليلا ثم استعاد كلماته قائلا: "هو اللي يسرق يسرق المبلغ ده؟! ده يبقى عبيط أوي".

• ولماذا لم تتخذ قرار الهجرة والعيش خارج مصر، خصوصا بعد ما تعرضت له من إساءة بعد الثورة؟
عندما قال لي أحد مساعديَّ بالمكتب إن هناك خبرا بأحد الجرائد يفيد أنني ممنوع من السفر، قلت له: "أنا قاعد لهم على قلبهم.. وهشوف يا أنا يا هم"، فأعتبر نفسي محاربا من الطراز الأول، ولا أتراجع عن أي أزمة تواجهني أبدا، وأتذكر ما قاله لي المحامي بأنه يستطع أن يسفرني، ولكن قلت له: "أنا قاعد وما عنديش حاجة ياخدوها".

• فاروق حسني الوزير الوحيد بنظام مبارك الذي لم يتوارَ عن الأنظار بعد الثورة.. لماذا؟
لأني برئ، ووقت القضية كنت أترجل في الشوارع المحيطة بمكتبي، وكانت الناس تستقبلني وتحييني بالحب والترحاب، وهذا كان يعطيني ثقة بالنفس، وطوال نظام مبارك، لم أشتغل كوزير بل عملت كأننى في مهمة، وكل من كان يعمل معى وقتها كان يساوى في نظري وزيرا، واخترتهم بعناية حتى نستطيع تكوين فريق قادر على تنفيذ التصورات والخطط، وعندما قامت الثورة هناك من ابتعد عني ممن كان يعمل معي، وتضايق أحد مساعديَّ من ذلك فقلت له: "ما تضايقش.. إحنا دلوقتي في منخل -غربال- كبير ينزل التراب ويبقي الذهب، وخلى بالك أنا بعد الوزارة هكون أحسن بكتير"؛ لأننى أعلم من هو فاروق حسنى قبل الوزارة.

• على ذكر الوزارة.. تردد بعد رحيلك عنها بأن فاروق حسنى كان يمنع وجود سجاجيد للصلاة داخلها.. ما صحه ذلك؟
بنبرة قاطعة قال: أنا كنت مانع الأذان داخل مبنى الوزارة والصلاة الجماعية؛ لأن على بعد أمتار يوجد مسجد كبير، وهذه الواقعة حدثت بعد أن توليت الوزارة بنحو شهر، وكانت "جس نبض" من جانب الموظفين بأنهم هل يستطيعون إخضاعي لرغاباتهم أم لا، وكنت حاسما جدا، فأول ما انطلق أحد الموظفين في الأذان داخل المبنى، قلت لهم: ينزل قبل أن يكمله، هنا ليس مكانا للصلاة، والعمل عبادة أيضا، خصوصا وبجانبنا المساجد على اليمين واليسار، ولو تساهلت في الأمر لانتعل كل موظف "قبقابا" وذهب للوضوء، وتركوا العمل سداح مداح، وأنا مثلي مثلهم أمارس عملى، ولم أكن أقل منهم إيمانا بالله.

• وما هي قصة النجفة التي كادت أن تسقط على رأسك داخل مكتبك بالوزارة؟
هذا لم يحدث مطلقا، فعندما جئت للوزارة، اشتريت نجفة وثُمنت كي تسجل بالكشوفات، وكان ثمنها آنذاك 700 ألف جنيه، وموجودة حتى الآن، وتم تركيبها بحرفية، فالمهندس الكبير الدكتور كمال الكفراوي -رحمه الله- هو من تولى تركيبها بشكل علمي، والنجفة وطقم المكتب "امبير"++ وهما قيمان للغاية.

• دائما ما تقول إن العمل الثقافى مغامرة.. فكيف يكون ذلك؟
بالطبع العمل الثقافى مغامرة لأنه عملية ابتكارية، وتنفيذ الابتكار والخيال على أرض الواقع مغامرة في حد ذاتها، كما قال الشاعر العظيم ت.س. إليوت: «بين التصور والخلق يسقط الظل»، وأميل إلى كل الأمثلة العلمية التي يمكن تطبيقها، وعلى سبيل المثال كنت أقول إنه يجب أن تكون كل قطاعات وزارة الثقافة مثل الأواني المستطرقة، وعندما جئت وزيرا وبدأت استنهض القطاعات المهملة، بدأت أتعرض للهجوم والإساءة بأني «بتاع تشكيل».

• أنت أكثر من يعلم حال الثقافة في مصر.. فما المشروع الحقيقي الذي نحتاجه الآن لاستنهاضها؟
الثقافة ليست "الفلوس"، وإنما الأفكار، وهى الأهم من المال، ووزارة الثقافة وللأسف تدهورت بشكل صعب التعامل معه بإيجابية، وأنا أشفق على الدكتورة إيناس عبد الدايم الوزيرة الحالية؛ لأنه حتى في عقر دارها –دار الأوبرا- لم تصبح كسابق عهدها، فالعازفون بدءوا يتجهون للدول العربية، وكنت حضرت آخر حفل للفنان رمزي يسى وكان يعزف كونشرتو لـ«كامي سان سانس» وسألته: كنت مبسوط وأنت بتعزف؟ فقال لى: ده كان كمين سان سانس. وهذا بسبب تهالك البيانو، وما أقصده أن الأدوات التي يتعامل معها الوزير لم تعد موجودة، فوزارة الثقافة تحتاج إلى «مخ ثقافي مجرم» ليستعيدها من جديد. 

*وبعين المثقف.. عندما يشكر أحد الصحفيين العرب نتنياهو عن كشفه خطورة إيران على المنطقة وفى نفس الوقت يخرج حاكم عربى يقول: إن فلسطين ليست على رأس أولوياتنا.. كيف ترى ذلك؟
- أرى أن أمريكا تتبع في تعاملاتها مبدأ: «فرق تسد»، وأرى تماما أن المنطقة العربية لن ينصلح حالها إلا عند اتحادها كجبهة واحدة، وحمايتها لن تأتى إلا بالتكتل المتعاون والمتفاهم والمتبادل في المصالح والمواقف السياسية، فنحتاج إلى زعيم يجمع المنطقة على قلب رجل واحد، ويكون لديه رؤية وفلسفة واضحة، ويفصح عن المخاطر الجسيمة المحدقة بنا كعرب، فهم ينتجون الأسلحة ونحن نشتريها كى نقضي على بعضنا البعض، وآن الأوان أن نفكر في الأمر بعين مفتوحة وعقل واع للغاية.

*هل تلمح أي خيط لتلك الوحدة؟
من الممكن طبعا، ولكن عندما ينقشع الضباب عن المنطقة سيحدث ذلك، وللأسف الواقع يقول: إن عقول حكام المنطقة يسير كل منها في واد مختلف، وأمريكا تلعب على ذلك، والبترول السبب الرئيسي في الإساءة للمنطقة بأكملها.

• ولماذا لا تخرج من البيت أو المكتب؟
لأن الخلوة مكسب كبير، والغنى عندي هو غنى الذهن، وهذا هو الأهم، وأنا أقضي ساعات كثيرة في التأمل، وأستمتع بالعزلة مثلما كنت طفلا صغيرا أتأمل البحر وصخوره، وهذا يكفيني تماما ويسعدنى، ولا أرغب في شيء آخر.

• في أحد حواراتك ذكرت أنك معجب برجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، فما سر إعجابك به؟
ابتسم قائلا: "مش عاوز أقول إن نجيب تربيتي"، ولكنه تأثر بي فنيا وفكريا بشكل كبير، وتربطنا صداقة قوية حتى الآن الصدق مفتاحها، منذ عودتي من الخارج وكان يزورني بشكل يومي عندما كنت أسكن في المعادى، ولكن لا آراه الآن كثيرا، وكانت تجمعنى جلسات فكرية معه، وبحضور الدكتور صبرى الشبراوى ومحمد درويش وطارق شرارة ورمزي يسى، والحقيقة أن نجيب قدم أشياء كثيرة لخدمة الثقافة، وهو من أحب الناس إلى قلبي، لأنه إنسان "جدع" وصادق ومشاعره لا تعرف الكذب، على الرغم من أنه يخرج كلام "زي الـدبش"، ولكن هذه هي مشاعره، ونجيب إنسان حقيقى. 

• ماذا لو كانت مصر بها أكثر من عائلة كـ«آل ساويرس» في خدمة الثقافة؟
الجميع يستطيع أن يخدم الثقافة، ولكن نجيب ذكي كإنسان وأدرك قيمة الثقافة، وكان معنا في طاحونة العمل نفسها، وعمرى ما طلبت منه حاجة ولم ينفذها، وكنت أطلب منه لأنى أعلم حرفيته في الأداء، وكنت لا أخشى ممن كان يدعى بأن شركته تحصل على المشروعات بتزكية مني، وهذا لا يمت للواقع بصلة.
وبصراحة وبأس شديد، قال: "بشرفي لم أتدخل مطلقا في إرساء أي من المشروعات لمجموعة أوراسكوم"، وهم أكفاء في تنفيذ أي مشروع يتولون إدارته على أعلى مستوى، "ونجيب بعد كده قال مش عاوز خالص أي شغل حكومي"، وهم أعادوا دار الكتب بعد أن كانت خرابة، ومعبد الأقصر، حيث فكوا 21 عمودا، وعندما رأيت هذا المشهد قلت: «دى مصيبة.. هيركبوا تاني إزاى.. أنا هنتحر مش هستقيل»، فأعادوا تركيبها بحرفية عالية.
 
• في النهاية.. لا زال الفنان فاروق حسنى يحتفظ بحيويته ورشاقته.. فما السر؟
ضحك بصوت عال قائلا: عمر الإنسان عدد وأرقام، أما الحياة تختلف، فهناك طاقة حياتية داخل الإنسان هي الداعمة له، فالخيال وقوة الروح وقوة الإحساس بالغير وبالظروف المحيطة عامل رئيسي بها، والإنسان إذا حسب حياته بالأرقام ستنتهي قبل أن يتوفاه الله، وأنا أشعر أنه لا زال بداخلى طفل، وإلا لم أكن أستطيع أن أكمل فني، ولا يشغلنى متى سأموت، فأنا لا أخاف من الموت، ولا أخشى من تقدم العمر، فالإنسان لا بد أن يكون أقوى من الزمن.
الجريدة الرسمية