المتلونون (٥)
التلون ليس أمرًا عارضًا في حياته، لكنه مهنته، منه أصبح مليارديرًا، وبه ينفذ إلى حيث يريد، لذلك لا يهم أن تجده مصلحًا اجتماعيًا، أو داعية، أو سياسيًا، أو حتى (مستر كنتاكي)، المهم أن يصل إلى مبتغاه، أو مبتغى من صنعوه. وصناعة عمرو خالد بدأت مبكرًا، والقائمون عليها ليسوا أشخاصًا أو مؤسسة..
لكنها مؤسسات أو أجهزة تعمل في الداخل والخارج، فتحت له المجال في مصر، وفي السعودية، وفي اليمن والأردن، وفي أمريكا وأوروبا، اعتلى المنابر والفضائيات رغم أنف الأزهر، وأوقع الكبار في شباكه رغم أنف الأجهزة، يبكي في نفس ويبتسم في آخر، وما بين الاثنين يتلون صوته، فيكسب مزيدًا من مريديه المراهقين.
تسلل عمرو خالد إلى أسرة الرئيس الأسبق مبارك.. فاستمال علاء وزوجته، ليكونا من مريديه، مستغلًا ظرفًا إنسانيًا عاشاه، ثم خرجا الاثنان من عباءته بعد تحذير من الأجهزة، ثم ادعى المظلومية والاضطهاد لينتقل إلى لندن وفق خطة رسمها له صانعوه، ليعود مع أحداث يناير، ويقف إلى جوار جماعته، ويهتف مع محمد البلتاجي (الشعب يريد إسقاط النظام)، وهنا جاءت لحظات الحصاد لزرعة غرسها الإخوان منذ عقدين من الزمان..
نادي عمرو مريديه أعضاء (صناع الحياة) التي عاد بها من الخارج، فلبوا النداء، منهم دعاة هو لهم أستاذ، ومنهم شباب كان هو شيخهم، ومنهم رجال أعمال وأصحاب مؤسسات خيرية، لم يتردد عمرو في التأكيد على أن شباب جمعيته هم من أسقطوا النظام، ولم يخف رغبته في القيادة امتثالًا لرغبة مراهقية، لكنه أجل حلمه ليخلي الساحة لأرباب نعمته.
وقف "عمرو خالد" في ميدان التحرير بعد تنحي مبارك، وقد زاغت عينه تجاه حلمه الشخصي، ليتلو قسمًا يردده خلفه دراويشه، ثم عقد مؤتمرًا صحفيًا عالميًا ليوجه رسالة إلى العالم، ثم تراجع ليدعم محمد مرسي حتى وصل إلى الرئاسة، لكن حلمه في القيادة دفعه لتأسيس حزب (مصر المستقبل) الذي أصبح فيما بعد حزب (مصر) ومعه خالد عبد العزيز وزير الشباب، لكنه سرعان ما انسحب منه، ولأن خالد عبد العزير مولع به.. جعله شريكًا في حملة (أخلاقنا) لكن حالة الإفاقة التي عاشها الشعب بعد غيبوبة يناير، أرغمت عمرو على الانسحاب من الحملة التي لم تر النور.
ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي حللت فيه ضيفًا على برنامج (٤٨ ساعة) الذي كنت أترأس تحريره، كان يوم تنحي مبارك، عندما قررت السباحة ضد تيار ميدان التحرير، وللتأكيد أمام الرأي العام أنني استضفت الصحفية "نجاة عبدالرحمن" على مسئوليتي لأخلي مسئولية صاحب القناة الذي طلب مني ذلك، أكدت على ما قالته الصحفية من أن ميدان التحرير به أجهزة مخابرات أجنبية تهدف لهدم مصر، وهناك جواسيس يعملون لحساب بعض الدول..
وأن الشباب الذي لا يريد الانصراف من الميدان تم تدريبه في دول أجنبية على نشر الفوضى، كان عمرو خالد يجلس في غرفة الضيوف ينتظر فقرته التي تعقب فقرتي، لم يخف انزعاجه من كلامي وهدد بالانصراف إن لم تنته فقرتي فورًا، وعلى الهواء..
انتقدني عمرو، ثم راح يلون صوته بالبكاء مرة، وبالابتسامة أخرى، وألمح إلى الظلم الذي وقع عليه في عهد مبارك، وعن المجهود الذي بذله مريدوه من (صناع الحياة) حتى وصلوا إلى الثورة، ثم تقمص دور القائد الذي يشرع في بناء مصر المستقبل.
أحلام عمرو خالد الشخصية كانت كبيرة، وآمال جماعة الإخوان كانت ولا تزال متعلقة به، ورغم تخفيه ومحاولاته التلون.. إلا أنه أصبح مكشوفًا أمام الجميع، حتى لو تنكر في زي (آسيا) أو تقمص شخصية (مستر كنتاكي).
basher_hassan@hotmail.com