الكنيسة والأزهر.. و"أذناب منبوذة"
تعودت على مشاهدة قداس عيد القيامة المجيد، لكنني كنت أكثر حرصا عليه هذا العام، لأنه عيد القيامة الأول تحت قيادة البابا تواضروس الثاني، والأول الذي تحتفل به مصر في عهد "الإخوان"، كما يتزامن مع أوقات عصيبة تمر بها بلدنا، إذ يلي حادث الاعتداء على "الكاتدرائية" في سابقة مؤسفة لم يشهدها التاريخ المصري.
انتظرت أن يخيب د.مرسي الظنون، ويثبت مرة واحدة أنه رئيس للجميع، ويعمل على لم شمل الشعب بعد الفرقة والتقسيم، ويرسخ مفهوم المواطنة القائم على المساواة في الحقوق والواجبات، وأن "الدين لله والوطن للجميع"، لكنه لم يفعل والتزم سياسة الإقصاء والاستعلاء على المصريين، مؤكدا أنه رئيس للجماعة والعشيرة.
إذ أوفد أحد الوزراء للتهنئة بعيد القيامة، وهو التمثيل الأضعف للرئاسة المصرية منذ نحو 32 عاما، مما أثار الاستهجان والغضب، فالرئيس السابق مبارك كان يوفد رئيس الوزراء بالإضافة إلى نجليه علاء وجمال ومعهم رئيس الديوان د. زكريا عزمي، لحضور قداس العيد بالكاتدرائية المرقسية.. وسار على النهج نفسه المجلس العسكري بعد الثورة، حيث يحضر القداس نائب رئيس المجلس العسكري الفريق سامي عنان على رأس وفد من جنرالات الجيش.. لكن أين مرسي من هؤلاء؟!!.
تركت المقارنة جانبا لمتابعة قداس ملىء بالمفارقات والمواقف السياسية، وسرني حقيقة أن المشهد في "الكاتدرائية" يشي بمعاني اللحمة الوطنية والتعايش بين المصريين، الذين لم يفرقهم نظام حكم أو أزمات أو حتى محتل منذ آلاف السنين.
لكن حين تلى البابا تواضروس أسماء المهنئين والحاضرين، خنقتني العبرة وما لبثت أن انسابت دموعي، إزاء رد الفعل الشعبي التلقائي والرائع الذي يؤكد الإجماع المصري تجاه رموز وطنية أعلت مصلحة البلد ولم يجرفها سيل المطبلين لنظام "فاشي"، ولم يبحث أصحابها عن مصلحة أو نفوذ بالانضمام إلى جوقة "أذناب الجماعة" الإرهابية.
صحيح أن "أذناب النظام" حققوا مكاسب وتمتعوا بنفوذ، لكنهم يظلون أذنابا كشف الشعب زيفهم وأدرك أنهم تجار دين، فنبذهم إلى ركن قصي مع "الجماعة المحظورة".. ولا أدل على ذلك من "الصمت" الذي خيم على حضور القداس، حين أعلن البابا تواضروس أسماء المهنئين من المسئولين في النظام "الإخواني" ومن حضر موفدا عنهم، فيما دوت في أركان "الكاتدرائية" عاصفة من التصفيق والهتاف خفقت معها الأفئدة، عندما ذكر البابا بمحبة كبيرة وابتسامة ذات مغزى اسم شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، الذي زار "الكاتدرائية" على رأس وفد أزهري رفيع المستوى للتهنئة بعيد يمثل رأس الأعياد المسيحية وله معنى روحي كبير.
المحبة والتهليل المصاحبة لاسم فضيلة الشيخ الطيب، بمثابة "صفعة" جديدة لنظام فقد شرعية الحكم، ويشاء المولى عز وجل أن تتوالى "الصفعات" مع دوي التصفيق المرافق لأسماء الفريق أول عبدالفتاح السيسي، ورؤساء أحزاب المعارضة ومندوبي الفريق أحمد شفيق، ورئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند ونجوم الفن والمجتمع وصولا إلى الشيخ مظهر شاهين الذي أوقفه "الإخوان"، لكنه عاد بقوة القانون وعدالة القضاء الشامخ.
تجلت دروس الانتماء والوطنية في "الكاتدرائية" على مرأى ومسمع الملايين عبر التلفاز، ثم وصلنا نبأ "لكمة" سددها أقباط المهجر لنظام الحكم، برفض قراءة رسالة الرئيس مرسي التي وصلتهم عن طريق السفارة المصرية في "كندا"، ويأتي عدم قراءة الرسالة تعبيرا عن الغضب مما يحدث في مهد الحضارات من قتل وسحل وانتهاك كرامات، وتضامنا مع جميع المصريين الذين يعانون من الحكم "الإخواني"، واعتبر حضور القداس في المهجر أن تجاهل رسالة مرسي لفتة جميلة.. كما لم يفت الكثير منهم أن يستنكر انسياق "الجماعة المنبوذة وأذنابها"، وراء فتوى "غبية" لمفتى الإخوان بعدم تهنئة الأقباط بالعيد، وهي تنم عن "قلة أدب" وضحالة فكر الجماعة، ومن شأنها تعميق الانقسام في النسيج الوطني، لكن أحبط الشعب مسعاهم بالوحدة والتضامن، ونبذهم برقي وسلوك متحضر، بانتظار موعد قريب تنتهي فيه المحنة ويكون مستقرهم "مزبلة" التاريخ.