الدواء مر.. فهل يكون قاتلاً؟
سيدي الرئيس يعلم الله كم أكن لكم من حب وتأييد، حتى صار الأمر مثار اتهام من بعض المعارف والأصدقاء، وهذه تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه، إذ إننى أقف بجانب بلادي في كل وقت وحين، وإذ وجدتكم تحمون هذه البلاد وتدافعون عنها، وتقفون ضد عدوان الإخوان الإرهابيين، وضد مخطط تقسيم هذا الوطن من قوى الشر، وتقدمون أنفسكم فداء لهذا الوطن، ثم تقومون بدوركم في تعميره وتنميته، فكان إظهاري لفضلكم وأعمالكم في مصلحة بلادي، مما يظنه البعض نفاقًا للنظام، كان ذلك مدعاة للفخر، ولو أستطيع أن أفعل أكثر من ذلك لفعلت، طالما أن ذلك في مصلحة مصر العزيزة.
ولكن سيادة الرئيس – وآه من لكن هذه – هل ترى ما تقوم به حكومة فخامتكم في عموم كادحي الشعب المصري؟ الحكومة لا ترى سبيلاً من أجل تطوير الاقتصاد وتحسينه والنهوض به سوى في جيب المواطن المصري الكادح الفقير، على الرغم من أنه لا يمكن أن يعتمد تطوير الاقتصاد أبدًا على جيب المواطن فقط، وإنما هناك سبل أخرى، منها تطوير المصانع بالإنشاء أو إعادة التأهيل أو تغيير النشاط بما يستهدف سد الفجوة الاستيرادية، مع التصدير الذي من الممكن أن يتم من خلال علاقات قوية بدول أفريقية وعربية بشرط جودة الإنتاج ورخص السعر لمنافسة المنتج الصيني، مع العمل على إيقاف الاستيراد السفيه، ومساعدة المشروعات الصغيرة بتسويق الإنتاج وإرشادات الجودة... إلخ، كل تلك سبل في طريق النهضة الاقتصادية وليس فقط جيب المواطن الكادح.
سيادة الرئيس، كل الأخبار الاقتصادية في مصر - كما يبشرنا بها وزير المالية ومحافظ البنك المركزي- طيبة، لكن الشعب الكادح لن يأكل من خفض التضخم، أو يشرب من انخفاض عجز الموازنة، أو يعالج من وصول الاحتياطي النقدي إلى أعلى مستوى، فهو – أي المواطن – في حاجة ماسة للطعام، والعلاج، والكساء، والتعلم بأسعار مناسبة، وعلى أرض الواقع وليست في الأحلام والخيال، وأن تنعكس الأخبار الاقتصادية الطيبة على حياته التي يعيشها بالفعل.
فمشروعاتكم يا سيادة الرئيس عظيمة لكن الأعظم منها أن يشعر المواطن بأنها غيرت حياته للأفضل، وأعانته على هذه الحياة حتى يؤمن بها، فلا نجد امرأة فقيرة تقول لجارة لها تدافع عن هذه المشروعات: "يعني لما أجوع أنا وأولادي بعد الغلاء نقف على الكباري التي ستؤكلنا وتشربنا؟".
سيادة الرئيس، كم كنت أتمنى أن تكون الحكومة مثالاً في الترشيد في الإنفاق قبل مطالبة المواطنين بذلك، فتبدأ الحكومة في ترشيد استخدامها للسيارات الحكومية والمخصصات الخاصة بكبار المسئولين... إلخ، لكن ما حدث أن هذه المخصصات زادت بالفعل في وقت تطالبون فيه المواطن الفقير بالتقشف، وأن البلاد تمر بأزمة مالية، فكيف تمر البلاد بأزمة مالية مع زيادة مخصصات الوزراء وأعضاء مجلس الشعب ورواتبهم، وتأمرون الفقير أن يتقشف؟
سيادة الرئيس، كنت أتمنى أن أسمع أخبارًا تسر المواطنين مع حلول شهر رمضان المعظم، لكن الذي حدث أن المواطنين فوجئوا بما يضرهم ويسوؤهم من زيادة في أسعار المترو التي كان لا ينبغي أن تتعدى الجنيهات الثلاثة، وتكون موحدة بدلاً من كارثة الزحام على شباك التذاكر للوقت اللازم في فرز أنواع التذاكر، كما ساء الناس زيادة أسعار بعض السلع الغذائية وعلى رأسها الأرز.
سيادة الرئيس أتمنى أن تسمع بنفسك آراء الناس ومخاوفهم من تطبيق نظام الثانوية العامة الجديد الذي يبشر به وزير التعليم، الذي يؤكد الناس أنه سيجعل عبء الثانوية العامة والدروس الخصوصية على ثلاث سنوات بدلاً من واحدة، كما أن التطوير لم يتعدَ وجود تابلت محمل عليه نفس المناهج التي في الكتب، فهل هذا هو التطوير المأمول الذي يبشر به الوزير؟
سيادة الرئيس، من منطق حبي الشديد لكم الذي كان وما يزال وسيظل إن شاء الله، أرجو منكم أن توقفوا موجة الغلاء القادمة التي أمر بها صندوق النقد الدولي، وقد بدأت برفع تذاكر المترو، فهذه الموجة ستكون قاتلة للفقراء، وها قد عانيتم ما حدث بعد رفع سعر التذكرة من اقتحام بعض الناس لبوابات الدخول، ودخولهم عنوة، وهم في ذلك يدركون أهمية رفع سعر التذكرة لسعر معقول، ولكنهم أيضًا في حالة اقتصادية متردية لا تحتمل هذا الرفع في هذا التوقيت السيئ.
وأحب أن أعلم سيادتكم أنه في "أوروبا والدول المتقدمة" عندما يريدون رفع أسعار الخدمات أو السلع يرفعون قبل ذلك المرتبات أو الدخول، وهو الأمر الذي ينص عليه الدستور المصري ذاته، فهل تأمرون الحكومة الرشيدة أن تراعي ذلك النص الدستوري، وأن تتوقف عن موجة الغلاء القادمة التي ستشمل كل شيء، وستكون زيادة غير عادلة لن يستطيع المواطن أن يقابلها بالصبر كما عودكم؛ لأنه ببساطة لن يستطيع أن يعيش حياة سوية.
ولن تعوضه زجاجة زيت أو زيادة 10% عن ارتفاع الأسعار بصورة جنونية، ومن ثم لن يستطيع التحمل، ولن تردعه أي قوات للأمن عن التعبير عن غضبه وعدم تحمله، ووقتها ستظهر جماعة الإخوان الإرهابية في سيناريو محفوظ، وسيتحول السلفيون لداعش مباشرة، وستتحطم كل الآمال التي نعيشها لهذا الوطن، الذي أنقذتموه من الضياع.
سيادة الرئيس، كاتب هذا المقال هو من فئة تعيش الحياة بشق الأنفس، ولو شكوت إليك حالي لرثيت لي ولزملائي في المهنة الذين هم في نفس ظروفي، ولكني أشكو بثي وحزني لله فقط، وأقدم لسيادتكم أنات الكادحين والفقراء وأصواتهم التي طالبوني بإيصالها لسيادتكم، فهم يحبونك ويثقون في عدلك ومراعاتك لأحوالهم التي لن يستطيع معاش تكافل وكرامة أو زجاجة زيت أن تنقذهم من السقوط والموت إن حدثت موجة الغلاء القادمة.
سيادة الرئيس يكذبون عليك عندما يدعون أن الإخوان الإرهابيين وراء عدم تقبل الناس لموجة الغلاء للإصلاح الاقتصادي، والحقيقة أن الإخوان الإرهابيين يشجعون الحكومة ويدعمونها لرفع الأسعار وإنهاء الدعم، وهم يريدون ذلك حتى يقولوا للشعب المصري المحب لكم: "اشربوا بقى".
سيادة الرئيس ذكرتم أن الإصلاح الاقتصادي في السنوات الأربع الماضية كان كالدواء المر لا بد من تناوله، ولكن هذا الدواء إن استمر في السنوات القادمة سيكون مميتًا ولن يتحمله المريض، فهل صبرتم عليه قليلاً حتى يسترد أنفاسه قبل أن يتناول المر؟
سيادة الرئيس كلما أعلنت الحكومة عن رفع الدعم بمقدار محدد زاد التجار من رفع الأسعار بمقادير ضخمة، والحكومة عاجزة عن رقابة الأسواق، فهل ترحمنا من زيادة الأسعار حتى لا نقع فريسة للتجار الذين تعجز الحكومة بجلالة قدرها عن مواجهتهم، أو هي تحميهم بالفعل؟
سيادة الرئيس هل استوقفكم تصريح الدكتور علي مصيلحي، وزير التموين، عن أن من كان راتبه 1500 جنيه لا يستحق بطاقة تموين؟ وأظن أن أفضل عقوبة للدكتور مصيلحي أن يُعطى 1500 جنيه ويطالب بالحياة بهم وحده شهرًا واحدًا فذلك أشد العقاب.
كما يجب أن يعاقب على عودة طوابير الخبز في القرى خاصة بالمنوفية والجيزة مع عدم مطابقة الرغيف للمواصفات، ويدعي أصحاب المخابز ندرة الدقيق وتخفيض الحصص، رغم أن وزير التموين يدعي امتلاء الشون بالقمح، كما تجب مساءلة وزير الري عن تصريحه بتخفيض المساحة المنزرعة من الأرز قبل أن ينسق مع وزير التموين عن كيفية سد الفجوة، وهذا التصريح أدى لزيادة سعر الأرز حتى قبل تخفيض المساحة المزروعة.
كما تنبغي مساءلة وزير البترول عن حجم الثروة المعدنية من الذهب والرمال البيضاء والمعادن المختلفة التي من الممكن أن تدر على مصر مليارات الدولارات لو أحسن استغلالها، ومن ثم التخفيف عن جيب المواطن الكادح، كما تجب مساءلة وزير المواصلات عن عدم استغلال محطات المترو والسكك الحديدية استغلالاً تجاريًّا من خلال الإعلانات والأكشاك التجارية والسوبر ماركت، واستغلال المناطق حول هذه المحطات، بما يعوض خسائر المترو ويخفف الضغط عن كاهل المواطن الكادح.
وسؤال وزير الإسكان عن أموال بيع الأراضي في العاصمة الإدارية والشقق السكانية المختلفة وأراضي الفلل... إلخ، ولماذا لم يعد ذلك بالتخفيف عن كاهل المواطن. ومساءلة وزير الشباب والرياضة عن عدم الاهتمام بمراكز الشباب التي يكثر بها موظفون بلا عامل سوى التوقيع في دفاتر الحضور والانصراف مع عدم وجود شباب أو رياضة.
ومسألة وزير الصحة عن عدم احترام معظم الأطباء في المستشفيات والعيادات الحكومية لمواعيد المرضى، وعدم وجودهم أحيانًا كثيرة، وتعاملهم بكل صلف وكبر مع المرضى الفقراء وكأن هؤلاء المرضى عبيدهم، وعندما تذهب لجان تفتيشية تكون من زملائهم الأطباء الذين لا يقلون عنهم صلفًا وكبرًا، وسؤال وزيرة الاستثمار عن حجم الاستثمارات في الفترة السابقة وجدواها وعائدها على المواطن المصري بالفعل وليس بالشعارات.
سيادة الرئيس سيظل قلمي مناضلاً معكم، يعرف كل الفضل لكم، ويحاول أن ينبهكم لمواطن الخطورة، ولما قد لا تعلمونه أو تعلمونه مغلوطًا، وأنا أدعو الله في كل وقت أن يرشدكم الصائب دائمًا، ويجنب بكم مصر مواقع الزلل، ومخاطر الغضب.