في حضرة «رفات الشهداء».. مسلمة تدعو ومسيحية تصلي وطفل يبحث عن الشفاء
كانت الساعة تقترب من الثانية عشر ظهرا، عندما دخلت سيارة مسرعة إلى ساحة كنيسة «شهداء الإيمان» بقرية العور، دقائق معدودة وترجل منها رجل يكسو الشيب رأسه، وسيدة على مشارف الأربعين من عمرها.
شاب تبدو ملامحه أنه قارب على مغادرة العشرين من عمره، خرج من السيارة يستند على «عكاز» حديدي، قدماه مصابة بمرض «شلل أطفال»، تقدم ببطئ، بمساعدة «والدته» نحو «مزار الشهداء».
دخل الثلاثة إلى «المزار»، مروا بين الصفوف الخشبية، حتى أدركوا «المربع الخشبي» الذي يحوي «رفات الشهداء»، تابعتهم الأعين الموجودة هناك، حتى وصلوا إلى نقطة النهاية.. هناك أغمضت الأعين، رفعوا صلواتهم مُتشفعين في «الشهداء».
«لنوال البركة».. اتفق الثلاثة أنهم جاءوا خصيصا من أقصى جنوب محافظة المنيا، إلى قرية العور التابعة لمركز سمالوط، لـ«نيل بركة» الشهداء.. يروي الأب أن الابن مصاب بمرض في قدميه، وعندما علم بوصول «رفات الشهداء»، أصر على الحضور برفقة ابنه لنوال البركة.
قاعة كبيرة، المقاعد الخشبية مرصوصة على الجانبين في نهايتها يرقد «رفات الشهداء» في «مربع» خشبي مدون عليه أسماء الـ21 شهيدا، مغطاة بـ«لوح زجاج»، في المقدمة «بانر» كبير عليه صور الشهداء جميعهم.
من أمام رفات الشهداء يقول الأب «استيقظنا مبكرا وأخذنا طريقنا نحو قرية العور، لنيل بركة الشهداء.. وأتمنى أن ابني يقدر يمشي على قدميه بشكل طبيعي».. الأم والشاب يتابعان حديث الأب، ثم تتجه أعينهما إلى حيث يرقد الشهداء.
يؤمن الطفل «إبرام» الذي يبلغ من العمر 6 سنوات، أن «رفات الشهداء» قادرة بمشيئة من الله أن تُشفيه من مرض «الصدفة» الذي أصابه في رأسه، اضطرته إلى أن يقص شعر رأسه.
«إبرام».. جاء برفقة «عمه» من مدينة مغاغة أقصى شمال محافظة المنيا، إلى قرية العور لـ«نوال البركة»، اعتقادا بشفاعة الشهداء لشفائه من مرضه، قصر قامة «إبرام» منعته من الوصول إلى قمة «المزار»، فاعتلى كرسيا خشبيا، ومن فوق تابع تحركات الحضور، قبل أن «يمسح» زجاج المزار، ويضعه فوق رأسه «المصابة».. كرر هذا أكثر من 4 مرات، حيث مرر «المنديل الأبيض» الذي مرره سابقا فوق زجاج المزار، على رأسه المصابة، وهو مغمض العينين يتمتم بكلمات كشفها لاحقا «كنت بصلي إن ربنا يشفيني ببركة شهداء العور».
عم «الطفل إبرام» يقول «جينا من مغاغة أول ما عرفنا إن الشهداء وصلوا عشان نأخذ البركة»، بعدها انطلق في الترنيم والصلاة ويردد وراءه جميع الحضور، في المقابل يسجل «إبرام» تلك اللحظات بكاميرا الموبايل.
في المقابل وقفت شقيقة «القس سمعان» شهيد المرج، تردد الترنيمات، وتكيل المديح للعذراء مريم، شكرا على عودة رفات الشهداء، وفي يدها «هاتف» على الطرف الآخر هي أرملة «القس سمعان»، وتقول «إنها جاءت للصلاة من أجل القس سمعان، ونوال بركة الشهداء»، ورفعت صلاة من أجل مصر وشعبها أن يَحفظهما.
وتروي أن أرملة الشهيد «القس سمعان»، منعتها الظروف من المجيء إلى حيث المزار، لكنها صلت وتباركت من خلال «الهاتف»، ووضعته على زجاج المزار، وفي الجهة الأخرى كانت أرملة القس تصلي وتتبارك عن بعد.
حول المزار التف الأطفال والنساء والرجال، العائلات جاءت من كل مكان في المنيا، لكن يبقى مشهد السيدة «المحجبة» التي وقفت في القاعة الخارجية بجوار أخرى «مسيحية»، هو الأقوى، حيث اتفق الاثنان معا على «نوال البركة»، وتقول «مفيش فرق بين مسلم ومسيحي»، جميعنا إخوة في النهاية، والجميع يصلي إلى الله.
«حجابها» كان بارزا في وسط الحضور، لكنها كانت واقفه في خشوع كامل، عيناها مغمضتان، مثبتتان إلى أعلى، رافعة كلتا يديها، وتصلي من أجل طلب،-رفضت الإفصاح عنه-، إيمانها في إمكانية تحقيق طلبتها بشفاعة «شهداء ليبيا» كان واضحا من صلواتها الحارة: «الصلاة بإيمان في أي مكان عادي، وربنا أكيد بيسمعنا في كل مكان بنقوله فيه يا رب.. وربنا خلى الشهداء دول وسطينا عشان نتبارك بيهم».
«أم فادي»، سيدة مسيحية تقف بجوارها، منهمكة كانت في الصلاة أيضا، ما إن انتهت حتى سألناها عن مدى معرفتها برفيقتها «أنا وقفت صدفة جنبها، لكن كل يوم بيجي ناس كتير مسلمين ومسيحيين عشان يأخدوا بركة الشهداء».