شهر واحد للخير!
أمر طيب وجميل ومرحب به أن ينخرط كثيرون في أعمال الخير خلال شهر رمضان، بالصدقات والزكاة وأيضًا موائد الرحمن لمساعدة غير القادرين، والأقل قدرة والأضعف اجتماعيا.. غير أن الأجمل والأفضل ألا يقتصر عمل الخير على شهر واحد فقط في العام هو شهر الصيام، وإنما تمتد أعمال الخير لتشمل كل شهور السنة.
فنحن لدينا نسبة ليست بالقليلة ممن يعيشون تحت خط الفقر، تصل طبقا لآخر تقدير لجهاز التعبئة والإحصاء نحو ٢٨ في المائة من أفراد المجتمع، ولدينا نسبة أخرى ليست بالقليلة تعيش على هامش خط الفقر، وتصارع من أجل ألا تهبط تحته، قدرها وزير التخطيط السابق بنحو خُمس أفراد المجتمع..
أي إن الذين يحتاجون المساعدة والرعاية من الدولة والمجتمع كثيرون، حتى لا يعانون عوزا أو نقصا في احتياجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ومسكن ومواصلات وعلاج وتعليم وغيرها من الخدمات الأخرى الضرورية.. وهولاء بسبب ضعف قدراتهم ودخولهم، يحتاجون الرعاية منا كل شهور السنة وكل أسابيع الشهر، وكل أيام الأسبوع حتى نوفر لهم حياة كريمة.
ولذلك فإن هؤلاء الأقل قدرة، والأكثر احتياجا أولا لعمل مستمر لدعمهم ورعايتهم ومساندتهم اجتماعيا، وثانيا أن يكون هذا العمل ممنهج ومخطط ويشارك فيه الجميع.. المؤسسات الحكومية وأيضًا منظمات المجتمع المدنى، ثالثا ألا يقتصر هذا العمل على الهبات والصدقات والتبرعات فقط.
وبالنسبة للحكومة فإن واجبها هنا لا يقتصر فقط على مد مظلات الرعاية الاجتماعية لتعين هؤلاء على مواجهة الآثار الجانبية للإصلاح الاقتصادى وتداعياته السلبية عليهم، وإنما واجب الحكومة السعى للأخذ بأيدي هؤلاء لانتشالهم من فقرهم وحمايتهم من العوز والحاجة..
فهذا ما يقتضيه العدل الاجتماعى الذي التزمنا به منهجا أساسيا لنا في دستورنا.. أما المجتمع المدنى فهو مطالب بأن ينهض بدوره التنموى الحقيقى في المجتمع، خاصة وأن لدينا قرابة خمسين ألف جمعية أهلية، وليس مستساغا أو مقبولا أن يتم الاعتماد على بضع جمعيات أهلية قليلة في النشاط الأهلي.. كما لا يصح أيضا أن يطغى النشاط الخيري على النشاط التنموى في جمعياتنا الأهلية.
وحتى يحدث ذلك فإننا نحتاج أن تتبنى الحكومة سياسة مكتملة العناصر لتحقيق العدالة الاجتماعية تمضى في تنفيذها جنبا الآن جنب مع سياسة الإصلاح الاقتصادى.. بل لعل تنفيذ سياسة الإصلاح الاقتصادى يفرض الإسراع حكوميا بتنفيذ سياسة لتحقيق العدالة الاجتماعية.
أما بالنسبة للمجتمع المدنى فإن الأمر يحتاج لأن تمد الحكومة يدها لكل الجمعيات الأهلية التي لها جهد تنموي ولا تسعى للتربح من عملها أو تحصل على تمويل أجنبي سرى، أو تعمل في خدمة الإخوان.. وبذلك لن يكون شهر رمضان هو شهر الخير الوحيد لدينا.