عاطف فاروق يكتب: بالأسماء والمستندات.. «التربية والتعليم» تسبح في الفساد
كشفت مستندات وتقارير قضائية وأحكام نهائية عن وجود مخالفات عديدة في التاريخ الوظيفى لبعض شاغلى المراكز القيادية العليا بوزارة التربية والتعليم، وتورط عدد منهم في وقائع فساد مالى وإدارى صارخة.. وبدا الأمر كما لو أن الوزارة قد استنت لنفسها شروطا خاصة للترقية والتصعيد للمستويات الوظيفية الأعلى، من بينها ترقية من سبق محاكمته تأديبيا، أو مجازاته، بعقوبات على ارتكاب مخالفات، ليتولى وظائف قيادية، وهذه الشروط التي تنفرد بها وزارة التعليم، تثير الدهشة والاستغراب لدى المتابعين..
فبدلًا من أن تحرص الوزارة على نزاهة كبار المسئولين بها، حسبما تشترط قوانين الخدمة المدنية، فإنها تختار بعض النماذج غير الملائمة للوظيفة.. التقرير التالى يرصد بعض هذه النماذج، من وقائع أدين بها العديد من كبار القيادات والمسئولين الصادر بشأنها تقارير قضائية صادرة عن النيابة الإدارية وأحكام نهائية صادرة بشأنها بإدانة رموز وقيادات وزارة التربية والتعليم.
القضية رقم 157 لسنة 59 قضائية عليا انتهت فيها تحقيقات النيابة الإدارية بتاريخ 8 فبراير 2017 بإحالة جمال السيد سليمان، مدير عام الشئون المالية بديوان وزارة التربية والتعليم والمنتدب في وظيفة رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية و12 مسئولًا آخرين من مساعديه للمحاكمة أمام المحكمة التأديبية العليا بمجلس الدولة التي أصدرت حكمها بإدانتهم جميعًا في 15 نوفمبر من ذات العام بعد ثبوت ارتكابهم مخالفات مالية وإدارية جسيمة ترتب عليها إلغاء المناقصة العامة لخامات الطباعة وأحبار الكمبيوتر وإهدار المال العام.
وعقب علم الوزير السابق الدكتور الهلالى الشربينى بإحالة جمال السيد سليمان للمحاكمة بعد ثبوت الاتهامات في حقه أمر بإنهاء ندبه من وظيفة “رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية”، وعندما تولى الدكتور طارق شوقى وزارة التربية والتعليم أمر بعودته لوظيفة “وكيل وزارة”.. وبعد صدور حكم الإدانة ما زال المخالف الأول يعتلى الكرسى الكبير في الشئون المالية داخل ديوان الوزارة بأمر وزير التربية والتعليم!
وأكدت المحكمة في أسباب حكمها أن جميع المتهمين بوصفهم رئيس وأعضاء لجنة البت في مناقصة خامات طباعة وتصوير وخامات طابعات كمبيوتر قبلوا العروض المقدمة من الشركات في المناقصة العامة لخامات الطباعة وأحبار الكمبيوتر رغم عدم استيفاء تلك الشركات للمستندات المطلوبة بكراسة الشروط والمواصفات المتمثلة في تقديم شهادة موزع معتمد للأصناف المستوردة بما يفيد أنها وكيل تجارى للأصناف المستوردة بالمخالفة لما ورد بكراسة الشروط بما ترتب عليه إلغاء المناقصة استنادًا إلى تقرير اللجنة المشكلة من إدارة المشتريات الحكومية بالهيئة العامة للخدمات الحكومية التابعة لوزارة المالية مما تكون معه المخالفة ثابتة في حق جميع المحالين.
وفى القضية رقم 187 لسنة 58 قضائية عليا قررت النيابة الإدارية خلال شهر يونيو 2016 إحالة 4 سيدات من قيادات وزارة التربية والتعليم للمحاكمة، بعد ثبوت قيامهن بضم الطالبات لبطولة السباحة التوقيعية دون وجود أسمائهن بكشوف المشتركات في البطولة بقصد منحهن درجات الحافز الرياضى دون وجه حق وبعد ثبوت ارتكاب المخالفات المنسوبة إليهن قضت المحكمة التأديبية العليا في 21 فبراير 2018 بإدانتهم جميعًا.
أكد التحقيقات أن المتهمات الأربع أشركن الطالبتين نانسى الألفى حسن وملك محمد فاروق ببطولة السباحة التوقيعية دون وجود اسميهما ضمن الكشف المجمع بأسماء الطالبات المشتركات ودون وجود استمارات خاصة بهما، وقامت بتحرير كشف فردى واستمارات لهما بعد إجراء البطولة، مما ترتب عليه اشتراك الطالبتين في البطولة بالمخالفة للتعليمات والقواعد المنظمة للاشتراك ودون أن يكون لهما الحق في الاشتراك وحصولهما على درجات التفوق الرياضى دون وجه حق وتراخت في إرسال الكشف المجمع بأسماء الطالبات المشتركات في البطولة والاستمارات الخاصة بهن وفقًا للجدول الزمنى للألعاب والصادر عن الوزارة والمبين به آخر موعد لاستلام البطاقات والكشوف لهذه البطولة.
الغريب أنه رغم علم الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم يإحالة المتهمة الثانية إيمان محمد حسن، مدير عام الإدارة العامة للتربية الرياضية بوزارة التربية والتعليم أمر بترقيتها عن طريق ندبها للوظيفة الأعلى وهى رئيس الإدارة المركزية للأنشطة الطلابية “وكيل وزارة”!
وفى القضية رقم 122 لسنة 59 قضائية عليا اشتركت منى مصطفى محمد، في أعمال امتحانات الثانوية العامة خلال فترة عملها وكيلًا لمديرية التربية والتعليم بمحافظة دمياط رغم وجود نجلها ضمن الطلاب الذين يؤدون تلك الامتحانات، وانتهت تحقيقات النيابة الإدارية في فبراير 2017 إلى إحالتها للمحكمة التأديبية العليا التي قضت بإدانتها في 2 أغسطس 2017 بعد ثبوت الوقائع المنسوبة إليها.
أكدت المحكمة أن منى مصطفى محمد، مدير عام تنمية مادة التربية الرياضية بوزارة التربية والتعليم اشتركت في الأعمال التحضيرية لامتحانات الثانوية العامة دور أول عام 2016 رغم توقيعها على إقرار بعدم وجود موانع لديها من الاشتراك بالأعمال التحضيرية للامتحانات، ورغم كون نجلها بهاء الدين محمد حسن كان ممن يؤدون امتحان الثانوية العامة، وبما كان يحول دون اشتراكها في أعمال الامتحانات وفقًا للقرار الوزارى رقم 113 لسنة 1992 وقالت المحكمة إن ما ارتكبته المتهمة ثابت في حقها وفقًا لاعترافها ومذكرتها الموجهة إلى وزير التربية والتعليم بشأن طلب الموافقة على قبول الاعتذار عن عدم متابعة امتحانات الثانوية العامة، حيث يؤدى نجلها بهاء الدين محمود حسن الامتحان في نفس العام رغم سبق قيامها بتوقيع إقرار بشأن عدم وجود موانع لديها وانتهت المحكمة التأديبية العليا في حكمها إلى إدانتها.
المثير للدهشة أيضًا هو صدور قرار بترقيتها من وكيل مديرية التربية والتعليم بدمياط إلى مدير مديرية التربية والتعليم بكفر الشيخ عقب إحالتها للمحاكمة ثم ندبها في وظيفة مدير عام تنمية مادة التربية الرياضية بديوان عام وزارة التربية والتعليم عقب إدانتها أمام المحكمة التأديبية العليا بمجلس الدولة في أغسطس 2017!
ومؤخرًا أحالت النيابة الإدارية وليد فؤاد المناخلي، مدير عام الإدارة العامة لشئون المديريات والديوان العام بوزارة التربية والتعليم للمحاكمة لقيامه بعرض مذكرة على رئيس قطاع مكتب الوزير تضمنت بالمخالفة للحقيقة عدم اختيار أحد المتقدمين لوظيفة رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب الوزير لعدم حصولهم على نسبة النجاح رغم علمه بعدم حسم أمر تلك الوظيفة لوجود تلاعب بشأنها بمحضر لجنة الوظائف القيادية ــ وكذا حصول الشاكية على 70 % في المقابلة الشخصية، ووجود كشط وتعديل داخل محضر اللجنة بالخانة المحددة أمام هذه الوظيفة ــ وأنتهى في مذكرته إلى طلب إحالة الموضوع للمستشار القانوني دون توضيح أن الأخير انتهى برأيه السابق المعتمد من الوزير إلى إحالة جميع التظلمات للإدارة العامة لشئون المديريات لتتولى عرضها على اللجنة الدائمة للوظائف القيادية.
وأعد "المناخلي" مذكرة أخرى بالعرض على الوزير وتضمينها رأيان، أولهما يطلب فيه عرض كافة التظلمات على جميع الوظائف للمتقدمين عليها للعرض على لجنة الوظائف القيادية، والرأي الثاني إحالة الموضوع للمستشار القانوني لمعرفة مدى جواز إحالة الموضوع للنيابة من عدمه في ظل إقامة الشاكية دعوى قضائية رغم سابقة انتهاء المستشار القانوني للوزير في مذكرتيه المعتمدتين من الوزير إلى إحالة جميع التظلمات للإدارة التي يترأسها "المتهم" ليتولى عرضها على اللجنة الدائمة للقيادات وبصفة خاصة أمر المتظلمة وإحالة ما ورد من مخالفات شابت أعمال اللجنة من وجود كشط وتعديل بمحضر أعمال اللجنة الدائمة للقيادات وكشوف التفريغ المرفقة بها للمتقدمين للوظيفة للتحقيق بمعرفة النيابة الإدارية متجاهلًا ما ورد بهاتين المذكرتين بقصد التسويف والمماطلة ومحاولة التغاضي عن إحالة الموضوع للتحقيق
وقام "المخالف" بعرض مذكرة أخرى برقم 7336 على رئيس قطاع مكتب الوزير ضمنها ايضًا أن المستشار القانوني لم يبد الرأي في البند أولًا بمذكرته فيما يتعلق بعرض جميع التظلمات على جميع الوظائف للمتقدمين عليها على اللجنة الدائمة للقيادات، حيث سبق الرد من المستشار القانوني في هذا الشأن بمذكرته المعتمدة من الوزير.. وكذا بمذكرتيه المعتمدين من الوزير ايضًا مما دفع المستشار القانوني للرد مرة أخرى على ذلك بمذكرته رقم 9828 والمعتمدة من الوزير بالإلتزام بما جاء بالرأي السابق الانتهاء اليه في ذات الشأن المعتمد من الوزير بالمذكرتين، ولم يتخذ "المحال" بالإجراءات القانونية حيال الموافقات الصادرة من الوزير على ما انتهى اليه مستشاره من رأي بمذكراته بعرض أمر الشاكية بشأن عدم تعيينها على الوظيفة على اللجنة الدائمة للوظائف القيادية للنظر في صلاحيتها لشغلها
وهكذا يتبين أن هناك قانون عرفي غير مكتوب، يسمح لأصحاب الجزاءات والمحالين للمحاكمات بالتسلل إلى مراكز صناعة القرار بوزارة التربية والتعليم التي يفترض أنها مسئولة عن إعداد الأجيال تربويا وقيميا وأخلاقيا وتعليميا.. وللحديث بقية
"نقلا عن العدد الورقي..."