رئيس التحرير
عصام كامل

مشروع قومى لإنقاذ «الصحافة الورقية»


أمسكتُ النسخة الورقية منْ صحيفةِ "الأهرام"، فاكتشفتُ أنها أصبحتْ 20 صفحة فقط، بدا الأمرُ مُزعجًا لى، وكاشفًا عنْ أزمةِ الصحافةِ الورقيةِ التي تتفاقمُ في مصرَ والدولِ العربيةِ يومًا بعدَ يومٍ. بعيدًا عنْ ارتفاع أسعار الورق وغيرها منْ التحدياتِ الجسام التي تواجهُ مهنة كانتْ عريقة ومُهمَّة ومُؤثرة، وبعضُها يتعلقُ بأبناء المهنة أنفسِهم..


لا يختلفُ اثنان على أنَّ "أطرافًا وأجنحة نافذة ومتنفذة" تنفذُ خُططًا ماكرة وخبيثة لتشييع "الصحافةِ الورقيةِ" إلى مثواها الأخيرِ لأهدافٍ لا تخفى على أحدٍ. الواقعُ والتاريخُ يقولانِ: إنَّ الأنظمة العربية تكرهُ الصحافة كراهية التحريم، وتتوهَّمُ أنَّ غيابَ "الصحافةِ المطبوعةِ" يضاعفُ منْ تمكينِها وفرَص بقائها. ربما كانتْ هذه الفرضية صائبة قبلَ سنواتٍ قليلةٍ، ولكنْ في ظلِّ الثورةِ التكنولوجيةِ المتدفقةِ، وتعدُّدِ الوسائط، يُصبحُ هذا التفكيرُ ساذجًا وتافهًا وسطحيًا، ويجبُ أنْ يُحاكمَ منْ يؤمنونَ به ويُحرِّضونَ عليه بتهمة "الغباء السياسي".

للراحل "مصطفى أمين" حِكمةٌ بليغة تقولُ: "الصحافة أنْ تقولَ للحاكم ما يريدُ الشعبُ، لا أنْ تقولَ للشعبِ ما يريدُه الحاكمُ". الأنظمةُ العربية تُفضِّلُ بطبيعةِ الحالِ الصنفَ الثانى منْ الصحفِ وتقرِّبُه إليها زُلفى وتحافظُ عليه، أما الصنفُ الأولُ فتحلُّ عليه اللعناتُ بألوانِ الطيف. الصحافةُ الورقية "الحقيقية" هي ذاكرة الأمة، وأقوى أدواتِ التثقيفِ والتعليمِ والوعى والإدراكِ، ولكنَّ بعضَ الأنظمة يفضلُ أن يكونَ الشعبُ أميَّاَ جاهلاَ لا وعىَ له.

شعوبُ الجهل والأميَّة لا تبنى دولًا قوية ولا تشيد حضاراتٍ باقية. شمسُ الصحافةِ المطبوعةِ في الدول العربية، بما فيها البتروليةُ، إلى أُفولٍ، والصحفيونَ ينتظمون في طوابير المُتعطلين عن العمل، بعضُهم لا يملكُ قوتَ يومِه. الأنظمة الرشيدة لا يجبُ أنْ تنظرَ بإهمالٍ أو شماتةٍ إلى "الصحافةِ الورقيةِ" وهى تعانى الاحتضارَ، بلْ يجبُ عليها أنْ تمدَّ لها يدَ العون وتمنحَها إكسيرَ البقاء، بدون عُنصريةٍ أو انتقائيةٍ بغيضةٍ.

"الصحافة الورقية الحقيقية".. ليستْ تلكَ الناطقة باسم النظام "أي نظام"، ولا المدافعة عن أخطائه، ولا تلك التي تعارضُ منْ أجل المعارضة. في مصرَ صحفيون مُخلصون لمهنتهم، ولوطنِهم، ولشعبِهم، ولا يجبُ إهمالُهم ولا تشريدُهم "شبابًا كانوا أو شيوخًا".

الدولة قادرة على تبنى "مشروعٍ قومىٍّ"، بعيدًا عن "الأسماءِ سابقةِ التجهيز وصاحبةِ التاريخ العامر منْ الفشل والإخفاق"، لإعادةِ الحياة إلى "الصحافةِ المطبوعةِ"، مشروعٍ يكونُ مضربَ الأمثال للأنظمةِ التي تفرغتْ للتضييق على المؤسسات الصحفية الجادة، وإغلاق أبوابِها بالضبَّة والمفتاح، واعتبرتْ ذلك إنجازًا لا يجاريه إنجازٌ.. عاشتْ مصرُ عُنوانًا للحياةِ بجميع روافدِها.
الجريدة الرسمية