نظام التعليم الجديد يواجه نفس مصير المدارس اليابانية.. مخاوف من التحديات وأزمة تدريب المعلمين.. عودة معلم الفصل مشكلة جديدة.. البنية التحتية أكبر العقبات.. ومصادر تكشف عيوب المنهج المحوري
ما زال مشروع التعليم الجديد يثير الجدل في المجتمع التربوي؛ بسبب إصرار وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي على البدء في تنفيذه بدءا من العام الدراسي الجديد الذي ينطلق في شهر سبتمبر المقبل.
المدارس اليابانية
وأكدت مصادر بوزارة التربية والتعليم أن مشروع التعليم الجديد المعروف بـ" تعليم 2" أو دعم إصلاح التعليم المصري كما يطلق عليه البنك الدولي يسير في نفس طريق المدارس اليابانية، وأن الوزارة إذا لم تفطن إلى المشكلات الفعلية وتعالجها على أرض الواقع قبل التطبيق فربما تواجه نفس الأزمة التي واجهتها في المدارس اليابانية العام الجاري، حيث تدخلت القيادة السياسية لوقف التجربة قبل أن تبدأ بعد أن تأكدت أن وزارة التعليم لم تكن جاهزة بالكامل لتطبيق التجربة وأرجأتها للعام الدراسي المقبل.
المقررات الدراسية
ويشير جدول المقررات الدراسية في النظام الجديد إلى أن المقررات الدراسية في مرحلة التعليم الأساسي ستشمل 4 مجالات هي: "اللغات والعلوم والتكنولوجيا والفنون والتربية الشخصية والاجتماعية".
وتلك المجالات سيتم معالجتها في مناهج دراسية تتوافق معها، ففي مجال اللغات سيتم تدريس: "اللغة العربية واللغة الإنجليزية واللغة الأجنبية الثانية، وفي مجال العلوم والتكنولوجيا سيتم تدريس مقررات الرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية، وفي مجال الفنون سيتم تدريس التربية الفنية والتربية الموسيقية والتربية المسرحية والإعلام".
وفي مجال التربية الشخصية سيتم تدريس التربية المهنية وتشمل اقتصاد وعلوم تطبيقية وزراعي وتجاري وصناعي وفندقي، وذلك تحت مسمى مقرر المشروعات والإبداع المهني، بالإضافة إلى التربية الدينية والتربية الصحية والبدنية.
ويعني هذا أن الطفل بدءا من الصف الأول الابتدائي سيدرس 5 مقررات دراسية هي اللغة الإنجليزية كمنهج منفصل والتربية المهنية وتشمل أنشطة الصناعي والزراعي والتجاري والفندقي والتربية البدنية والتربية الدينية بالإضافة إلى مقرر دراسي يضم اللغة العربية والرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية والتربية الفنية والتربية الموسيقية والتربية المسرحية والإعلام في شكل وحدات متعددة التخصصات أو ما يعرف عند علماء التربية بالمنهج المحوري، وهذا المنهج يتضمن دروسا من كل تخصص هذه التخصصات وتلك الدروس تتكامل معًا بحيث يكمل بعضها الآخر.
أهداف المنهج
ويهدف هذا المنهج في الأساس إلى إمداد الطلبة بقدر مشترك من الخبرات التربوية ليصبحوا مواطنين متوافقين مع بعضهم البعض ومع مجتمعهم ويكونوا قادرين على مواجهة التحديات التي تواجههم، كما أنه يتيح للطلاب فرصة التدريب العملي على حل المشكلات الحياتية وكيفية مواجهتها ويمكنهم من اكتشاف ميولهم مبكرًا لتنميتها لأنه يعتمد على طريقة خاصة في التدريس لا تعتمد على أسلوب تلقين المعلومة المتبع حاليًا في المدارس، إضافة إلى أن هذا المنهج لا يلتزم بحدود المواد الدراسية بل إنه يستخدم المادة العلمية في وضع حلول للمشكلات ويربط بين المواد العلمية المختلفة ربطًا تربويًا يساعد على تكامل نمو التلاميذ.
كما أنه يساعد الطلاب على تنمية قدراتهم الخاصة مع معرفة القدرات والمهارات الضرورية للنجاح في المجتمع ويمنحهم الفرصة الكاملة للتدريب المهني ويعلمهم كيفية الاستفادة من وقت الفراغ، وطرق تدريس هذا المنهج تختلف عن المعتاد حاليًا حيث يربط هذا المنهج بين المعلم وتلاميذه بشكل كبير ويؤدي المعلم دوره كموجه للتلاميذ وليس ملقنًا لهم، كما أنه يعتمد على التلاميذ في معاونته في وضع الخطط التي تناسبهم لتدريس المنهج والاستفادة من نشاطهم.
ويدرب المنهج المحوري التلاميذ على العمل الجماعي وينمي عندهم العديد من القدرات والمهارات، هذا هو حال المنهج المحوري من الناحية النظرية، أما من الناحية العلمية والتطبيقية فإنه يحتاج إلى معلمين بمواصفات خاصة تكون لديهم القدرة على التعامل مع هذا المنهج، وإذا ما تم إسناد تدريس هذا المنهج إلى المعلمين الحاليين فإنه يحتاج إلى تدريبات خاصة يتلقاها هؤلاء وهذه التدريبات تحتاج إلى مدى زمني كبير، والمدى الزمني الفاصل بين الإعلان عن النظام الجديد وموعد تطبيقه لا تكفي لتدريب المعلمين اللازمين لتدريس هذا المنهج لطلاب الصف الأول الابتدائي ومرحلة رياض الأطفال.
المنهج المحوري
ووفقًا لمصادر بوزارة التربية والتعليم؛ فإن تجربة المنهج المحوري مطبقة بالفعل في مدرستين مصريتين منذ عام 2014 وهما مدرستا البكالوريا الدولية في مدينة المعراج بالمعادي والأخرى في مدينة الشيخ زايد، ورغم التدريبات التي تلقاها معلمو تلك المدرستين والرواتب الكبيرة التي يحصلون عليها قياسًا بما يتقاضاه معلمو المدارس الحكومية أو حتى التجريبية وإضافة إلى أن هؤلاء المعلمين تم اختيارهم بعناية فائقة للعمل في تلك المدارس إلا أن التجربة تؤكد أن هناك العديد من جوانب القصور التي يجب أن تتنبه إليها وزارة التربية والتعليم عند تطبيق هذا المنهج في المدارس الحكومية العادية.
ومن المشكلات التي تعاني منها المدرستان هو أن كثيرا من المعلمين لا يشعرون بالراحة للمنهج المحوري لأن نشاطهم فيه لا يقتصر على المواد الدراسية التقليدية ويتطلب منهم فهما خاصًا ومهارة محددة لم يسبق تكوينها لهم في الإعداد الذي سبق إلحاقهم للتدريس في المدارس، ما يعني ضرورة تغيير طريقة إعداد المعلم في كليات التربية وهو ما لم يحدث، مع ضرورة وضع برنامج تنفيذي لتدريب المعلمين تدريبًا حقيقيًا بدلًا من التدريبات الصورية التي تتم حاليًا.
وأكدت المصادر أن البلدان التي طبقت المنهج المحوري واجهت مشكلات عدة مع الإدارات المدرسية بها، حيث لم تجد حماسة من مديري المدارس للقيام بأعباء هذا المنهج، مشيرين إلى أن تطبيق هذا المنهج يحتاج إلى حجرات واسعة وكثافة طلابية منخفضة وأدوات ووسائل تعليمية كثيرة غير متوفرة في المدارس الحكومية لتساعد المعلم على القيام بمهمتهم، إضافة إلى أن مثل هذا المنهج لا يتلائم مع متطلبات التعليم الجامعي والعالي من شروط ومستلزمات وتعليم أكاديمي ويتطلب تغييرًا جوهريًا في المراحل التعليمية الأعلى لتتلائم مع المهارات التي يكتسبها الطالب إذا تم توفير كل المستلزمات المطلوبة لتطبيق مثل هذا المنهج.
وقالت المصادر إن هذا المنهج قد يتناسب مع الصفوف الأولى من الأول حتى الثالث الابتدائي؛ ولكنه غير مناسب للصفوف الأعلى من ذلك، في حين أن مشروع التعليم الجديد ينص على تطبيق هذا المنهج طوال مرحلة التعليم الأساسي والتي تشمل الحلقتين الابتدائية والاعدادية ومدتها الدراسية 9 سنوات، فتكون المقررات الدراسية في الإعدادية وتبدأ من الصف الأول الإعدادي إلى الثالث الإعدادي أن يدرس الطالب فيها اللغة العربية كمنهج مستقل وأساسي وكذلك اللغة الإنجليزية كمنهج أساسي، ويختار لغة أجنبية ثانية، ويدرس منهجا متكاملا (محوريًا) لمواد العلوم والتكنولوجيا.
وفي مواد الفنون يختار مادة واحدة من الأربعة المذكورة في مجال الفنون، وبالنسبة للتربية المهنية فإن الطالب في الصفين الأول والثاني الإعدادي يختار مادة واحدة من مواد الزراعي والصناعي والتجاري والفندقي، وفي الصف الثالث يختار مادة، بالإضافة إلى مقرر المشروعات و"الإنتاج المهني" وفي المرحلة الإعدادية تصبح مادة التربية الدينية مادة أساسية وكذلك التربية البدنية والصحية.
وبحسب المصادر ذاتها، فإنه سيؤدي هذا المنهج معلم واحد وهذا يتطلب أن يكون له خبرة جيدة بكافة العلوم التي يتكون منها المنهج المحوري، وأشارت المصادر إلى أن ذلك يطلق عليه معلم الفصل.
وتجربة معلم الفصل كانت موجودة منذ سنوات طويلة في المرحلة الابتدائية في الصفوف من الأول إلى الثالث الابتدائي؛ ولكن بسبب رغبة معلمي الابتدائية في الالتحاق بالتدريس في الإعدادية والثانوية طالبوا بتغيير مسمى وظيفي وحصل غالبيتهم على ذلك، وترتب على هذا الأمر وجود عجز صارخ في معلمي الحلقة الابتدائية، وأصدرت الوزارة كتابًا دوريًا العام الماضي لإعادة معلم الفصل على أن يشرف عليه الموجه الشامل وهذه التجربة تواجه صعوبات ضخمة لأنه لم يتم إعداد معلم الفصل الإعداد اللازم لذلك ولم يكن هناك تطبيق لمنهج محوري، ما يعني أن المشكلات ستكون متراكمة مع تطبيق المنهج المحوري بسبب عدم الإعداد الجيد للمدارس لتصبح جاهزة لتطبيق هذا النظام ولكي يؤتي المنهج الجديد ثماره.