المحتكرون أخطر من الإرهابيين
ليست صدفة أن تكون أهم وأخطر صناعات إستراتيجية في يد الأجانب كشركات المحمول والأدوية والأغذية والأسمنت، وليست صدفة أن يكون هناك وكيل ومحتكر لكل سلعة متداولة في هذا البلد، خاصة ونحن نستورد أكثر من ٧٠٪ من احتياجاتنا الأساسية، ويعرف كل العاملين في صناعة الدواء كيف كان البعض يبني مصانع للأدوية بعدة مئات من الملايين ويحصل على ترخيص وتسعير لبعض الأدوية وبعد ذلك يعيد بيع تلك المصانع لشركات أجنبية بعدة مليارات من الدولارات، ونفس الأمر حدث لشركات الأسمنت التي تم خصخصتها بتراب الفلوس، وراح المشترون الجدد بإعادة بيعها بعشرات المليارات من اليورو.
وكان أن ارتفعت أسعار الأدوية لأكثر من الضعف والأمر كذلك للأسمنت، والغريب أن كل شركات الأسمنت التي تم بيعها كانت تحقق مئات الملايين أرباحا سنوية، وأي تحقيق منصف سيكشف قضايا فساد بالمليارات في معظم ما تم خصخصته، وبات معلوما بالضرورة أن المحتكرين غالبا ما ينتصرون على الحكومة في أي معركة بينهما، لدرجة اعتراف "خالد حنفي" وزير التموين الأسبق بأن المحتكرين فسدة ويحاولون إحراجه وإظهاره بمظهر سيئ، وكانت معركة الدواجن المستورد نموذجا.
فعندما تم إعفاء الدواجن المستوردة من الرسوم لضبط الأسعار في الأسواق بعد أن وصل سعر الكيلو إلى ٤٠ جنيها وهو ما أشاد به الشارع وفجأة شن أصحاب المزارع حملة شرسة عبر كل وسائل التواصل والفضائيات بحجة دعم صناعة الدواجن، وبالفعل تم التراجع عن قرار الإعفاء، وبعد ذلك اكتشف الجميع أننا ليس لدينا صناعة دواجن لأننا تستورد كل المكونات، وما حدث مع الدواجن حدث عكسة مع الحديد، عندما تم فرض رسوم إغراق على الحديد المستورد من أوكرانيا والصين وتركيا لمدة خمس سنوات، فاشتعلت الأسعار ووصل سعر الطن لأكثر من ١٣ ألف جنيه.
وستجد الأمر ذاته في السمك والأرز والسكر بل إن هؤلاء المحتكرين دمروا صفقة لحوم من إثيوبيا رغم أن المصلحة العليا كانت تقتضي إتمام هذه الصفقات، ونفس الأمر تكرر مرارا مع الأرز، ووصل الأمر لتصنيف هؤلاء المحتكرين بأنهم أخطر من المافيا ومن الإرهابيين ويقولون أن أي مواحهه للفساد فاشلة إن لم يتم القضاء على تلك المافيا، ذلك أن هؤلاء هم من يعيث الفساد بالرشاوي وشراء الذمم من أجل إبقاء الأسعار رهن إرادتهم.
والغريب أن الأسعار تنخفض في كل دول العالم وفق آليات السوق الا في مصر، فلا توجد سلعة واحدة ارتفع سعرها وانخفض بعدها، وكان يمكن مواجهة ذلك بفتح الباب للمنافسة أمام المستوردين غير أن الحكومة قيدت الاستيراد على أشخاص بعينهم مما دفع الغرفة التجارية لاتهام الحكومة بتدعيم المحتكرين، وذلك بعد أن أغلقت نحو ٦٠٪ من شركات الاستيراد أبوابها نتيجة الشروط المجحفة للتسجيل في سجلات الموردين ورفع الحد الأدنى لرأس المال اللازم لقيد الشركات من ١٠ آلاف جنيه إلى ما لا يقل عن ٥٠٠ ألف جنيه.
وهو ما اعتبرته الغرفة التجارية فتح الباب أمام مزيد من الاحتكار، خاصة وأن السماح للشركات الأجنبية ومتعددة الجنسيات يمثل خطورة على الأمن القومي لأن بقدرة تلك الكيانات إغراق الأسواق بسلع معينة والتحكم فيها.
وإذا كان الناس يتداولون أسماء مائة شخصية ما بين مصنع ومستورد وتاجر ويعرف البسطاء أسماء كل محتكر لأي سلعة، ولهؤلاء صبيان بمعني أن هناك مثلا ١٥ شخصا يمثلون مافيا اللحوم وتتجاوز حجم تجارتهم ٣٠ مليار جنيه، ومع هؤلاء عدد آخر من المساعدين ربما يكونون عشرات أو مئات، وما يحدث في اللحوم يحدث في بقية السلع وخاصة الإستراتيجية كالدواء الذي تم تدمير صناعته عمدا لصالح الشركات الأجنبية.
وإذا كانت الدولة تخوض معركة شرسة ضد الإرهاب ومؤامرات الخارج لجرجرة مصر لمعارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فإنه بالتوازي لابد من معركة شاملة ضد الاحتكار والمحتكرين حتى ولو اضطررنا لفرض التسعيرة الجبرية كبوابة أمان مع تدخل الجيش في تلك الأنشطة لإحداث توازن في السوق، مع مزيد من الرقابة والتوسع في تخزين المنتجات، وجمع المحاصيل الإستراتيجية من الفلاحين تتفق ومجهوداتهم حتى لايتوجع الفلاحون للمحتكرين، ذلك لأن ارتفاع الأسعار يزيد من التضخم بما يعني الفشل وعجز الدولة على مواجهة المفسدين، ذلك أن هؤلاء أخطر من الإرهابيين لأنهم يشنون غارات يومية على قوت الناس.