رئيس التحرير
عصام كامل

من داخل منزل طنطا.. نجل «العراب» يكشف طقوس «جلسات الونس» مع الوالد (صور)

أحمد خالد توفيق ونجله
أحمد خالد توفيق ونجله

«أنا أخشى الموت كثيرًا ولست من هؤلاء المدعين الذين يرددون في فخر طفولي نحن لا نهاب الموت، وكيف لا أهاب الموت وأنا غير مستعد لمواجهة خالقي». أحمد خالد توفيق. 


قبل أربعين يوما بالتمام والكمال كان يمارس دكتور أحمد خالد توفيق – العراب – روتينه اليوم، يستيقظ في الصباح الباكر بالتحديد في السادسة صباحا يرتدي ملابسه، سيختار أن يرتدي قميصا وبنطالا دون ربطة عنق، الجو الخانق لا يسمح له أن يكدس من الملابس أكثر من ذلك، ثم يتناول كوبا من الشاي في شرفة منزله ويتبادل بضع كلمات مع زوجته وأبنائه ثم ينصرف إلى الجامعة.

في الجامعة لن يختلف الأمر كثيرا، بالتأكيد سيصل في موعده المحدد لكل يوم - فهو اعتاد أن يصل باكرا ويبدأ في التحضير ليوم دراسي – ستَدور دورة العمل في نصابها بالتمام والكمال، وتأتي الساعة الرابعة مساء، يلملم أشياءه ثم ينطلق في طريق عودته إلى المنزل مرة أخرى.

الأداء في المنزل لا يختلف كثيرا عن اليوم الذي سبق، بالتأكيد سيحتسي كوبا من الشاي ثم يتبادل الحديث مع زوجته، ويهم بالدخول إلى غرفة مكتبه أو يتأبط جهاز الكمبيوتر الشخصي وينزوي في أحد أركان الشقة، ويضغط لفتح ملف الوورد، ويبدأ يسترسل في خلق عوالم أخرى غير التي يعيشها.

                     

تضم مكتبة العراب جميع أنواع الكتب في مختلف المجالات، فهو عاشق للأدب الروسي متذوق لأدب الكتاب الألمان، متيم بالقصص القصيرة التي كان ينسجها الكُتاب والأديب يوسف إدريس، وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، أما أدب الرعب والما ورائيات فكان يجمع كل ما يتعلق بهم من المكاتب ودور النشر سواء بلغته الأصلية أو مترجم، كان قارئا نهما لا يكل ولا يمل.

لكل أديب طقس خاص به يمارسه قبيل الكتابة أو أثنائها، إلا أن دكتور أحمد خالد توفيق حسب ما قال بنفسه في أحد اللقاءات التليفزيونية: «لا أحتاج سوى إلى سكون وليل وكوب من الشاي».



«لا يمكن القول إن هناك طقوسا واضحة وحقيقية لوالدي أثناء الكتابة، بالتأكيد سيمسك بِيديه كوبا من الشاي يجلسه بجانبه، ويستخدم جهازه الكمبيوتر – لاب توب – ويبدأ في الانهماك في العمل، لا يشغل باله بأي شيء آخر سوى الكتابة»، يقول محمد نجل الدكتور أحمد خالد توفيق.

«والدي معتاد على القراءة بشكل كبير، تجد الكتب في كل أرجاء المنزل، تجدها على كنبة الصالون، أو في مكتبته الخاصة أو في غرفة النوم، وأحيانا نجدها داخل مطبخ المنزل»، يقول محمد أحمد خالد توفيق.



الكُتاب جميعا تأتيهم لحظات انقطاع عن الكتابة يسمونهم - قفلة – ينقطع حبل أفكاره وتسقط المفردات من ذاكرته، لا يجد ما يمكنه من تدوين ما يدور في خلده، يجلس ساعات وأيام دون أن يخط كلمة واحدة.

«كثيرا ما أصابت والده لحظات الانقطاع عن الكتابة، ينضب حبل أفكاره، تضيع منه خيوط الكتابة، ينسى كيف يخط حروفه على الورق – من التسعينيات لم يكتب العراب على ورق، وبات يستخدم اللاب توب – لا يفعل شيئا، خبرته أهلته للتعامل مع تلك اللحظات، يغلق جهازه الشخصي ويشاهد أحد أفلامه المفضلة»، نجل العراب يتحدث عن لحظات انقطاع والده عن الكتابة.



كان والدي يجلس بالأيام دون أن يكتب كلمة، يجري معنا حوارات ودودة، يذهب ليلتقي أصدقاءه، أو يذهب إلى السينما أو يشاهد عبر جهازه عددا من الأفلام، لم يكن يوما من هؤلاء الذي يدخلون في نوبات اكتئاب لعدم قدرته على الكتابة، خبرة الأعوام الكثيرة التي قضاها يكتب أهلته لمثل تلك الظروف.



الموت غيب واحدا من الأدباء الذي لطالما أثروا الحياة الثقافية لسنوات تلو الآخرى، غاب عنا بجسده لكنه لم يغب عنا بكتاباته ومقولاته التي تحولت إلى أقوال مأثورة.

«وداعا أيها الغريب كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة، عسى أن تجد جنتك التي فتشت عنها كثيرًا، لكل كل شيء ينتهي». أحمد خالد توفيق.
الجريدة الرسمية