رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمود أبو زيد وزير الرى الأسبق : مبارك لم يخطط لتوريث جمال.. والثورة كانت متوقعة

فيتو


  • >> «نظيف» كان الأقل كفاءة بين رؤساء الحكومة وهو السبب في فشل «توشكى»
  • >> لن نحصل على حصتنا كاملة بعد بناء سد النهضة.. ولا بد من مواجهة المناورات الإثيوبية
  • >> أقضي إجازتي بنادي الجزيرة وأواظب على ممارسة الرياضة.. وأستمع لأغاني محمد ثروت والكينج منير

الدكتور محمود أبو زيد، واحد من أهم خبراء الموارد المائية والرى في تاريخ مصر الحديث، تولى حقيبة الرى لما يقرب من 10 سنوات متتالية، تم تكليفه بالوزارة في حكومة الدكتور كمال الجنزوري، واستمر في حكومة عاطف عبيد، حتى خرج في عهد أحمد نظيف لخلافاته معه، حظى بالتمثيل النيابي، مع الوزارة، في وقت واحد.. تعدى الثمانين عاما، فهو يجمع بين الخبرة العريضة والكفاءة المهنية، حصل على درجة الماجستير من أمريكا في وقت قياسى لم يتجاوز 10 أشهر، يرى أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك لم يكن يسعى لتوريث نجله جمال الحكم، لكن هناك من كانت لهم مصلحة في ذلك.. “فيتو” التقته، واستعرضت آراءه في العديد من الملفات المهمة، وناقشت آراءه ومواقفه وذكرياته حول فترات وقضايا خطيرة.. وكان الرجل في أعلى درجات الحرص على الشفافية والصراحة، حتى في الأمور الشخصية.. كما تحدثت معه عن «مبارك» في ذكرى ميلاده التسعين.. وإلى نص الحوار



كان الملف الأول على مائدة الحوار حول الرئيس الأسبق حسنى مبارك تزامنًا مع عيد ميلاده التسعين، فرد «أبو زيد»: بصراحة.. الرئيس السابق مبارك كان يتعامل معنا بكل احترام، ولم تكن هناك أمور تحتاج إلى شكوى منه إطلاقًا، المعاملة مع الوزراء والمسئولين حينها كانت سلسة، وكان يأخذ بتقرير رئيس الوزراء نظرا لكونه ذراعه اليمنى، والتعديلات دائما كانت بناء على تقرير رئيس الوزراء، مضيفا: وتقابلت مع جمال مبارك في عام رحيلى عن الوزارة، حيث حدث خلاف بينى وبين الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء حينها، في بعض المشروعات، فدعانى نظيف لمقابلة جمال مبارك، كانت فترة كبر سن مبارك، فتقابلت مع جمال ونظيف حينها وطرحت عليهما المشروع، وبعدها بعدة أيام خرج القرار بمغادرتى الوزارة، أعتقد أن نظيف قال لمبارك إنى لا أتعاون معه، وكان خلافى مع نظيف سببا في تركى الوزارة.

وعن أداء رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف رد علينا: له إنجازات بالفعل، لكنه في حال المقارنة مع الجنزوري وعاطف عبيد، فالجنزورى رقم واحد، وعاطف عبيد الثانى، ثم نظيف، نظرا لأن نظيف يعد أقل رؤساء الوزراء كفاءة في عهد مبارك والأقل إنجازا أيضا.


الحزب الوطنى
سألناه عن انضمامه للحزب الوطنى الديمقراطى، والطريقة التي دخل من خلالها الحزب، فقال: عندما عُينت وزيرا كان شرطا على كل الوزراء أن يكونوا أعضاء في الحزب الوطنى الديمقراطى فانضممت له، ولم يكن لى نشاط داخله لكن النشاط كله كان في مجلس الشعب، ولم يكن لى احتكاك كبير في الحزب الوطنى، حيث وقعت استمارة العضوية وصدر لى كارنيه بالعضوية، وأضاف: أثناء تولى الوزارة كانت العلاقة عادية مع مبارك كأحد الوزراء، لكنها توطدت عندما بدأنا مشروع توشكى، حيث كنت أنا المحرك الرئيسى للمشروع، فكان كل إنجاز فيه يفتتحه مبارك، وكان حريصًا على افتتاح كل الأعمال هناك، ترعة الشيخ جابر ووضع حجر الأساس، وكنت أقضى معه وقتًا طويلًا نتحدث في المشروع، وكنت أركب معه السيارة وأشرح له الوضع، وكان لديه اهتمام كبير بهذا المشروع، لكن الدكتور نظيف أهمله، ولم يوله الاهتمام الكافي، رغم أنه أحد أكبر المشروعات القومية، حيث كنا قد انتهينا من البنية الأساسية فيه، ولم يتبقَ غير الزراعة، ولم تكن مهمتى بل مهمة وزارة الزراعة والشركات لكنهم أهملوه، وللعلم فهو أحد الأجزاء الرئيسية في مشروع المليون ونصف المليون فدان الحالى، وتابع: كان اهتمام مبارك بالمشروع كبيرًا، وكان يسألنى دائما عنه في فترة الوزارة، وبعدما اتخذ قرار خروجى من الوزارة كان متجهًا للسعودية، فتحدث معى تليفونيا أثناء وصوله مباشرة، وقال لى: “ما تزعلش.. نحن نقدرك تقديرًا كاملًا لعملك في مصر وخارجها في الدول الأفريقية والأجنبية”، وأرى أن الاتصال كان مجرد تطييب للخاطر، وقال لى: “طلبت من نظيف أن يقابلك غدا لتوضيح الأمور وسنكرمك”، وكانت آخر مرة أتحدث مع مبارك فيها، فبعدما عاد سلمنى وسام الجمهورية للطبقة الأولى وانقطعت العلاقات، منذ عام 2007.

العائلة والنشأة
تحدثتُ معه عن طبيعة نشأته في الريف المصرى، فرد الوزير السابق بسعادة، كمن اهتدى إلى ضالته: والدى، اللواء عبد الحليم أبو زيد، تدرج في المناصب، حتى وصل لمنصب محافظ أسيوط ثم البحيرة، ثم انتقل لرئاسة مصلحة الأمن العام، وكنا ننتقل مع والدى من محافظة لأخرى، وبرغم أنى من محافظة الغربية، فإن مرحلة الدراسة قضيتها متنقلًا بين المحافظات المختلفة، فالمرحلة الابتدائية قضيتها في الدقهلية، والحضانة في الأقصر وأسوان، وأخذت الثقافة والتوجيهية من أسيوط، ثم انتقلنا للقاهرة، حيث كان يترأس والدى مصلحة الأمن العام، وأضاف: في كل عام كنا نقضي الإجازة في الريف بقرية نهطاى بمحافظة الغربية حيث النشأة هناك، كنا نقضى شهرين أو ثلاثة وكنا نلتحم مع الفلاحين والمزارعين، ونرتب معهم لقاءات وأنشطة اجتماعية ورياضية، كانت فترة مميزة في حياتى فترة الإجازة.

وعن ترشحه لعضوية مجلس الشعب أثناء وجوده في الوزارة، قال: كان ممكن هذا حينها، عضوية مجلس الشعب مع الوزارة، ولا يحتاج الأمر إلى تفرغ، فكنت وزيرا وعضوا في مجلس الشعب عدة سنوات، ومن قبل أن أتولى الوزارة كنت مرشحا لمجلس الشعب.


المؤهلات الدراسية
وعن مؤهلاته الدراسية، قال: بعدما انتهيت من المرحلة الثانوية، انتقلت إلى كلية الهندسة في جامعة القاهرة، وقضيت الخمس سنوات في القاهرة، وبعدما انتهيت من البكالوريوس عينت معيدا بكلية الهندسة في الجامعة، عام 1957، حتى مارس 1959، ثم سافرت إلى بعثة في أمريكا لدراسة الماجستير، وانتهيت من دراسته في أمريكا في 10 أشهر فقط في كاليفورنيا، وهو ما جعلهم يمدون لى فترة الدكتوراه هناك، وحصلت عليها أيضا في نحو عامين ونصف العام، وعينت أستاذا لمدة عام ونصف العام، حتى انتهت زوجتى من الدكتوراه ثم عدنا للقاهرة.

وتابع: عدت بعد ذلك لمركز البحوث المائية بالقاهرة، لم يكن لدى وزارة الرى مركز للبحوث المائية، ولم يكن هناك باحثون، كنا اثنين فقط في الوزارة حاصلين على الدكتوراه، وعُيِّنت بإحدى الوحدات البحثية ثم انتقلت إلى مكتب وكيل أول الوزارة، وكان في ذهنى أهمية إنشاء مركز بحوث، وبالفعل طرحنا فكرة إنشائه في عهد وزير الرى الأسبق عبد العظيم أبو العطا، وتمكنا من استصدار قرار جمهورى بإنشاء مركز للبحوث المائية، وبعدما عدت من أمريكا كان الهدف العودة للجامعة كأستاذ، وكان هناك إعلان من كلية الهندسة بجامعة عين شمس، وكان هناك تكليف في الماضى لأستاذ الجامعة، وكان من يكلف هو وزير الإسكان نظرا لكونه أقدم الوزراء حينها، ووافق على تكليفى في كلية الهندسة مباشرة، فتسلمت العمل مباشرة بعد عودتى أستاذا في كلية الهندسة بعين شمس، وعينت شهرًا، بعدها تقدم وزير الرى بشكوى قائلا: إن الوزارة تُعلِّم وترسل بعثات ثم يذهب خريجوها لأماكن أخرى، فعدت إلى الوزارة، وكانت صدمة لى، ولم أكن أعرف أي شخص في الوزارة، وكان لى دور في إنشاء المركز القومى للبحوث المائية، وأصبحت أول رئيس للمركز، وعملت على تطويره، وتساوى المركز مع الجامعة وفقا لقرار جمهورى ورئيسه بدرجة وزير، وكنت أول رئيس له عام 1965، ثم خرجت من المركز إلى الوزارة عام 1997.


وزارة الرى
ذكريات تولى الوزارة كانت حاضرة، حيث كشف د. أبو زيد عن الكواليس، وقال: كان الدكتور كمال الجنزورى رئيسًا للوزراء حينها، وهو الذي تواصل معى، كنت أعمل أستاذًا زائرًا بجامعة بارى في إيطاليا، ذهبت في هذا اليوم إلى روما، ومنها لبارى، وصلت يومها في العاشرة مساء، وفى الصباح كنت في مكتب مدير المعهد الذي أدرس فيه، ففوجئت بتليفون من القاهرة، وكانت الرسالة لى بأن أعود إلى القاهرة لمقابلة رئيس الوزراء، فعدت سريعا إلى القاهرة مباشرة، ولم أكن قد أفرغت حقيبتى في إيطاليا، وفى اليوم التالى ذهبت لمجلس الوزراء.. وكانت هناك الدكتورة نادية مكرم عبيد، وكانت تعمل في الأمم المتحدة قبل أن تتولى الوزارة، وكانت مرشحة أيضا لوزارة البيئة حينها، وكانت قلقة للغاية، تتساءل: لماذا طلبونى؟! وعندما خرجت قالت إنه تم تكليفها بوزارة البيئة، وتم التشاور معى حينها، وحلفت اليمين أمام الرئيس مبارك في اليوم التالى مباشرة وزيرًا للري، وللعلم فإن الأسماء كانت تعرض على الرئيس قبل التواصل.


الزوجة والأبناء
الحياة الأسرية كان لها نصيبها الوافر في الحوار، فقال: زوجتى كانت تدرس معى في أمريكا، وحصلت على الماجستير والدكتوراه، ولم ننجب أولادًا حتى عدنا لمصر عام 1962، حيث رزقنى الله بعدها بولدين أحدهما “خالد”، يعمل في مركز البيئة والتنمية للمنطقة العربية وأوروبا (CEDARE)، ومديرته حاليا الدكتورة نادية مكرم عبيد، وهو يعمل مديرا لبرنامج المياه هناك، والابن الأصغر “أحمد” المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية، منذ 3 سنوات، وسقط في الاختبار الأول، ولم يكن هناك أي وساطات منى، أولادى يعتمدون على أنفسهم.

مضيفا زوجتى، رحمها الله، الدكتورة نازك محمد درويش، كانت أستاذة بكلية البنات جامعة عين شمس، وأصبحت وكيلا للكلية حتى خرجت للمعاش، وتوفيت منذ عامين.

انتقلنا لمؤلفاته وإنجازاته البحثية والعلمية، فقال أبو زيد: لديَّ أكثر من 200 بحث و12 كتابًا، منذ أن حصلت على الدكتوراه من أمريكا، لكن هناك إنجازات مهمة أهمها: تطوير الرى على مستوى الحقل لم يكن موجودا في الوزارة قبلى، ومشاركة وزارة الزراعة مع الرى، وإدخال الفرق المشتركة بين الوزارتين، والوزارة تعمل بناء على المبدأ الذي أدخلته.

وحول اهتماماته الفنية، قال: لا شك أن عبد الوهاب وأم كلثوم لهما منزلة خاصة عندي، وأنا صديق لمحمد ثروت ومحمد منير، وفى افتتاحات مشروعات توشكى دائما كان يحضر محمد ثروت ومحمد منير.

وتابع: أيام الإجازة، خاصة الجمعة، أقضيها في نادي الجزيرة طوال اليوم، البداية الرياضة ثم الإفطار، ثم الاجتماع مع الأولاد والأصدقاء والعائلة والمقربين، الآن بخلاف الماضى، أقضى أكثر الوقت مع ابنى خالد، نظرا لأن تخصصه في نفس تخصصى، في المياه.. والحديث كثير، وكل يوم لنا جلسة حول سد النهضة.

سد النهضة
ملف سد النهضة استأثر بنصيب كبير من الحوار، لكن وزير الرى والموارد المائية الأسبق، لم يكن متفائلًا، بل تطرق للحديث، بقوله: الأمور معقدة للغاية، لا يوجد اتفاق على اللجنة الاستشارية والمكتب الاستشارى، كلما تتقدم مصر بمقترح لا توافق عليه إثيوبيا، وتماطل بشكل مستمر.. مشروعات المياه تحتاج إلى وقت طويل ربما عشرات السنين، أمر السد انتهى منذ بدء إنشائه، وأصبح حقيقة على أرض الواقع، وكان من المستحيل أن يوقفوا البناء والإنشاء.

وأضاف أبو زيد: إثيوبيا اختارت حجمًا كبيرًا للسد، وهو لا يتناسب مع هدف توليد الكهرباء، كان من الممكن أن ينشئوا سدا أقل من ذلك بكثير ويولد الكهرباء، من الواضح أنه كان لديهم هدف السيطرة على النيل الأزرق، وأن يكون لديهم مفتاح المياه، وهى نقطة يجب مواجهتها سياسيًّا، لكن الهدف الآن هو التوصل لاتفاق مشترك حول ملء الخزان، وتشغيله فيما بعد، لكن السد موجود فعلًا، الحفاظ على حصتنا كاملة في وجود السد استحالة.. لا بد أن يكون هناك تأثير.. الهدف الآن تقليص هذا الأثر إلى أقل قدر من الخسائر.

الفقر المائى
وعن الظروف المائية المقبلة، قالها صريحة: نعم نعيش مرحلة الفقر المائى، نظرا لأن نصيب الفرد من المياه نحو 650 مترًا مكعبًا في العام، وهو تحت خط الفقر المائى الذي يعادل 1000 متر للفرد في العام؛ فنحن في ضغوط مائية شديدة ومواردنا المائية محدودة وثابتة، وعدد السكان في زيادة كبيرة.. أصبحنا حاليا أكثر من 100 مليون، في الوقت الذي كنا فيه 20 مليونا عام 1959، حينما كانت حصة مصر من المياه 55.5 مليون متر مكعب، وهو ضغط كبير على إدارة الموارد المائية والحل حاليا طبعا أن الوزارة أعدت الخطة المائية لسنة 2037، والمياه الجوفية أيضا لنا فيها استخدام كبير، وسد النهضة ليس نهاية المطاف لكن آثاره سوف تكون سلبية بعض الشيء لكنه لن يقطع المياه عن مصر، والنقص وفقا للدراسات سيكون من 5 إلى 15 مليارًا، وفقًا للسيناريوهات المختلفة.


ثورة يناير
وعن توقعاته حول قيام ثورة يناير، رد سريعا: كان متوقعًا، بالطبع الأمور لم تكن مستقرة.. لكن موعد الثورة وحجمها لم يكونا معلومين، كان من الممكن أن تكون مختلفة، لو تنحى مبارك سريعًا، وأعتقد أنه لم يكن يسعى لتوريث الحكم لجمال، ولم أكن أشعر خلال حديثى معه أنه يؤيد التوريث، صحته لم تكن تساعده في الفترة الأخيرة، وكان هناك من له مصلحة في التوريث، لكننى لم أكن مؤيدا لهذا الأمر.

حكومة نظيف
وعن أداء حكومة نظيف، قال: لا يوجد فشل تمامًا لكن هناك وجهات نظر، فكل حكومة لها سياسة، ومن الممكن أن يكون لدى نظيف اهتمامات في قطاعات معينة، مثل الاتصالات لكونه وزيرًا لها، والقصور في بعض القطاعات الأخرى ناتج عن المشرفين عليها، وليس رئيس عن الحكومة.

حكم السيسي
رد قائلًا: الإنجازات التي تمت خلال الفترة الماضية غير عادية، ولم تحدث من قبل، ولها سمات خاصة من ناحية حجم الإنجاز وكفاءته، والتنوع وأهميتها لمصر ومستقبلها، وهو أمر غير مسبوق، أما بالنسبة للمستقبل فهناك الكثير من المشروعات بدأ يعمل الكثيرون فيه، والمشروعات التي أعلن عنها كبيرة للغاية ومتنوعة، ولها طبيعة خاصة من ناحية مشاركة جميع أجهزة الدولة والقطاع الخاص والعام والشركات، وهناك سمات واضحة من ناحية الشركات الاستثمارية ومشاركة المستثمرين، ولا شك أن ما تم في المرحلة الأولى يشجع المستثمرين على المشاركة، على أساس أن الدولة قادرة على الإنجاز الكبير ومساهمة كل الأجهزة فيه.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية