رئيس التحرير
عصام كامل

وزير «الباور بوينت» يرتدي عباءة طه حسين


خرج علينا مؤخرًا، وليته ما خرج، الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم متوشحًا عباءة طه حسين وعباس محمود العقاد بعد إزالة تماثيل رواد التعليم في مصر رفاعة الطهطاوي، وعلي باشا مبارك، وعميد الأدب العربي، ووضع مكانهم تماثيل لفتاتين حسناوتين أمام مدخل القصر، مدافعًا عن هوية أبنائنا، مؤكدًا أن "مشروعه" نتاج جهد خبراء أجلاء عباقرة من نسل عباقرة، طالما عكفوا على التخطيط بالتنسيق مع دول أجنبية وبتمويل من صندوق النقد الدولي الذي لن يمد يد العون لبرنامج ما لم يضمن نجاحه.


ونحن هنا لا نشكك في النوايا ولا ندعي الفهم أكثر من الخبراء الأجلاء، وإنما نطرح نقاطًا كان على الوزير أن يراعيها قبل أن يخرج على المجتمع بنظرة ربما يراها المتربصون شرًا بالوزير الهمام «استعلاء»، مشيرًا إلى عصمته هو والخبراء وصندوق النقد من جانب ومشككًا فيمن ينتقد النظام القادم حتمًا من السماء.

أول ما نلفت النظر إليه هو التربية البدنية والسلوكيات الصحية التي غابت عن مدارسنا بشكل شبه كامل، وضجر منه التلاميذ وعاناه المعلمون قبل أولياء الأمور، إذ أن تفريغ طاقات الطلاب أمر ضروري في كل المراحل لضمان سلامتهم النفسية والبدنية، ونحن في انتظار رؤية الخبراء في هذا الشأن.

ومن الملاحظ أن الوزير استند إلى تمويل صندوق النقد باعتباره دليلاً دامغًا على روعة التخطيط، وكأن الصندوق ينتظر العائد من تطبيق "نظامه الجديد" كما أنه لن يغمض له عين حتى تكتحل عيناه بتحقيق الهوية وإتقان اللغة العربية لدى أبنائنا المصريين.

ولا بد أن نحذر السيد الوزير رغم خبرته الطويلة في اليونسكو من خدعة "الباور بوينت" أي برنامج العرض التقديمي الذي يستخدم عادة لعرض الأفكار في المحاضرات، فهذا الجهاز أشبه بـ «فانوس سحرى» ذي بريق مبهر من شأنه إقناع المُحاضر والمُستمع بأن الدنيا أصبحت في قبضة أيديهما، وأن "كله تمام" ولكن حذاري من صخرة واقع أليم تتفتت عليها الأوهام.

ومع التسليم الجدلي بعظمة التخطيط، وتعاطف الصندوق وتكاتف الخبراء فلا بد لنا من وقفة مع ما يسمى بـ «إدارة التغيير» التي تفترض ابتداءً تغيير القناعات لدى أطراف المنظومة المستهدف تغييرها قبل بدء التطبيق لبيان عائد التغيير لكل طرف، ولكن سيادة الوزير لم يفعل ذلك رغم دراسته وعمله في دول أجنبية بل اعتمد على عنصر المفاجأة متناسيًا مبدأ مقاومة التغيير الذي يعرفه كل العاملين في مجال الإدارة، ومن جانبنا نخشى أن يكون الخبراء قد أبلغوه بالقاعدة الذهبية في الإدارة وهي من (اعترض انطرد).

وفي ظل اختفاء الدكتور أحمد الجيوشي، نائب الوزير للتعليم الفني من الساحة وعن المشهد دون مبرر لا بد لنا من وقفة مع "التعليم الفني"، الذي يمكن معه أن نسأل الأستاذة حبيبة عز، مستشارة الوزير للتعليم الفني في هذا المجال عن نسبة طلابه إلى طلاب التعليم العام، وكيفية استفادة طلاب التعليم الفني من تطوير التعليم، أم أن صندوق النقد لا يبالي بذلك النوع من التعليم، ولماذا لم يشمله التخطيط في ضوء خطة متكاملة لتوفر احتياجات المجتمع بالكامل من التخصصات المطلوبة فعليًًا بدلا من التسابق إلى كليات محددة ومنها إلى أرصفة الشوارع.

والمقام لا يسمح بتناول تفاصيل أكثر من ذلك إلا أنه لا بد أن يتسع لنصح الوزير بأن فشل منظومة التعليم لا يحتاج فقط إلى تعديل في الوسائل بقدر حاجاته لتغيير الغايات والأهداف وفق رؤية واضحة يؤمن بها المجتمع وتتبناها كل أطراف منظومة التعليم.

وبالمناسبة هل يعلم الوزير الهمام والخبراء الأجلاء حال المقاعد الدراسية المفترض أن أبناءنا سيجلسون عليها أثناء الدراسة بـ "التابلت".

يا أيها الخبراء الأجلاء وعلى رأسهم وزيرنا المفدى: إن الاستثمار في البشر قبل الحجر ولسنا قادرين على تحويل أبنائنا مجددًا لفئران تجارب –أو هكذ تتعامل معهم وزارة التربية والتعليم المتعاقبة- فلنفق للواقع قبل فوات الأوان.

وللحديث بقية...
الجريدة الرسمية