بطل اسمه العقيد «حلمي حسين»
تحتفل مصر سنويًّا بكثير من انتصاراتها على مدار العام كأعياد ثورات 23 يوليو، و25 يناير، و30 يونيو، ونصر أكتوبر، إلا أن كثيرًا من أسماء الأبطال الذين كانوا سببًا في تلك الانتصارات ظلوا جنودًا مجهولين، فلا الكاميرات تسعى إليهم ولا هم من محبي الظهور.
واحد من هؤلاء كان "العقيد حلمي حسين" ابن محافظة أسيوط، صديقي الراحل الذي ظل نموذجًا مشرفًا للعسكرية المصرية، لم يكن الرجل من محبي الظهور الإعلامي، لكن دوره البطولي -شأن كثيرين من أبطال القوات المسلحة- لم يكن عاديًا فقد خاض -رحمه الله- معظم حروب مصر أعوام 1956 و1967 و1973، ووقع ستة أشهر في الأسر، بعد نكسة ظن العدو الصهيوني بها أنه يمكنه كسر الأسرى.
لكن الرجل وقف يقول لقادة جيش الاحتلال بصوت عالٍ: «أنتم تريدون الاجتماع بنا وطالما نحن ضباط فاحترموا الشرف العسكرية العالمية، لن نجلس على الأرض»، واشترط للحوار معهم توفير كراسٍ احتراما لهم، اقترب منه أحدهم يقول له: «أنتم بصفتكم مصريين انهزمتم ولن تقوم لكم قائمة»، فيرد البطل المصري بثبات انفعالي صدم به محاوره بقوله: «ليست هذه آخر المعارك بيننا وبينكم فبيننا مواجهة لا بد منها لهزيمتكم».
اقترب قائد مصري أسير من العقيد حلمي يقول له: «يا حلمي لا داعي للثورة أو التحدث بتلك الطريقة نحن هنا أسرى» فيرد الرجل على قائده بأنه لم يعد يتحمل استفزازهم، ظل العقيد حلمي في إحدى فيلل الجيش الإسرائيلي في يافا تخدمه المجندات وتأتي كبيرة لهن تسأله : ألم تعجبك واحدة منهن، فيرد قائلاً: لدي زوجتي في مصر ملكة جمال".
بعدها أدرك البطل المصري بأن العدو يريد مساومته للحصول على معلومات، ونجح البطل المصري فور عودته مصر بعملية تبادل للأسرى، في إدارة فخ استراتيجي ضد الجيش المعادي بإمداده بمعلومات مضللة بتنسيق مع القيادات في مصر.
قال لي العقيد حلمي -رحمه الله- قبل رحيله إنه قد طُلب منه في مصر فور عودته كتابة كل ما مرَّ به خلال الأسر وظل يكتب قرابة يوم كامل، ينهي تناول فنجان قهوة ليحتسي آخر، إلى أن أحاط قياداته بكل كبيرة وصغيرة تعرض لها خلال الأسر.
لم يكن العقيد حلمي بطلاً محاربًا فقط، بقدر ما كان مثقفًا حكيمًا يحظى بتقدير عائلته وقريته "بني حسين" بمحافظة أسيوط، عاش عاشقًا لقيمة القراءة والمطالعة، صبورًا على المرض، واصلاً لأهله، ناصحًا لطالب النصيحة، رابتًا على كتف مجروح.
إننا بحاجة إلى عملية توثيق شامل لذكريات أبطال أكتوبر مع استعادة انتصارات تلك الحرب المجيدة تزامنًا مع العملية العسكرية الشاملة 2018 لتطهير مصر بشكل كامل من الإرهاب، ولا عجب أن يكون أبطال العملية الشاملة اليوم في سيناء هم أبناء من كانوا أبطال نصر أكتوبر عام 1973، إنني أتخيل أبطال عملية سيناء اليوم يخاطبون شهداء أكتوبر عبر أجهزة اللاسلكي قائلين: أبطال أكتوبر نحن نواصل تطهير أرضنا المقدسة استكمالاً لرسالتكم فناموا قريري العين "حوِّل".. فترد أرواح الشهداء: أبناؤنا نسمعكم بوضوح فسيروا على بركة من الله بنصر وتأييد منه و"لينصرن الله من ينصره".