رئيس التحرير
عصام كامل

«1 كريم الدولة».. مكتب زعيم التجمع «وزارة تضامن» لحل مظالم الغلابة

فيتو

«صباح الخير يا شباب».. يقولها للحاضرين من أعضاء الحزب وأصحاب المظالم، الذين أتوا من كل حدب وصوب، يسير بعدها خطوات هادئة في ممر طويل، قاصدًا مكتبه المتواضع، يرددها ثانيةً بابتسامة لمديرة مكتبه «صباح الخير يا هدى» ليبدأ بعدها يومًا شاقا في الثامنة والنصف صباحًا ينتهي في الثالثة عصرًا، ما لم يكن هناك أمر جلل أو مؤتمر يفتتحه أو حتى ندوة يحضرها كأحد الضيوف.




غرفة صغيرة، داخل العقار الكلاسيكي رقم «١» على ناصية شارع كريم الدولة بوسط القاهرة- أحد مقرات الاتحاد الاشتراكي، فترة الستينيات- اختارها خالد محيي الدين، مؤسس حزب التجمع وآخر أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو ٥٢، مكتبًا متواضعًا له، داخل المكتب أثاث يشبه المكان، وعدد من المقاعد المعدنية المبطنة، وبعض الصور التي جمعت بينه وزعماء العالم.. كتب وإصدارات قديمة لصحف المساء والأهالي والأخبار، يعتبرها أعضاء الحزب، جزءًا ثمينًا من إرث فارسهم النبيل.

تقول هدى حسين، مدير مكتبه لمدة ثلاثين عامًا:" كان يبدأ عمله داخل الحزب في الثامنة والنصف صباح كل يوم، يتصفح الجرائد المحلية وبعض الإصدارات الأجنبية، يطمئن على الجميع، يطلب كوبًا من الشاي، وبعدها يتفرغ لاستقبال أصحاب المظالم من العمال والفلاحين والمهمشين الذين قصدوا مكتبه، مؤمنين بنبله، وأنه الملاذ إذا ضاق بهم الحال وتعثرت الأحوال، لا يكاد الشاكي ينتهي من سرد شكواه، حتى يرفع رئيس الحزب سماعة التليفون على المسئول الرسمي، وبمجرد أن يقول «أنا خالد محيي الدين» هنا يعلم الجميع أن المشكلة قد زالت، وانتهى كل شيء في التو والحال.

«لم يكن أحد منا يجرؤ أن يمنع شاكيا أو متضررا، مهما كان الأمر، فنحن فقط ننظم الدخول إلى المكتب، ولا سيما أن الأمر كان يصل إلى حد أن قاعة المؤتمرات وسلالم الحزب لم يعد فيها موطئ قدم، من زحام الفلاحين والعمال، كنا نشفق عليه كثيرًا فهو عمل مرهق، يظل لساعات يستمع لشكاوى المواطنين، والتي في أغلب الأحيان تتحول إلى ثرثرة وحديث خارج السياق، ولكن يظل هو منتبهًا، مهتمًا ومتضامنًا بكل جوارحه» هكذا تضيف مديرة مكتبه.

تتذكر «هدى» يوم أن اتصل صحفي شاب، على هاتف مكتب خالد محيي الدين، لإجراء حوار صحفي معه، رحب جدًا، إلا أن الصحفي عاود الاتصال في اليوم الثاني، يعتذر عن إجراء الحوار، بعدما التوت إحدى قدميه ووضعت في «الجبس» ولم يعد قادرًا على الحركة، فوجئنا أن «محيي الدين» استأذن الصحفي أن يأتي هو إلى منزله ليجري معه الحوار في محل سكنه، تقول: «وقتها الصحفي جن جنونه، وعاود الاتصال مجددا ليتأكد من حقيقة ما سمعه، وبالفعل ذهب الصاغ إلى منزله، وأتصور أن الصحفي لا يزال لا يصدق ما حدث حتى الآن».

«داخل كل ركن من الحزب كان للصاغ الأحمر حكاية، فرغم أنه القائد والزعيم، لكنه لم يكن يحب الشعارات الرنانة، وكان لديه مبادئ سعى لإرسائها، وأهداف دأب على تحقيقها بكل هدوء وتعقل وبشتى الوسائل الديمقراطية، انطلاقًا من أرضية وطنية خالصة»..هكذا يقول محمد فرج، المتحدث الرسمي للحزب، رغم عباراته القليلة التي قالها  لكنها أصبحت نبراسا يهتدي به أبناؤه داخل وخارج الحزب، فلا يخلو حائط إلا وعلقت عليه مقولة له أو صورة جمعته ومشاهير.

في قاعة اجتماعات الأمانة العامة بالحزب، أكد محمود عبده، مسئول المقر، والذي انضم للحزب في منتصف ثمانينيات القرن الماضي: إنها أولى الغرف التي اتخذها مكتبًا له، قبل أن يتنازل عنها ويتخذ مكانًا آخر أصغر.

هنا يلتقط محمد فرج مرة أخرى أطراف الحديث، ويقول إن هذه الغرفة شهدت اجتماعات وقرارات تاريخية، فهنا وعلى هذا المقعد جلس خالد محيي الدين، يترأس الأمانة المركزية، يوم السبت من كل أسبوع، في تمام الساعة الحادية عشر وحتى الثانية عصرًا، وقد يمتد للثالثة عصرًا، وشهريًا اجتماع الأمانة العامة، يستمع جيدًا دون ملل، يتقبل المشكلات والقضايا ويناقشها بهدوء وبابتسامة وتحليل متعمق وموضوعي، كان آخر من يفصح عن رأيه حتى لا يتأثر به أحد.

يتابع:«ضمت الأمانة المركزية قمما في مختلف المجالات، وانضمت للعمل السياسي، فوقع على عاتقهم تأسيس وإنجاح التجربة الحزبية مع خالد محيي الدين» وهنا يشير «فرج» بيديه ويقول: "عادةً ما كان يجلس الدكتور رفعت السعيد، رئيس الحزب السابق، على يساره ويجلس معه لطفي واكد، ولطفي الخولي، والدكتور سمير فياض، والدكتور فؤاد مرسي، والشيخ مصطفى عاصي، والشيخ خليل عبد الكريم، وغيرهم كثير من مختلف التيارات اليسارية والقومية والناصرية والليبرالية الوطنية والدينية، جميعهم كانوا مقربين من الصاغ، إلا أنه جمعته والدكتور رفعت السعيد، علاقة صداقة مباشرة، ولاسيما أنه كان مديرًا لمكتبه، عندما كان رئيسًًا مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وكذلك مدير مكتب الصاغ عندما كان نائبًا لرئيس مجلس السلام العالمي».

صحفيًا وتحديدًا علاقته بجريدة الأهالي، بعدما ترك رئاسة مجلس إدارتها، والتي يوجد مقرها داخل الحزب، نفى المتحدث الرسمي للحزب ما أشيع من تدخله في السياسة التحريرية للجريدة، مؤكدًا أنه لم يتخل يومًا عن دوره كصحفي، وكان إذا وصلت إليه معلومة يتصل تليفونيًا ويبلغ الخبر كأي صحفي صغير مبتدئ.

لما كان الصاغ الأحمر شخصية موسوعية مطلعة، وصاحب قضية، كان طبيعيًا أن تحتوي مكتبته على مجلدات ودواوين في مشارب عدة، فقرأ في علم الاقتصاد ،وتبحر فيه إلى جانب السياسة، كما قرأ وحلل تجارب الدول في تطبيق قضيتي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، اللتين تبناهما، وعاش مدافعًا عنهما طيلة حياته، أحب الأدب والفلسفة وعلم النفس، يقول فرج: "عشق نجيب محفوظ، لدرجة أن ملحقًا كاملًا في جريدة الأهالي، نشر رواية أولاد حارتنا، الممنوعة من النشر كاملةً ومجانًا، أحب الشعر واستساغه، وكان حريصًا أن تتضمن أغلب فعاليات الحزب فقرة شعرية يحييها سيد حجاب أو عبد الرحمن الأبنودي وغيرهم من شعراء العامية الكبار.

عشق الصاغ المسرح، وتبنى تجربة مسرح الشارع داخل الحزب، الذي تخرجت فيه عبلة كامل والدكتور سيد عبد الكريم، وآخرون ذاع صيتهم فيما بعد، والآن يسعى الحزب أن يحصل على جزء من مكتبة خالد محيي الدين في منزله بعد موافقة أسرته.

كرويًا كان خالد محيي الدين مشجعًا للنادي الأهلي، يتذكر المتحدث الرسمي للحزب، أحد الاجتماعات المسائية المهمة للأمانة المركزية، الذي تزامن مع مباراة للنادي، لم يستطع متابعتها نظرًا لانعقاد الاجتماع وأهميته، ويبدو أن الأجواء داخل قاعة الاجتماع كانت مشتعلة حينها، في هذه الأثناء وفي ظل سخونة المناقشات، دخل العم «يقين» عامل البوفيه، قدم كوب الشاي الخاص برئيس الحزب، واقترب منه قليلا هامسًا في أذنه:« الأهلي جاب جول» هلل خالد محيي الدين وابتسم ابتسامة عريضة وقال:«تقدروا تقولوا اللي عايزينه».

يفتخر أبناء الصاغ بتاريخه كثيرًا، جميعهم يرون قصة زيارة جيفارا، المناضل الأرجنتيني وقائد الثورة الكوبية، إلى مكتب خالد محيي الدين، في منتصف الستينيات قبل إعلان المنابر الثلاثة، عن ظهر قلب، فيقول فرج:«حرص جيفارا أن يزور خالد محيي الدين، في مكتبه أثناء زيارته لمصر، وأفسح له المناضل اللاتيني عن حلمه الأكبر في تحرير أفريقيا، فأجابه الشعوب الأفريقية لن ترحب بالمناضلين أصحاب البشرة البيضاء، وهي النصيحة التي أكدها فيما بعد الرئيس جمال عبد الناصر، وبالفعل حاول «جيفارا» أن يسافر إلى أفريقيا الاستعمارية، ولكنه أصيب هناك بعدوى، وعاد سريعا إلى بوليفيا».

كان ياسر عرفات حريصا في كل مرة يأتي فيها إلى القاهرة، أن يزور خالد محيي الدين داخل الحزب، وكذلك جان بول سارتر، الفيلسوف الفرنسي، وكل زعماء حركات التحرر في أفريقيا، وكثيرون ممن عرفوا قيمة هذا الرجل.

«لايكفي أن يطالب الشعب بما يريد، بل عليه أن يتحرك لتحقيقه»..توقيع خالد محيي الدين «فارس الديمقراطية»





الجريدة الرسمية