بعد صدمات الانتخابات.. لا حكومة قريبا في لبنان
الصدمات التي هزت الانتخابات اللبنانية والأوضاع الدولية غيرت من خريطة مجلس النواب اللبناني، وخلقت وضعا سياسيا معقدا عن ذي قبل بما يعني أن لبنان قد تدخل في فراغ حكومي طويل ما لم يتم حصول تنازلات هذه المرة ليس من قبل سعد الحريري رئيس وزراء لبنان الحالي لكن من قبل حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وحزب الله.
كانت السنة في لبنان من الذين يتمنون أن تفرز الانتخابات من يتصدى لحزب الله والنفوذ الإيراني على موعد مع زلزالين.. الزلزال الأول هو خسارة سعد الحريري لثلث مقاعد كتلته في البرلمان، بل وحصوله على 5 مقاعد فقط من دائرته التي ضمت 11 صوتا.
سعد الحريري حصد 21 مقعدا هذه المرة فيما كانت كتلته تتمتع بـ 33 مقعدا في البرلمان.. الزلزال الثاني هو هزيمة اللواء أشرف ريفي وزير العدل السابق في طرابلس، وريفي هو الصوت المعادي لحزب الله بشكل واضح؛ فالبعض اعتقد أن هناك دعما خارجيا لأشرف ريفي سيجعله يكتسح طرابلس ويأتي به رئيسًا للوزراء، لكن لائحة أشرف ريفي لم تفز بصوت واحد.
مؤيدو حزب الله وحلفائه كانوا على موعد أيضا مع صدمة جاءت كالشوكة في الزور وهي حصول حزب القوات اللبنانية على عدد أكبر من المقاعد هذه المرة، حيث وسعوا من كتلتهم النيابية حتى ضمت 15 نائبًا، بينما تعرض معارضو حزب الله لزلزال آخر هو توسيع الهلال الشيعي (حزب الله وحركة أمل) كتلتهم في البرلمان حاصدين 20 مقعدًا.
هذه الزلازل ستلقي بظلال ثقيلة على شخصية رئيس الوزراء القادم وعلى تشكيل الحكومة نفسها؛ فالمعروف في لبنان أن تشكيل الحكومة يمر بمرحلتين: المرحلة الأولى هي تسمية رئيس الوزراء وهي عادة لا تمثل عقبة وبخاصة مع وجود كتلة كبيرة لتيار المستقبل في السابق برئاسة سعد الحريري، فكان سعد إما يطرح نفسه رئيسًا للوزراء، أو يطرح من يمثله في حالة عدم وجوده في لبنان.. المرحلة الثانية هي مرحلة تشكيل الحكومة وهي غالبا ما تكون عقبة ولقمة تأخذ شهورا وسنوات لهضمها.
هذه المرة، أصبح تسمية رئيس الوزراء من قبل النواب في حد ذاته عقبة؛ فرئيس الحكومة يتم اختياره من خلال استشارات يقوم بها رئيس الجمهورية مع النواب الفائزين، بحيث يستمع لترشيحاتهم.. رئيس وزراء لبنان يجب أن يكون من الطائفة السنية، لكن على جميع النواب باختلاف طوائفهم وتياراتهم ترشيح اسم رئيس الحكومة.. الاسم الأكثر ترشيحا من النواب هو من يتم تسميته لتشكيل الحكومة.
هناك ثمة مؤشرات واضحة على الشد والجذب الذي سيحدث، ففوز حزب الله بكتلة كبيرة سيجعل حلفاءه يلتصقون به بدرجة أكبر بما سيعطي له الحق في أن يفرض اسم رئيس الحكومة، بينما سيسعى سمير جعجع لأمر من اثنين، إما الوقوف في وجه حزب الله والإصرار على تسمية شخص لا يرغبه حزب الله، أو الاستفادة مما حدث سياسيا لاستشراف مستقبل سياسي تسيطر فيه القوات اللبنانية على معظم المقاعد المسيحية في بيروت وهو ما يتطلب التماشي مع رغبة حزب الله حاليًا.
قد يلتزم حزب الله بالاتفاق الذي جاء بميشال عون رئيسا للوزراء وهو "عون- سعد"، ولا سيما أن ذلك يجعل الحزب يضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد.. فتسمية حزب الله لسعد الحريري رئيسا للحكومة المقبلة يعطي رسالة بأن الحزب لا يخلف عهوده، فها هو يسمى من هاجمه وتوعده من السعودية بالقضاء عليه.. العصفور الثاني، هو أن حزب الله لا يسعى لإثارة "سنة بيروت"، العصفور الثالث هو أن سعد الحريري سيكون مدينا لحزب الله – على الأقل إلى حين– وسيقلل من نبرته بل وسيؤكد بيانه الرئاسي على حق المقاومة وربما على شرعية سلاح حزب الله.
القوات اللبنانية والمستقلون من جانبهم قد يرغبون في شخصية أخرى غير سعد الحريري، كنجيب ميقاتي من طرابلس، وربما يرضون بشخصية من كتلة الحريري مثل تمام سلام، فسمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، لن ينسى وقت أن تركه سعد الحريري وحيدا في معركته على رئاسة الجمهورية، فما كان منه إلا أن رد له الصفعة وذهب وتصالح مع عدوه وغريمه ميشال عون ومهد الطريق لرئاسة الجمهورية.
لم يتعود اللبنانيون من السنة على مواقف سياسية جريئة من سعد الحريري فضلا عن إهماله لها، وهو لذلك خسر معركة بيروت، وخسارته في بيروت تعني أنه ليس الأفضل لرئاسة حكومة لبنان، لكن إذا كان هناك من "ناصح أمين" لسعد الحريري، لقال له بالتعبير اللبناني: "أقعد على جنب" هذه المرة، لأنه من الواضح أن سعد الحريري -على رأي المثل الشائع أيضا- "ما بيعرف كوعه من بوعه" وأن قبوله برئاسة الحكومة ستجعله كورقة يحركها الآخرين كما يرغبون.
تغيّر خريطة مقاعد مجلس النواب ستجعل القوات اللبنانية والمستقلين في بيروت يتشبثون بوزارات في الحكومة، وستطالب القوات اللبنانية بوزارات سيادية، وقد تسعى القوات اللبنانية وتيار المستقبل إلى التحالف مجددا بحيث يتم شمل قوى 14 آذار من جديد على أن يكون حزب القوات اللبنانية رأس الحربة في مواجهة حزب الله.
وربما يأتي المدد من خارج لبنان، فعندما يشن دونالد ترامب حربا على إيران، ويتدخل حزب الله لإمطار إسرائيل بالصواريخ، ستقوى شوكة القوات اللبنانية وربما تحدث مشكلات على الأرض ما لم يفوّت حزب الله لأعدائه الفرصة ويترك إيران بمفردها في مواجهة أمريكا وإسرائيل.
وحتى إذا تجاوزنا عقبة تسمية رئيس الحكومة، سيكون على رئيس الوزراء المُكلف مهمة تكاد تكون مستحيلة وهو إرضاء المستقلين إذا أرادوا الاحتفاظ باستقلالهم، اللهم إلا دخل المستقلون أيضا في تحالفات سياسية مع أو ضد رئيس الحكومة.
الأكيد أن كل هذا الشد والجذب سيجعل من "حلم" تشكيل حكومة لبنانية قريبا "دربًا من دروب الخيال"، ورغم أن اللبنانيين تعودوا على ذلك، فإن تأخير تشكيل الحكومة بعد انتخابات برلمانية "نسبية" جديدة يعني أن الحصص الوزارية أهم للنواب الجدد من مصلحة لبنان وسيتلاشى الأمل في لبنان جديد لتسود النغمة التي تقول: إن لبنان دائما "على حطة إيدك" فلبنان قبل الانتخابات مثل لبنان بعد الانتخابات "ما فيها شيء بيبسط يا خي".