رئيس التحرير
عصام كامل

حمدي عرفة خبير الإدارة المحلية: لا توجد خطة قومية لمجابهة الكوارث.. ونحتاج إلى ثورة تشريعات إدارية

فيتو




  • %60 من المناطق بمصر غير مخططة وتعديل تشريعات الجهاز الإداري ضرورة
  • قانون البناء الموحد به ثغرات عديدة تؤدي إلى فساد جميع الأطراف
  • 1112 قرية ونجعًا في 14 محافظة معرضة للسيول سنويًّا
  • ويجب إعادة النظر في قانون التصالح على البناء المخالف

فارقٌ كبيرٌ بينَ أنْ تضع خططًا استباقية لمواجهة شتَّى الأزمات والكوارث، وبين أن تغطَّ في سُباتٍ عميقٍ، وتنتظرَ حتى تحلَّ بك الأزمات والكوارث، ثم تفكر كيف تتصرفُ. في أوروبا والدول المتقدمة يضعون الخطط الاستباقية والسيناريوهات الأصعب للتعامل مع "أسوأ الافتراضات"، اليابان التي لا دين لها تفعل ذلك وتنجح فيه باستمرار، فمهما تكنْ الكارثة يسهلْ التحكم فيها والسيطرة عليها. أما في مصر، فكارثة السيول الأخيرة جاءت شاهدة على حالة مُعقدة من الفساد الإدارى والأخلاقى، تنبئ بأنَّ السيناريو الأسوأ لم يأت بعد. أزمة السيول ليستْ الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها حوادثُ كارثية، مثل: حوادث الطرق التي لا تزال مصر تحقق الصدارة فيها عالميا، وحوادث القطارات، والحرائق الكبرى. وحريق مصنع كوم أمبو بأسوان الذي استغرق 12 ساعة كاملة قبل أن يضع أوزاره، كاشفٌ لما آلت إليه أحوالنا. القاصى والدانى ومن بينهما يُجمعون على أنَّ الأمور تمضى في مصر، مهما علت نبرة التصريحات التطمينية، خبطَ عشواءَ، فلا تخطيطَ ولا إدارة. الفسادُ كامنٌ في جميع مفاصل الوطن، يأبى أن يغادرها، صارتْ بين الطرفين ألفة سرعان ما تحولتْ إلى عشق. الأقاليمُ والمناطقُ الريفية أشدُّ بؤسًا من القاهرة وضواحيها. المعلوماتُ والأرقامُ التي كشفها لنا خبراءُ المحليات وإدارة الأزمات مأساوية وذاتُ دلالاتٍ شديدة الصعوبة، وتؤكد أن عورةَ الحكومة قد تنكشف مجددُا مع أي طارئ. التخطيطُ غائبٌ ويأبى الحضورَ، المسئولية تائهة بين أطراف عديدة، حتى لا تكونَ هناك مسئولية، المسئولية غالبًا لا يتحملها إلا صغار الموظفين الذين لا يملكون من أمرهم شيئاَ، كما يتمُّ في حوادث القطارات. لجانُ مواجهة الأزمات والكوارث في برِّ مصر ما أكثرها، ولكن بلا جدوى، مجردُ كياناتٍ وهميةٍ ضاغطةٍ على ميزانية الدولة دون أداء يُشكرُ ولا إنتاج يُحمدُ. الأسئلة التي نحاول الإجابة عنها في هذا الملف متنوعة منها: لماذا تعانق الحكومات المصرية المتعاقبة الفشل مع كل أزمة؟ ولماذا تبدو ضعيفة دائما وأضعف من بيت العنكبوت؟ متى نكون قادرين على مواجهة الكوارث والتعاطى معها على الطريقة الأوروبية والغربية؟ متى يتم محاسبة المسؤلين الحقيقيين عن أي قصور ولا يتم تحميله للصغار؟ متى نتخلص من الفساد المتغلغل والمرابط في كل مصلحة حكومية؟ هذه الأسئلة وغيرها نبحث عن إجاباتها في السطور التالية..

الدكتور حمدي عرفة، خبير الإدارة المحلية واستشاري تطوير المناطق العشوائية، يكشف عن الأسباب الحقيقية لتكرار أزمة السيول كل عام تقريبًا، بصور متشابهة.

ويرى، في الحوار الذي أجرته معه "فيتو"، أن معظم المحافظين يعملون أشبه ما يكون بالجزر المنعزلة، مشيرًا إلى عدم وجود خطة على المستوى القومي للتعامل مع السيول.

ويؤكد عرفة أن المسئولين بالمحافظات هم المسئولون عن أغلب الأزمات التي تقع لسوء إدارتهم، منوها إلى الفشل الحكومي في التعامل مع الأزمات والطوارئ لافتقاد الرؤية السليمة والتخطيط الواعي فضلا عن الفساد المتراكم، وإلى تفاصيل الحوار:

• في البداية.. ما تقييمك لأداء بعض المحافظين في إدارة أزمة السيول؟
- بصراحة، أشعر باستياء شديد بسبب الإدارة الهزيلة للأغلبية العظمى من المحافظين وقيادات الإدارة المحلية ووزارة الري تجاه ملف السيول، وعدم قدره الغالبية العظمى من المحافظين على إدارة الأقاليم وعدم فهمهم لملفات المحليات ومنها السيول.. خاصة أن معظم الوزراء والمحافظين يعملون في جزر منعزلة، ولا يوجد تنسيق بينهم بشكل كافٍ، حيث إن متوسط حجم الأمطار الساقطة في كل محافظة يصل إلى ٤ ملايين و٦٠٠ ألف متر مكعب، وهي كافية لزراعة ٧٠٠ ألف فدان في كل مرة، حيث إنها نعمة، ولكن بإهمال المسئولين تتحول الأمطار إلى نقمة، وفضحت أمطار السماء الحكومة والإدارات المحلية التابعة لها، وكشفت عن انعدام الإدارة وعدم فاعلية الأداء، كما اقتصرت خطه الحكومة وما يتبعها من محافظين على الجولات الميدانية لموقع الحادث لمجرد "الشو الإعلامي"، وانتقال سيارات الإسعاف، أي لا توجد إدارة حقيقية للأزمات، فضلا عن أنه يوجد مخرات طبيعية للسيول وصناعية، وعدد المخرات الصناعية هزيل ولا يتعدى ٢٦ مخرا في كل محافظة، وهناك ٣٤ طريقا تم إنشاؤها منذ عقود كان يجب التنسيق مع وزارة الري لصيانتها دوريا.

• ترى ما السبب في تكرار الأزمات الناتجة عن السيول؟ وكيف يمكن حلها؟
- لا توجد خطة قومية للتعامل مع ملف السيول حتى اللحظة، والإدارة في هذا الصدد تتم بطريقة عشوائية، حيث إن هناك ١٢٦ محطة أرصاد كان يمكن الاستفادة منها مع إدارات الأزمات التابعة لمركز دعم واتخاذ القرار، حيث وصل ارتفاع منسوب المياه في السيول على الطرق من ٣ إلى ٥ أمتار، ووصل عرضها إلى ما يتراوح بين٣٠٠ و٥٠٠ متر على الأقل، حيث يوجد ٦٩٢ مخرا للسيول، وهذا غير كافٍ نهائيا في ٢٧ محافظة، ومتوسط المبلغ المخصص لكل محافظة لمواجهة السيول هزيل ولا يتجاوز ٥٠٠ ألف جنيه فقط، في حين أن كل محافظة تحتاج إلى ٤٠٠ مليون جنيه على الأقل لتطهير وصيانة وإنشاء عدد من المخدرات السنوية، حيث يوجد ما يقرب من ١١١٢ كفرا ونجعا وعزبة وقرية مهددة بالسيول خلال فصل الشتاء، حيث تصل تكلفة سد الإعاقة إلى ٢ مليون جنيه، وكل خزان يحتاج إنشاؤه إلى ٢٥٠ ألف جنيه، وتصل تكلفة السد العادي إلى مليون جنيه، مع العلم أنه لا توجد معدات كافية لشفط المياه في المحليات، حيث يصل عدد المعدات إلى سيارة واحدة فقط في كل وحدة محلية قروية.
ويجب إقالة المحافظين المعنيين لأنهم مسئولون عن الأضرار التي لحقت بالمواطنين مؤخرا، ولعدم استعدادهم الاستعداد الكافي للتعامل مع الأزمة، مع العلم بأن هناك ١٤ محافظة معرضة للسيول سنويا، وهي شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر وسوهاج وأسيوط وقنا وأسوان والمنيا وبني سويف والفيوم والسويس والإسماعيلية والقاهرة والأقصر.

• كيف يمكن مكافحة الفساد الإداري؟
- لا بد من تعديل التشريعات الخاصة بالجهاز الإداري للدولة والتي تصل حسب الإحصائيات الرسمية الصادرة من الحكومة إلى 12707 ما بين قانون ولائحة وقرار، واستنادا لذلك لا توجد دولة في العالم بها هذا الكم من التشريعات المتضاربة، كما أن لائحة قانون الخدمة المدنية لا تحقق العدالة من حيث الأجور والمميزات التأمينية والترفيهية بين العديد من الوزارات، حيث أقرها مجلس الوزراء مؤخرا، حيث تهم اللائحة ٧ ملايين موظف يعملون في ٣٤ وزارة و٢٧ محافظة، منهم ٤ ملايين يعملون في المحليات، عانوا أشد المعاناة خلال العقود السابقة من سوء الأجور ومهازل التأمين الصحي وسوء وتدني المعاشات، كما أغفلت اللائحة التطرق إلى أو شرح أو توضيح مواد مهمة جدا في قانون الخدمة المدنية رقم ٨١ لعام ٢٠١٦، علاوة على أنه لم يتم طرح اللائحة للحوار المجتمعي للنقابات أو الوزارات المختلفة، ولم يتم استطلاع رأي الموظفين أو الأحزاب السياسية بشكل كافٍ، فضلا عن أن الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه لم يطبق حتى الآن، في حين أن العامل يحتاج إلى حد أدنى يصل إلى 3000 جنيه شهريا على الأقل.

• ترى من المسئول عن ذلك الفساد؛ المحافظون أم رؤساء الأحياء؟
- سوء إدارة الأغلبية العظمى من قيادات الإدارة المحلية، بداية من المحافظين مرورا بسكرتيري العموم، وصولا إلى رؤساء الأحياء والمراكز والمدن، فيما يتعلق بملف البناء المخالف الذي أثر بصورة واضحة على زيادة المباني المخالفة وانهيار العقارات وارتفاع الأدوار المخالفة بالعقارات. 

كما أنه لا توجد أي رؤية واضحة ومحددة من قبل الأغلبية العظمى من قيادات الإدارات المحلية في ٢٧ محافظة تجاه ملف البناء والعشوائيات، وهم متهمون بعدم وجود إستراتيجيات أو حلول جذرية تجاه هذا الملف، ويتحملون المسئولية عن زيادة العقارات المخالفة بطريقة غير مباشرة.

• هل هناك إستراتيجيات تنفيذية لتطوير عمل الإدارات المحلية؟
- بالفعل، لا بد من تعديل قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 البيروقراطي، والذي يزيد من ظاهرة العقارات المخالفة بطريقة غير مباشرة، فضلا عن أن القانون يؤدي إلى تدهور التخطيط العمراني في البلاد، وهو ما لم يتم تعديله حتى الآن لأسباب غير مفهومة وغير معلنة، ولا بد من إعادة هيكلة جهاز التفتيش على البناء التابع لوزارة الإسكان، ويوجد به حاليا 43 موظفا، وتوصياته غير ملزمة، وموظفوه لم يتم منح صفة الضبطية القضائية لهم، فضلا عن عدم فعاليته تجاه مخالفات البناء التي وصلت إلى ٢ مليون و١٨٤ ألف مخالفة في 27 محافظة بعد ثورة يناير فقط، ما يجعله جهازًا للاستهلاك المحلي، ومجرد صورة أمام المواطنين، فضلا عن أن عدد العقارات المخالفة وصل حتى الآن إلى ٧ ملايين و٣٨٠ ألف عقار مخالف، ومطلوب من المحافظين الجدد والقدامى تطهير الأحياء والمدن والمراكز والوحدات القروية من الفاسدين في الإدارات الهندسية وإلغاء ندب الحاصلين على المؤهلات المتوسطة كمرحلة مؤقتة إلى حين نقل الإدارات الهندسية إلى وزارة الإسكان.

• كم تبلغ نسبة المناطق غير المخططة في مصر؟
- نحو 60%، ويجب إعادة النظر في قانون التصالح على البناء المخالف الذي تم تقديمه مؤخرًا؛ لأنه أقصى وزارة التنمية المحلية ووزارة التطوير الحضري والعشوائيات وقطاعات التخطيط العمراني في 27 محافظة لأسباب غير مفهومة وغير معلنة؛ حيث إنه بسبب هذا القانون غير المحكم جعل كل من أوقف بناءه المخالف يسرع استئنافه نظرا لأنه يتم السماح بالصلح بدون ضوابط محكمة نهائيا، ما يزيد البناء المخالف أيضا من جديد، وبهذا يزيد التعدي على أراضي الدولة بشكل مخيف.

كما أن قانون البناء الموحد به ثغرات عديدة تؤدي إلى وجود فساد من جميع الأطراف، سواء من بعض العاملين في الإدارات الهندسية بالوحدات المحلية المختلفة من جانب، أو من بعض المواطنين الذين يعجزون على الحصول على تراخيص البناء نظرا لصعوبة الإجراءات من جانب آخر، والحل يكمن في تعديل قانون البناء الموحد.
الجريدة الرسمية