على مكتب وزير الرقابة
ثلاثة ملفات أراها على النحو الأكثر إلحاحًا ويجب أن تطرح نفسها على مكتب اللواء محمد عرفان المسئول الأول عن جهاز الرقابة الإدارية، أولها ملف قرارات لجنة فض المنازعات الاستثمارية التي تعطلها آلة الفساد الغبية بالمحافظات، وأذكر منها أمثلة صارخة أولها فساد محافظة القاهرة في ملف جراج البستان، كأكبر شاهد على عمق دولة الفساد، حيث حصلت إحدى الشركات على حق إدارة المول منذ أكثر من عامين، ولم تتسلمه حتى تاريخه لصالح بعض البلطجية.
قضية المول تضيع على الدولة لصالح البلطجية أكثر من مائتي ألف جنيه يوميًا، رغم صدور قرار لجنة فض المنازعات الاستثمارية التي ألزمت المحافظ بتسليم الجراج والمول إلى الشركة التي يستثمر فيها عرب ومصريون شقى عمرهم، الملف يكشف بوضوح كيف يصبح للفساد رجال أقوى من القانون، وأكبر من تصورات البعض حول إمكانية إيقافه عند حدوده.
المثال الثاني ما تناولته الأسبوع الماضي حول قضية جامعة الدلتا التي حصلت على قرار بتسليمها الأرض من لجنة فض المنازعات، وهو القرار الذي تظلمت منه محافظة الدقهلية، فصدرت توصية برفض التظلم، وتسليم الأرض للجامعة وفق السعر الذي حددته اللجان النوعية في هذا الأمر، المستثمرون في الجامعة لا يزالون أسرى الفساد المستشرى في محافظة الدقهلية والمعنون ببنط عريض تحت شعار حقوق الدولة!!
الملف الثاني الذي أرى في طرحه على سيادة الوزير إنصافا لأكثر من ٧١٢ صحفيًا وإعلاميًا وأسرهم وغيرهم، هو قضية أرض الإعلاميين بطريق الواحات، والتي أطلق عليها بخبث أرض "توفيق عكاشة" وهو مجرد عضو شاءت ظروف المجموعة أن يكون رئيسًا لهذه الجمعية، وكان منه ما كان فعوقب الجميع بما فعل عكاشة، وسدت أمامهم الدنيا ولم يعد لهم نصير إلا عقل متفتح، وإرادة حقيقية في إنصافهم ومنحهم ما يستحقون.
نظرة واحدة في ملف الإعلاميين سيتضح منها أنهم ذهبوا إلى أرض لم يكن يتصور أي منهم أن تصبح بهذه الأهمية، كانت قاحلة بعيدة عن العمران منذ عشرين سنة، ذهبوا إلى هناك بقرار من الدولة، مهدوا الأرض، شقوا الطرق، أنشأوا منطقة خدمات، حفروا آبارا وحللوا المياه فاتضح أن ملوحتها قاسية مثل الموقع، خاطبوا وزارة الإسكان لمنحهم مثل جيرانهم نصيبا من المياه المعالجة بمحطة أبو رواش دون جدوى.
أكثر من عشر مخاطبات مع جهات الولاية التي تعددت مطالبين بدفع مستحقات الدولة دون جدوى، لديهم موافقات من وزارة الدفاع، وهيئة الآثار، ووزارة البترول، عشرون عامًا بين دهاليز الحكومة، وضعهم مثل وضع أرض الرقابة الإدارية في نفس الموقع، غير أن الرقابة الإدارية كان حظها أن تعاملت مع وزارة لا تعرف الفساد ولا التردد، وزارة تحكمها إرادة النزاهة والشرف والأمانة، فحصلوا على حقوقهم أما الإعلاميون فهم مهددون فيما حلموا به منذ عشرين سنة.
عشر دقائق من وقت وزير الرقابة يمكنها إنصاف أكثر من ٧١٢ أسرة، عشر دقائق يفرز فيها الملف دون تدخل من أحد، يرى بنفسه كيف اشترطت وزارة الدفاع عدم تغيير الكيانات القائمة، ومن بينها كيان الإعلاميين الشبان، عشر دقائق هي العمر الحقيقي بين حق يناضل من أجله هؤلاء، وباطل حاول البعض تصديره لأولى الأمر.
الملف الثالث الذي أراه كارثة ترتبط بالضمير المعماري، هو قضية معادي السرايات، فعندما اطلعت على إحدى صفحات "فيس بوك" التي نشرت صورة بالحجم الكبير لسيادة الرئيس على بناء شامخ، وضعت أساساته وسط أشجار عتيقة، الصورة تأييد لسيادة الرئيس، استخدمها صاحب البناء باعتبارها سياجا من الحماية ضد كل مسئول تسول له نفسه أن يناقش كيف تهدم الفيلات وتزرع مكانها بنايات شاهقة.
زرت الموقع وليتني ما زرته، عدد كبير من الفيلات يتم هدمه، ويستغل يوم الجمعة في البناء، ضاحية سرايات المعادي تشهد جريمة أبطالها معروفون بالأسماء، رجال أعمال ومقاولون كبار ينهشون الجمال الناعس والرئة الوحيدة الباقية في القاهرة، زيارة واحدة يا سيادة الوزير سترى فيها حجم التآمر على واحدة من الضواحي، التي لم تستطع مافيا الفساد أيام مبارك أن تصل إليها، زيارة واحدة ستعيد المعادي مرة أخرى إلى دائرة الحماية.