اللواء فؤاد علام: حضرت الاجتماع التنسيقي لاعتقالات سبتمبر.. وحذرت من خطورتها على السادات ومصر
- >> ثورة 25 يناير سبقتها بعامين إرهاصات واضحة وأرفض الرأي القائل إنها كانت إخوانية بامتياز
- >> القضاء على "الإخوان" أفضل من "المراجعات"
- >> أحداث الأمن المركزى محطة النهاية لأحمد رشدي وأطيح به من «الداخلية»
- >> ثورة 30 يونيو أعظم الإنجازات في تاريخ الشعب المصري
- >> نجاحى في إحدى قضايا التجسس المهمة لحساب مخابرات حلف الأطلنطي نقلنى من السويس للقاهرة
- >> والدى ضابط الشرطة حذرنى في طفولتى من "الإخوان"
- >> الإخوان رأس التنظيمات التكفيرية
- >> ألقيت القبض على فريد عبد الخالق عضو مكتب الإرشاد الأسبق وسلمته لمعتقل القلعة
يحمل اللواء فؤاد علام، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، والوكيل الأسبق لمباحث أمن الدولة، جينات مقاتل لا يهدأ، حياته تبدو معركة ممتدة حتى النهاية مع التطرف، على أرض بلا أسقف، ولا حواجز.. يختلف «علام» عن غيره، في تعامله مع قضايا الإرهاب بحس المثقف والأديب، والعالم المتمكن من أدواته؛ فكل كلمة يقولها، يدعمها بأسانيد وأدلة من التاريخ والواقع، الأمر الذي يجعل من قصة الرجل، حكاية مُشبعة بالدراما، الوقوف عند أدق تفاصيلها «فرض عين»، حسبما رواها لـ«فيتو».
النشأة
يحكي اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، ومدير أمن بورسعيد الأسبق، وعضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب حاليا، عن مسقط رأسه، قرية «ميت خاقان» بمحافظة المنوفية، بكثير من الحب والامتنان، فالقرية التي ولد فيها في 1/10/ عام 1935، كانت صاحبة التأثير الأكبر عليه؛ هناك بدأ يفهم معنى «الإخوان» التي أصبح شريكًا مهمًا في تاريخها، وفيها تشكل وعيه عن التنظيم وخفاياه.
كانت المرة الأولى التي عرف فيها «علام» الإخوان عن قرب، عام 1946، خلال زيارة مع والده ضابط الشرطة لبلدتهم الصغيرة، والذي حذره وقتها من الاقتراب منها، بعدما لاحظ بحسه الأمني، تأثر ابنه بقربه من بعض أبناء الجماعة، فطالبه بالابتعاد عنهم، ولم يكن يعرف وقتها الطفل الصغير، أن التاريخ سيكتب له فصلًا كبيرًا مع الإخوان، يدونه بتوقيعه، ويصبح شاهدًا عليه.
الحياة العملية
التحق فؤاد علام بكلية الشرطة عام 1952، وتخرج بعد نحو خمسة أعوام، وكان ضمن الدفعة الأولى، التي حصلت على ليسانس الحقوق إلى جانب دبلوم كلية الشرطة.
يسترجع اللواء، وهو يعود بذاكرته أولويات تلك المرحلة، ويحكي بدايات عمله، بعد تخرجه في مديرية أمن السويس؛ هناك كان التعيين الأول، ولم يمكث إلا عامين فقط، أحدهما قضاه في الشرطة العادية، ثم نقل إلى المباحث العامة بنفس المحافظة، وشهدت بدايات نبوغه المهني، بعدما اشترك في إحدى قضايا التجسس المهمة؛ كانت شبكة من اليونانيين، الذين يعملون لحساب مخابرات حلف الأطلنطي، وكان ضمن المتهمين في القضية نائب القنصل اليوناني في السويس.
نجاح علام في القضية، جعله ينتقل إلى مقر المباحث الجنائية بالقاهرة، وهناك كانت أول علاقة مباشرة بالإخوان، عندما تم تكليفه بالقبض على فريد عبد الخالق، عضو الهيئة التأسيسية للجماعة، وعضو مكتب الإرشاد الأسبق، ونجح في مهمته وسلمه لمعتقل القلعة.
خلال عهد عبد الناصر توهج اللواء فؤاد علام، وظهرت مواهبه في الحوار، والحصول على المعلومات بطريقة مهنية غير مسبوقة، لدرجة أنه طُلب منه تسليم نفسه في يوليو عام 1965 إلى معتقل القلعة، لتنفيذ مهمة سرية، وهي مناقشة معتقلي الإخوان، والكشف عن أنشطتهم، وتنظيماتهم السرية، وضبط من لم يتم ضبطه من الهاربين.
يحكي «علام» لـ«فيتو»، ويتذكر المفارقات المثيرة والطريفة التي خلفتها تلك الحقبة، منها أن الزنزانة التي اختارها، للبدء في حوار مع الإخوان، كانت هي نفسها التي حبُس فيها شمس بدران، وشعراوي جمعة، وعصام خليل، رئيس سلاح الطيران الأسبق- فيما بعد- لمع نجم الضابط الشاب، وذاع صيته في جهاز المباحث، بأسلوبه الفريد، واستمر متخصصًا في الملف الإخواني من هذا التاريخ ولمدة 25 عامًا.
يحتفظ وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، بأرشيف قوي في ذاكرته، لمحاولة اغتيال عبد الناصر، في حادث المنشية، كان الحدث الأكبر، الذي قلب الطاولة على الجماعة، يقول «علام»: خطة الإخوان كانت تركز على إخراج شُعب الجماعة من المساجد الرئيسية، بهتافات وأعلام تستحضر العاطفة الدينية، لشحن المصريين على إشعال ثورة شعبية، في سبيل إنجاح مخططها الرامي إلى الوصول للحكم، وفشل المخطط بالطبع.
كان علام شاهدًا على أحداث كثيرة في تلك الفترة، أهمها مهمة اقتياد سيد قطب، لتنفيذ حكم الإعدام فيه، حيث كانت يده اليمنى مقيدة في يد القيادي الإخواني التاريخي اليسرى بالسلاسل الحديدية؛ تفحص وجه قطب.. يتذكر تلك اللحظة جيدًا، وهو يرتشف من القهوة قائلا: كان يرتدي بدلة داكنة اللون، ولم تكن بحوزته بدلة الإعدام بعد.
لم تظهر على وجه سيد قطب أي علامات للإرهاق، أو التعب، فقط كانت جملة واحدة يرددها: "للأسف لم ينجحوا في تنفيذ عملية نسف القناطر الخيرية، وكانت هذه هي النهاية"، يقول علام عن المشهد المسجل في تاريخه عن علاقته بسيد قطب.
من سيد قطب للمراجعات، استمر فؤاد علام فاعلًا في تاريخ التنظيمات الدينية خلال مرحلة الستينيات، وهو بذلك يصحح معلومة تاريخية عن المراجعات، التي لا يعرف الكثيرون عنها، إلا تلك التي جرت في التسعينيات للجماعة الإسلامية، والأخيرة هذه يراها الخبير الأمني، نتاج بحث طويل في تاريخ الإسلاميين، والإخوان على سبيل التحديد.
يقول «علام» إنه حاول من خلال المراجعات التي بدأت في ذلك التوقيت، تصحيح مفاهيم أعضاء الجماعة، وإعادة إدماجهم في المجتمع مرة أخرى، وإقناعهم بخطأ معتقداتهم، التي كانوا يدعون إليها منذ الستينيات، ونجح في مهمته حتى بدايات عصر السادات.. وهنا كان للقضية أبعاد أخرى.
عصر السادات
يتذكر عضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب هذه الأيام، التي تعود لما يقرب من نصف قرن، وتحديدا ما قبل اغتيال الرئيس السادات بعام واحد فقط؛ وقتها حدث خلاف، وتصاعد تدريجيا بينه والنبوي إسماعيل، وزير الداخلية آنذاك، وعلى إثر ذلك، جُمِّد نشاطه، وأُسند ملف الجماعة لضابط آخر.
ظل اللواء علام بعيدا عن الملف الذي تخصص فيه، حتى 28 أغسطس 1981، وهو التاريخ الذي سبق اعتقالات سبتمبر الشهيرة بأسبوع واحد فقط؛ وقتها جاءه اتصال من الوزارة، لحضور اجتماع مع «النبوي».
يرفض علام، مصطلح الصراع مع النبوي إسماعيل، الذي يتداول في بعض الإعلام دون سند؛ هو يرى أنه كان يمتلك وجهة نظر مدعومة بأدلة وقرائن، وتختلف مع رؤية وزير الداخلية في بعض القضايا الأمنية وأساليب معالجتها، ويدعم رفضه لفكرة الصراع، برفض النبوي إسماعيل، نقل «علام» من جهاز أمن الدولة.
حضر عضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب الحالي، الاجتماع المصيري، وكان مخصصا لطرح قرار التحفظ على القوى السياسية، ووصلت الأسماء المطلوبة إلى نحو 4 آلاف شخص، من مختلف التيارات في مصر.
يحكي علام بنبرة تشرح حقيقة شعوره وقتها: «فضلت الصمت، لكن الوزير أصر على سماع رأيي»، هنا لم يجد مفرًا من الحديث، فقال دون تردد: "المقترح خطر سياسيًا وأمنيًا بالدرجة الأولى، وقد يواجه برد فعل خطير، ضد أجهزة الدولة ورئيس الجمهورية ذاته".
كان عضو المجلس الوطني لمكافحة الإرهاب يعرف مخططات تنظيم الإخوان لإحراق مصر، وتفجير القناطر الخيرية لإغراق الدلتا بأكملها، كانت تلك المؤامرات حاضرة أمام عينيه، ولكن لم يستمع أحد لرؤيته، بل إنه عقب الاجتماع، انقطعت صلته مرة أخرى بالأحداث، ولم يعد إلا بعد اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر 1981، وحتى في عودته لم يتولَ الملف أيضا.
حقبة مبارك
ظل «علام» يعمل بشرطة السياحة، طوال حقبة اللواء أحمد رشدي، وزير الداخلية، في عهد الرئيس مبارك، وكان أول قائد في الداخلية داخل هذا القطاع، يتلقى بلاغًا تضمن معلومات عن اندلاع أحداث الأمن المركزي، وقيام القوات بأعمال شغب بالشارع؛ كان الاتصال من الضابط المكلف بتأمين فندق مينا هاوس بالهرم، لتوضيح الموقف على الأرض، وحقيقة تجمهر عساكر الأمن المركزي في الشارع، وتحطيمهم المحال والفنادق، واستيلائهم على محتوياتها.
دور تردد، اتصل مدير شرطة السياحة وقتها، باللواء أحمد رشدي وزير الداخلية، وأعلمه بالواقعة، لكن «رشدي» وبجرأته المعروفة، قرر النزول إلى محيط الأحداث بما يحقق ردعا للجنود، وتراجعهم عن أحداث الشغب، إلا أنهم اعتدوا عليه وأصيب، وقُتِلَ سائقه، وفي النهاية كانت تلك الأحداث محطة النهاية لرشدي، وأطيح به من «الداخلية».
عاد «علام» لجهاز أمن الدولة، وبدأ حقبة جديدة من مراقبة تنظيم الإخوان؛ فالرجل التاريخي للجهاز يرى أن الجماعة دائما وبناء على قراءة فكرية وثقافية، إضافة إلى معلومات دقيقة لا تتوفر للكثيرين، هي العمود الفقري للإرهاب في مصر، لذا كان أول من قال عنها «الجماعة الإرهابية»، وليس فقط المحظورة، كما كان يطلق عليها أيام مبارك.
كان يعلم أكثر من غيره، أن عباءة الإخوان الفضفاضة، وراء شيوع وانتشار التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، لذا كان وما زال مؤمنا بأن التعامل مع الإرهاب، من منطلقات أمنية فقط، أمر أثبت فشله على مدى 45 عامًا.
رؤية وكيل أمن الدولة الأسبق، حول الأساليب المنطقية والعملية في التعامل مع الإخوان ومواليهم، والتنظيمات الإرهابية عامة، كانت شبه واحدة سواء ما قبل ثورة 25 يناير، أو ما بعدها، كان دائما يحذر من خطورة الإخوان والإسلاميين على الأمن القومي المصري والعربي، وكان أول من تنبأ بأن بقاءها في حكم مصر، سيؤدي إلى أزمات وصراعات سياسية، قد تسبب حربًا أهلية، بسبب منهج الإخوان الذي يرتكز على ترسيخ حالة الاستقطاب الحادة دائما، لإقصاء الآخر، والحصول على مزيد من المكاسب.
المراجعات
حديث اللواء علام، يجعلك تستشعر رجلا يعرف معنى دقة الكلمات وتأثيرها، لذا دائما ما يتحدث عن ضرورة مواجهة الإرهاب بأسلوب علمي، فيقول: لجأنا إلى هذه الطريقة في التعامل مع الإخوان وأعوانها، ودشنا 6 محاور لخوض المواجهة، بالترتيب هي المحور الفكري، والاقتصادي، والسياسي، والإعلامي، والديني، ويأتي الحل الأمني دائما في النهاية.
يتذكر عضو المجلس القومى لمكافحة الإرهاب، نتائج هذه المواجهات الشاملة، ويرى أنها قلصت بشدة تأثيرات الإرهاب، حتى قضت عليه عام 1997، بعدما حصدوا ثمرة هذه الطريقة، الأسلوب بما عرف باسم «المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية».
كانت المعالجات الفكرية، منهج علام حتى في دراسة حالات أخطر منظري التكفير والهجرة، القيادي حسن الزيني، الذي جلب لها علماء من الأزهر، بعد القبض عليه، ولمدة تقارب الشهر، خضع لنقاشات وقراءات، وكان وكيل أمن الدولة الأسبق، متعاونا لدرجة أنه أحضر له الكتب التي طلبها، وبعضها من باكستان وأفغانستان.
لم يخف «علام» من قوة وحجج القيادي بالتنظيم الإرهابي؛ فالمراجعات المكثفة التي أجريت له، انتهت به إلى التسليم بأن تنظيمه هو الكفر بعينه، ومن خلاله يكون الخروج عن ملة الإسلام، وليس العكس، وكانت النهاية خروج «الزيني» على رأس تنظيم جديد، يواجه تنظيم التكفير والهجرة فكريًّا، وبالأدلة الشرعية حتى تحلل التنظيم التكفيري، في هذا التوقيت، بحسب وصفه.
في هذه المرحلة، استند «علام» في خطته لقراءة أفكار هذه المجموعات المتطرفة، بمجموعة كبيرة من العلماء، وعبر ردود علمية وافية، وفلسفة كاملة لمواجهة الإرهاب، من منطلقات المحاور السابق ذكرها.
يضيف عضو مجلس مكافحة الإرهاب: كان لدينا يقين بأن المواجهة الأمنية مع تلك الجماعات لن تأتي بنجاح ساحق وحدها، لذا ناقشناهم، وواجهناهم بصحيح الدين والأدلة الشرعية للإسلام الصحيح.
25 يناير و30 يونيو
يرى علام، أن ثورة 25 يناير كان يسبقها بنحو عامين، إرهاصات واضحة، ويوضح أن بعض السلبيات في إدارة الدولة ساهمت في إيجاد رأي عام معارض، لذا يرفض وكيل أمن الدولة السابق الرأي القائل إن الثورة كانت إخوانية بامتياز، ولكنهم استغلوا فرصة روح الإصرار لدى بعض فئات الشعب، وخاصةً الشباب، مع أنهم كانوا يعملون لهذا اليوم من سنوات طويلة.
أما ثورة 30/ 6، فيراها أعظم الإنجازات في تاريخ الشعب المصري، وعلى جميع المستويات، وليس فقط إزاحة الإخوان من سدة الحكم، بل هناك إنجازات سياسية واقتصادية وعسكرية كبرى، بجانب المواجهة المفتوحة مع الإرهاب، للقضاء عليه عبر محاصرته وتقطيع أوصاله، ولم يتبق منه في سيناء إلا مناوشات على فترات متباعدة، تعبر في مجملها عن قوة أجهزة الأمن، ونجاح خططها في مواجهته.
يحمل علام تفاؤلا كبيرا تجاه المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، الذي صدر بإنشائه قانون صادر مؤخرا، يرأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويراه مهمًّا جدا على طريق حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية، للحد من مسببات الإرهاب ومعالجته، ومعالجة آثاره، خاصةً أن الإستراتيجية والقرارات التي سيتخذها ستكون ملزمة للجميع.
كانت فكرة المجلس حاضرة في أغلبية أحاديث اللواء علام منذ سنوات، وليس على المستوى المحلي فقط، بل كان يطالب دائما بتشكيل مجلس أمن قومي عربي لمكافحة الإرهاب، يضم في صفوفه علماء وخبراء، يعملون وفق إستراتيجية متكاملة سياسية واقتصادية وإعلامية ودينية وأمنية، لتجفيف منابع استقطاب الشباب، وسن آليات علمية تواجهه الإرهاب بشكل كامل.
«الأعلى لمكافحة الإرهاب»، برأي علام، سيكون معنيًّا بكل شيء فيما يخص تلك الجماعات، والمواجهة الشاملة للإرهاب والجماعات المتطرفة في مصر، ومن هنا يقف الخبير الأمني الكبير، على جانب آخر من الدعاوى التي تخرج، بين الحين والآخر، عن المصالحة، أو الحوار مع المتعاطفين مع الجماعة دون الذين ارتكبوا أعمال عنف، ويرى أن إستراتيجية الدولة، تجاه الإخوان هي من سيحدد ذلك، ولكنه يشير دائما إلى موقفه الواضح منذ زمن في هذه القضية؛ هو يرى أن الحوار والمناقشات كانت دائما تفيد الدولة وتستقطب عناصر وقيادات كبرى، تقف خلف المؤسسات في تلك الحرب، مع العناصر المتطرفة والتكفيرية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..