رئيس التحرير
عصام كامل

انحراف العمل السياسي عن الإطار الوطني


يحكى أنه في بداية تكون المجتمع الإنساني تجمعت مجموعات من البشر لمواجهة الأخطار وتوزيع المهام وتحقيق نوع من الاستقرار، فتطورت بعض المجتمعات لتأسيس حضارة إنسانية وفشل بعضها.. لكن لماذا؟!.. المجتمعات التي تطورت واجهت أهم السقطات البشرية ألا وهي الخداع والاحتيال، فكان هناك من يتوارى وقت هجوم الحيوانات المفترسة، خوفا على حياته ويحاول أن يبذل أقل مجهود وقت جمع الثمار.. هذا الشخص كان خطرا على تطور المجتمع فعزلوه خارجهم أو عاقبوه بوجوده في قاع المجتمع، أما المجتمعات التي تخلفت فقد تساوت الرءوس ومع مرور الزمن أصبح المخادع النصاب على رأس القبيلة.


لا أنكر أن العمل السياسي في كل العالم به انحرافات، لأنه مثير للشهوة البشرية نحو السلطة واستغلالها، لكن قوة الدولة وتحضرها تقاس بمدى سيطرة المجتمع على الانحرافات وكبح استغلال السلطة، عملا بمقولة "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"... وحاولت الحضارات منع المحتالين والمخادعين من الوصول للسلطة للحفاظ على بنيان المجتمع.

من الأخطاء الشائعة أن السياسة مفسدة، لأن تاريخنا الوطني الحديث الذي نعتز به زاخر بالسياسيين بدءا من مصطفى كامل وسعد زغلول إلى جمال عبد الناصر وغيرهم، لكن المفسدة في ضعف الرقابة الوطنية وتفعيل مبدأ الفصل بين السلطات.. السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، ومن الطبيعي أن تمثل كل سلطة جهة رقابة على الأخرى لتحقيق العدالة وما دون ذلك هو تشوه لشكل واستقرار المجتمع.. أيضا فساد وتخبط السياسة الداخلية يؤثر بشكل أو بآخر على السياسة الدولية للوطن، مما يؤثر إجمالا على استقراره ومستقبل الأجيال المقبلة.

إن معضلة السياسة تكمن في أن فكرة المبادئ السياسية تقترب من الدين في بعض أهدافها، والجريمة في بعض ممارساتها، لأنها علم وفن إدارة شئون البشر.. لذا تحدث انحرافات ولا يوجد تاريخيا مجتمع استقر بلا سياسة قوية قائمة على مبادئ وفكر والعمل السياسي ليست رفاهيات للدولة إنما ضرورة مجتمعية لاستمرار الدولة.

عندما نتحدث عن التطور الحضاري، فقد كانت أولى الحضارات البشرية حول وادي النيل، لكن من الظواهر الْيَوْمَ أن نرى حالة من انحدار الفكر السياسي، وتصدر أصحاب المصالح الشخصية والمغامرين نحو الثراء السهل، والعابثين على أصحاب الضمير الوطني والرؤي المخلصة لهذا الوطن، فالرؤى المكتملة تحقق استقرارا ومنهجية للبناء وهذا ما تفتقده الأحزاب الموجودة على الساحة، التي يجب أن تتميز عن الجماهير والعوام والظهير الشعبوي بالفكر والرؤية الإستراتيجية، أما دون ذلك فتَنحرف بالوطن نحو المجهول وتنساق نحو أطماع المصالح والاحتيال على المصلحة العامة، وتنزلق في شهوات السلطة المطلقة.

سؤال يطرحه الشعب ولا يجد إجابة، ما هي الرسالة التي تميز الحزب (أ) عن الحزب (ب).. ويجب ألا تكون الإجابة هي شعارات فضفاضة متشابهة مثل دعم الوطن أو دعم الرئيس إنما إنجازات وخطوات ومكتسبات وطنية، لأن الأحزاب لا تملك رسائل مستقلة متفردة، ولا تملك إستراتيجية أو رؤى وطنية، إنما الأكيد أنها تملك رغبة في السلطة بلا زراعة الأمل، مما سبب نفور الشعب عامة وهجرة الشباب خاصة للعمل السياسي، لأنه دون زراعة أمل وروح وطنية لا يستقر الوطن، حتى إن كان الشعار هو "الاستقرار"، و"ليس في الإمكان أفضل مما كان"، فأصبحت الأحزاب مع الوقت تفقد مصداقيتها وظهيرها مما يقلق المهمومون بمستقبل الدولة واستقرارها.

لذا بات لزاما أن يضع الرئيس السيسي خطة إجبارية للإصلاح السياسي لتهيئة المناخ السياسي نحو خدمة الوطن، لأنه قد يهدم أي مكتسبات أخرى على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي.. فالتاريخ سيكتب عن ما أسفرت عنه ثورتنا.. ثورة ٣٠ يونيو.. ثورة ضد الفاشية الدينية التي أفرزتها عقود من الفقر السياسي... ثورة حقيقية حلم بها الشعب للخروج بالوطن من عصور الظلامية واستغلال الدين نحو بناء دولة حديثة.

وعن منهجية الإصلاح السياسي سنتحدث لاحقا...

الجريدة الرسمية