نظرة موضوعية
في أحد اللقاءات دعيت لندوة للحديث مع الشباب عن المستقبل وعن آمالهم، وكان بجوارى على المنصة متحدث في ذات الموضوع، وبدأ حديثه باللوم ورمى الاتهام بالتقصير على الشباب، ومن ثم كان الحافز لى لكتابة هذا المقال.
حيث انصب اهتمامى منذ سنوات وسنوات بمستقبل شباب مصر، خاصة وأن 60 % من عدد سكان مصر كما تعلم عزيزى القارئ يمثلهم الشباب؛ ولذا نستطيع أن نطلق سويًّا على مصر أنها دولة شابة، ولكن نطرح السؤال سويًّا أيضًا عزيزى القارئ هل تستفيد مصر من شبابها؟ لن أقول كيف يستفيد الشباب من مصر؟ ولكن كيف تستفيد مصر من الشباب؟
وبحكم عملى كأستاذة أكاديمية وأيضًا عملى المجتمعى في وسط الشباب أشعر دائما بأفكارهم وأعيش مشاكلهم، بل أدرك تمامًا ما يأملون فيه سواء على المستوى الاقتصادى أو الثقافى أو السياسي، وأنا من المؤمنين بأن الشباب ليس في مصر فقط ولكن في كل بلد هو ينفذ ما يريده الكبار أن يكون، فالكبار-في معظم الأحيان- هم المسئولون عما يلحق بأبنائهم.
فقد حاضرت الشباب على مستوى مصر من الإسكندرية حتى أسوان من خلال مبادرات قمتُ بها، وناقشنا سويًّا وفتحنا باب الحوار في المجال الثقافى وسمعت منهم كل أفكارهم وتساؤلاتهم وأدركت جيدا قبل أن نصدر أي حكم على موقف الشباب في اللحظة الآنية التي نعيشها؛ أقصد موقفهم من العلم والثقافة؛ بل موقفهم من هويتهم المصرية، ينبغى علينا نحن الكبار أن نسأل أنفسنا: هل وفّرنا لأبنائنا وشبابنا المناخ الذي يكفُل إقبالهم على المعرفة السليمة وسعيهم إلى توسيع آفاقهم؟
هل وفرنا لهم المدارس التي تعلم تعليمًا حقيقيًّا بدلًا من رحلة الدروس الخصوصية التي جعلت أبنائنا منذ الصغر يبتعدون عن مفهوم ثقافة الكتاب؟ هل قدّمنا لهم برامج منذ الصغر تساعد على الابتكار والإبداع وتحقيق الذات، بل إثارة حب العلم في النفوس؟ هل قدّمنا معلمين أكفاء يفهمون التعليم على أنه زيادة قدرة العقول على فهم وإدراك الواقع وفهم الأمور؟ بدلًا من حشو معلومات فجة حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها مقالي.
هل استطعنا أن نفصل بين الرغبة في التعليم والرغبة في التخلص من الجهل؟ وهل تقوم وسائل الإعلام بنشر الثقاقة والعلم والفن الراقى؟ أم أن الموضوع مجرد تجارة وسبوبة؟ وما ينطبق على المجال الثقافى ينطبق أيضًا على المجال الاقتصادي والمجال السياسي.
والسؤال الأهم والأخطر هل استطعنا نحن الكبار أن نخلص أنفسنا من السطحية والجرى وراء المصالح؟ ونقدم لشبابنا مثالا نموذجيًّا في الاحترام والعلم والثقافة، والأخلاق، بل هل قدمنا لهم نموذجا على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؟
تلك الأسئلة جالَت في خاطرى في سنوات تحدثت وسمعت وحاورت شبابا من أجمل شباب الوطن العربى، تلك هي بعض الأسئلة التي لا بد أن تؤدى الإجابة عنها إلى تنبيه كل من يوجه الاتهام إلى الشباب بما قاله السيد المسيح: "ولماذا تنظر القشة التي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها".. فنحن في واقع الأمر ندين أنفسنا كلما اتهمنا شبابنا بالتقصير في طلب العلم والثقافة ومعرفة هويتنا المصرية والحفاظ عليها.
فيجب أن نشخص العيوب دون أن نلوم الشباب ونضع الحلول، فهناك مسئولية اجتماعية مسئولية على المجتمع ككل لتنمية الشباب ومساعدتهم، وليست هذه المسئولية نضعها برمتها على الدولة، ولكن على المجتمع ككل من مؤسسات المجتمع المدنى، ومن خلال الكيانات الوطنية المنظمة، ومن خلال تجديد الخطاب الدينى الذي نادي به الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا، بل تجديد أيضًا الخطاب الثقافى والأخلاقى من خلال استدعاء قيم المجتمع المصرى ورموزه الأصيلة على مدار التاريخ.
فعلى عاتقنا مسئولية تجاه شباب مصر، وعندما نتحمل هذه المسئولية؛ نستطيع أن نحملهم مسئولية المساهمة في بناء مصر بل ونلوم المقصر منهم، دائما أقول في مقالاتى وكتبى وفى اللقاءات التي أتحدث فيها في كل مكان "إن شباب مصر هم قلب مصر وإن توقف القلب عن النبض توقفت- لا قدر الله - مصر كلها".
فالشباب هم المنتج الرابح في اللحظة التاريخية التي نعيشها، وعلينا أن نحافظ عليه، وعلينا دمجه في عملية الإنتاج في كل مساراتها، وأخيرا وليس بآخر أقول علينا أن ننتبه جميعا وعلينا أن نساعد مصر في العبور من التحديات التي تواجهها؛ فمصر هي رمانة الميزان وهى الوطن الأصيل.