«كوهين» و«ليشع»
فى خمسينيات القرن الماضى خرج عدد كبير من اليهود من مصر، كانوا يتربحون من كل شىء، ويذكر جميعنا طرفة نشر «كوهين» نعيًا فى الأهرام، نصه «كوهين ينعى ولده ليشع، ويصلح ساعات بنمرة خمسة بباب اللوق»، وها هو «عصام العريان» يدعو أحفاد «كوهين» للعودة إلى مصر، مطلقًا دعوته وكأنه الحاكم الفعلى لأم الدنيا.
ثم يخرج علينا من يقول بـ«الصكوك الإسلامية» التى من شأنها بيع أصول مصر، من قناة السويس، والمناجم، وآبار البترول، وجميع الأصول لأى مشترى، لا فرق بين «كوهين» و«ليشع»، وأى كائن على ظهر الأرض، وكأن مصر عزبة ورثتها الإخوان، لهم حق التصرف فيها، وقد قام الأزهر الشريف ببحث هذه الصكوك، وأفتى بعدم مشروعيتها.
الأداء الاقتصادى لـ«مرسى»، وحكومة «قنديل» يتجه بسرعة فائقة نحو إفلاس مصر، وتجويع الشعب، وإغراق البلد فى المزيد من الديون التى سوف تكون عبئًا شديدًا على أبنائنا وأحفادنا، خصوصًا بعد إعلان البنك المركزى أن الاحتياطى النقدى فى وضع حرج للغاية، لكن الرئيس «مرسى» خرج علينا بتصريحات مطمئنة، لا تمت للحقيقة بصلة، كأنه خبير اقتصادى، وليس أستاذ فيزياء؛ ليقول: إن من يتحدث عن الإفلاس هو المفلس!.
دائرة الإفلاس تتسع، وتلتهم شرائح مجتمعية جديدة، تسقط فى هاوية الفقر والحرمان، وتزيد معدلات البطالة بصورة مرعبة، مع أن مصر هى خزائن الأرض، طبقًا للآية الكريمة فى سورة «يوسف».
الإفلاس تجاوز المال وامتد إلى الأفكار، فالرئيس، وقنديله، وشاطره، وبلتاجيه، وحسانه، وبرهاميه يفتقدون الإبداع والخيال والابتكار فى حل المشاكل الاقتصادية، والأزمات المالية التى تعصف بمصر، وعلى رأسها التضخم.
من أين يأتى التضخم الذى يترتب عليه ارتفاع حاد فى الأسعار؟
مصادر التضخم متعددة، أهمها: وجود أموال طائلة لا يقابلها إنتاج حقيقى، بل من عمولات، وسمسرة، وغسيل أموال، وتجارة محرمة ومجرمة، كالسلاح والمخدرات، وطبع البنك المركزى مليارات الجنيهات دون استبدال العملة الجديدة بالتالفة، ودون وجود غطاء من الذهب للأموال المطبوعة، الأمر الذى يخلق سيولة نقدية هائلة دون سلع، وخدمات منتجة على أرض الواقع، فتتركز الثروات فى أيدى فئة قليلة، وتتسع دائرة الفقراء، وترتفع الأسعار، وتلهب بنيرانها ظهور80% من أبناء مصر، وهذا يصب –بالطبع- فى صالح جماعة الإخوان، التى تبدأ فى توزيع السلع الغذائية مجانًا على الفقراء، والمحرومين، والمهمشين؛ لتكتسب الجماعة شعبية وأرضية جديدة، والاتجار بمعاناة الناس، وآلامهم باسم الدين، والدين منهم ومن أمثالهم براء.
يجب إدارة مصر واقتصادها بالخبراء، وليس بتجار الدين، ولا بسياسة «كوهين» و«ليشع»، ولله الأمر من قبل ومن بعد.