رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات شهر مايو


أيام تفصلنا عن شهر رمضان الكريم الذي يحمل لنا الخير والبهجة.. ننتظره محاولين الابتعاد عن متاهات السياسة وأخبارها، باحثين عن شواطئ هادئة لعلنا نجد بها بعض الراحة.


واليوم هو الخامس من الشهر الخامس من العام الجاري، حيث تفصل خمسة أيام فقط بين ذكرى مرور قرنين على ميلاد المفكر كارل ماركس، وذكرى مرور عقدين على وفاة الشاعر نزار قباني.. وبهذه المناسبة نتذكر أن "ماركس" قال إن "الدين أفيون الشعوب" بينما وصف الثاني بلاد العرب أنها تحولت إلى مسلسل رعب نتابع أحداثه في التليفزيون، مثلما تحدث عن الاستقرار في الأوطان باعتباره الفارق بين البلد والسفينة.

لكننا الليلة سنركب سفينة تعبر البلاد والأزمنة وسط قتال تفرضه عادة المصالح السياسية ويتخفى أحيانًا بالدين السماوي.. نشاهد مسلسلات رعب أشد عنفًا وفزعًا مما نراه الآن من أحوال العرب.

عندما انهارت الدولة الأموية في القرن الثامن ميلاديًا.. هرب الأمراء من أمام أصحاب الرايات السوداء بعد أن أقام العباسيون المذابح لهم.. ومن ضمنهم شاب صغير السن أكمل لتوه عقده الثاني.

هرب الأمير عبد الرحمن بن معاوية، حفيد الخليفة هشام بن عبد الملك، بصعوبة، لاجئًا إلى بلاد المغرب قبل أن يغير والي أفريقية موقفه من الأمويين وبدلًا من مساندتهم في وجه العباسيين بدأ يقاتلهم خوفًا على سلطانه، فلم يجد الشاب الصغير أمامه إلا الهروب مجددًا ودخول الأندلس.. ويصف حالته المراكشي في كتابه (المعجب في تلخيص أخبار المغرب) أنه (دخل الأندلس طريدًا وحيدًا لا أهل له ولا مال، فلم يزل يسمو بهمته إلى أن احتوى على ملكها).

وفي مايو أيضًا لكن في القرن الثامن ميلاديًا، وتحديدًا (قبل 1262 عام) من وقتنا الحالي، استطاع عبد الرحمن بن معاوية أن يقيم الدولة الأموية في الغرب بعد سقوطها في الشرق مع عاصمتها دمشق في يد العباسيين.. والمرافقة أنه بعد مئات السنين.. في القرن الثالث عشر ميلاديًا وتحديدًا (في عام 1262 ميلاديًا) تم تتويج خليفة عباسي في القاهرة بعد سقوط الدولة العباسية في الشرق مع عاصمتها بغداد في يد المغول.. فلا يمكن لدولة مهما عظم شأنها أن تدوم للأبد.. وقد سقطت دمشق وبغداد في يد المغول لكن ظلت القاهرة صامدة حتى هزمتهم.

أما عبد الرحمن بن معاوية فقد صنع الفارق، لأنه واجه بذكائه الصراعات، وتصدى للمؤامرات والحروب حتى استطاع حفيد الخليفة الأموي الهارب أن يقيم دولة جديدة للأمويين في الأندلس، ويحافظ عليها ويحكمها ثلاثة عقود قبل أن يتركها لخلفائه صامدة ثلاثة قرون كاملة.

الآن سوف تتوقف السفينة مكتفية بما رأته من أحداث دموية.. وصراعات وحروب ومصالح تحت غطاء الدين، لكن لا يزال هناك الكثير من اللقطات التي يمكن سردها، والحكايات التي تستحق الوقوف عندها.
الجريدة الرسمية