رئيس التحرير
عصام كامل

هنري كوربيل.. يهودي مصري طرده الملك فاروق وطاردته إسرائيل

فيتو

هنري كورييل، يهودي مصري شيوعي، ولد في سبتمبر 1914 لعائلة فرنكوفونية يهودية من أصول إيطالية استقرت في مصر التي كانت حينها تعتبر قبلة للمهاجرين والطامحين خاصة من دول الجوار الأوروبي المتوسطية، وتلقى تعليمه في المدارس الفرنسية بالقاهرة.


أثرت كتابات أندريه مالرو وبول نيزان وأندريه جيد، فيه بشكل كبير، ولم يدرك جدوى النظرية الشيوعية إلا عندما لمس بنفسه المظالم الفظيعة التي كانت تمارس بحق الفقراء في مصانع ومزارع البشوات والأغوات والرأسماليين الصاعدين والذين كان والده ينتمي إليها في مصر.

مدلل ومتمرد

رغم كونه طفلا مدللا لعائلة برجوازية إلا أنه تمرد عليهم بمساعدة زوجته روزيت العجم، وهي يهودية مصرية، لتخفيف الظلم عن طريق العمل الإنساني وقلب الأمور رأسًا على عقب، لكنه سرعان ما اكتشف عقم هذا العمل الذي يكتفي بمعالجة محدودة.

المقاطعة

قطع هنري كورييل كل صلاته بأبناء البرجوازية المدللين من زملاء الدراسة وأصبح مناهضًا للاستعمار، قبل أن يحصل على الجنسية المصرية بالرغم من أنه لم يتحدث اللغة العربية بطلاقة أبدًا.

ربط أواصر الشيوعيين

وفي منتصف الثلاثين من عمره انطلق لمناهضة الفاشية الصاعدة في إيطاليا وألمانيا واضعًا نصب عينيه في الوقت ذاته مهمة كبرى تتعلق بتجميع الشيوعيين المصريين المتفرقين في حزب يعبر عنهم ويقودهم.


السجن والسياسة

سجنه الملك فاروق عام 1942 بسبب نشاطه السياسي بتهمة المساهمة في إعادة إحياء الحزب الشيوعي المصري وتأسيس الحزب الشيوعي اليوناني، إضافة إلى أنشطة أخرى مرتبطة بحرب الجزائر والنضال الفلسطيني في فرنسا، ومشاركة الحركة الأدبية والفنية الطليعية في مصر بتأسيس أسبوعية "دون كيشوت" و"مجلة الشباب".

حمتو

وفي عام 1943 شكل كورييل "الحركة المصرية للتحرر الوطني" (حمتو) والتي دخلت على الفور في منافسة قوية مع التنظيمات الشيوعية السائدة وقادتها من يهود مصر وكذلك القادمون من الأوساط البرجوازية كـ"إيسكرا" (التي تعرف بالمصرية باسم "الشرارة") بقيادة هليل شوارتز.

حامل الحقائب

سجن هنري كورييل 18 شهرًا بسبب المشاركة في التحركات المناهضة لحكومة الملك فاروق والمطالبة بإنهاء الاستعمار، ثم حرم من جنسيته المصرية قبل أن يتم نفيه بتهمة "الشيوعية" في 26 أغسطس 1950 إلى إيطاليا أولًا ثم إلى فرنسا التي لم يتركها حتى وفاته.

وكانت فرنسا في ذلك الوقت غارقة في حربها ضد استقلال الجزائر ووجد هنري كورييل لنفسه دورًا نضاليًا متجددًا في دعم "جبهة التحرير الوطنية" الجزائرية عبر الانضمام إلى ما كان يعرف حينها بـ"شبكة جانسون" نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي فرانسيس جانسون.

وكان العمل الرئيسي لعناصر الشبكة يطلق عليها حينها "حاملي الحقائب"، والتي تعمل على تأمين جمع ونقل الأموال والمستندات وعمليات تزييف بطاقات الهوية وجوازات السفر وغير ذلك في خدمة ثوار الجزائر.

شهرة وشجاعة

سمحت علاقات كورييل الواسعة في فرنسا ومصر وغيرها بلعب دور سياسي كبير في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتمكن من الوساطة بين الراغبين في السلام من الجانبين، وقيل وقتها أنه كان في مبادراته يتمتع بدعم كبير من الرئيس السوفيتي حينها يوري أندروبوف.

وعرف كورييل في أوساط الشبكة بالشجاعة والحس التنظيمي العالي الذي جعله عضوًا فعالًا للغاية فيها، وذلك قبل أن تتمكن الدولة الفرنسية من تفكيكها عام 1960.


4 رصاصات

لم يفارق الغموض حياته ومماته فاعتبر مرة عميلًا للمخابرات السوفيتية، ومرة أخرى متعاونًا مع الإسرائيليين، ومن ثم الفرنسيين وغيرهم الكثير، وليس غريبًا أن يصبح هنري كورييل شخصية مزعجة للغاية لكثيرين حول العالم من داعمي الاستعمار إلى المناهضين للحقوق الفلسطينية إلى معادي السامية إلى الملتزمين بالقرارات السوفيتية وغير ذلك، باعتباره صورة للمناضل المستقل شديد الراديكالية.

في 4 مايو عام 1978 قُتل كوريل على يد مجهولين في باريس واطلقوا علية 4 رصاصات وبقي اغتياله سرًا كما وقع حينها لكثيرين ممن انخرطوا في الصراع الدولي إلى جانب أحد الأطراف، ليس ذلك فحسب بل طوي النسيان اسمه في دفاتره التي لا يتم فتحها.
الجريدة الرسمية