المراسلون الحربيون في سوريا.. ثغرات سوداء في التغطية الإعلامية
سواء كان ذلك في سوريا أو اليمن أو ليبيا، فإن الحروب الراهنة تشهد القتل والألم والموت، بيد أن مراقبي وسائل الإعلام الدولية يقومون بالتغطية الإعلامية عن بعد، ما يترك ثغرات في تلك التغطية تترك بصمتها على نقل الحقيقة.
يعلم الشاب السوري حسام، الذي يسمي نفسه على فيس بوك "ناشطًا سوريًا ضد نظام الأسد القاسي وتنظيم داعش" بأن عمله خطير للغاية، لكنه ينشر تقارير من إدلب على فيس بوك ويوتيوب، وفي 2015 تم اختطافه من قبل ميليشيات "جبهة النصرة" الإرهابية، كما يقول، وسجنه الإسلاميون طوال 25 يومًا، لماذا؟ لأنهم شكوا في أنه يتخابر مع المخابرات البريطانية، كما كتب حسام عبر واتس آب، ثم أخلوا سبيله.
آخرون لم يكن حظهم مثل حظ حسام فمن يقوم بتغطية إعلامية من سوريا يقع في مرمى نار مختلف الفاعلين الذين يشحنون الحرب منذ سبع سنوات، فالصحفيون المستقلون باتوا عرضة للاختطاف والقتل، والقليل منهم فقط أُطلق سراحه.
والأمريكيان جيمس فولي وستيفن سوتلوف Sotloff والياباني كينجي جوتو هم ثلاثة أسماء لصحفيين أجانب اختُطفوا وقُتلوا في سوريا، فولي وسوتلوف نُحرا أمام الكاميرا، وتعكس عمليات الإعدام شكلًا فظيعًا من الدعاية لتنظيم "داعش" الإرهابي، وآخرون يراهنون على الاختطاف لجني المال.
لكن لا أحد من أطراف الحرب يهتم بالتغطية الإعلامية المستقلة التي تكشف الأمور وتضعها في نصابها، وتفضح الأكاذيب والدعاية المغرضة.
وفي 2017 وحدها قُتل تسعة صحفيين سوريين، وفي هذه السنة أربعة، حسب "لجنة حماية الصحفيين" وهي منظمة غير حكومية.
"مهمة انتحارية"
ويقول مارتن دورم إن الصحافة لم تعد في كثير من أجزاء سوريا إلا "مهمة انتحارية"، فالصحفي الألماني يعرف عما يتحدث، إذ تعرض مع زميل له في بداية 2012 إلى إطلاق نيران، وتحدثت إذاعتهما آنذاك عن اعتداء "مستهدف" على سيارتهما من قبل قناصة.
وكان ذلك في وقت يمكن فيه للصحفيين الأجانب اعتماد بعض التدابير الأمنية على السفر عبر سوريا، واليوم بات هذا السفر مستحيلًا ما عدا في الأجزاء التي يسيطر عليها النظام والمناطق التي يتحكم فيها الأكراد.
الصحفي دورم كان في سوريا آخر مرة في عام 2015، ومنذ تلك اللحظة رفض النظام بتكرار طلباته للحصول على تأشيرة أو تجاهلها، وشأنه في ذلك شأن الكثير من الصحفيين الآخرين الذين يكتبون عن الأوضاع في المنطقة وليس لهم أي إمكانية سوى أن يسافروا برفقة الجيش الروسي أو الميليشيات الكردية عبر البلاد ويشاهدون ما يُراد الكشف عنه لهم.
وفي الحقيقة لا يمكن للمراقبين الذين يتمركزون في الغالب في القاهرة وإسطنبول أو بيروت سوى جمع المواد التي يرسلها إليهم الصحفيون المحليون والنشطاء مثل حسام.
لكن تقييم المعلومات والتأكد من صحتها "صعب للغاية"، كما يقول دورم، "لأنه في النهاية الذين ينتمون للنظام وكذلك الذين يُحسبون على المعارضة يحاولون القيام بالدعاية".
ويتحدث دورم عن تضليل إعلامي مقصود من طرف النظام والمعارضة، فبدون وجود مراسلين مستقلين تمكن النظام من نفي الاتهام الموجه له باستخدام الغاز الكيميائي ضد المعارضين الذين يسيطرون على مدينة دوما.
وبالتالي تنشأ ثغرات سوداء في التغطية الإعلامية. ويشير دورم إلى محافظة إدلب في شمال سوريا التي تتجمع فيها التنظيمات المعارضة الإسلامية، ومراسل الحروب المتمرس متأكد من أن المعركة الحاسمة الأخيرة في سوريا ستجري هناك في الشهور القادمة، "لكنه من المستبعد بالنسبة إلى صحفيين أجانب الذهاب إلى إدلب لتكوين فكرة عن الأوضاع الكارثية هناك".
وعلى هذا النحو لا يبقى سوى أشخاص مثل حسام، فهل عمله خطير؟ "أحيانًا"، يكتب بأسلوب مقتضب، لكنه يواصل العمل؛ لأنه لا أحد آخر يقوم بالتغطية، "أريد نقل صورة عن آلام الشعب السوري للغرب".
الحرب كشيء مزعج
لكن ليس فقط في سوريا، بل حتى في ليبيا واليمن وأجزاء في العراق يكون الوضع خطيرًا بل ويصبح مستحيلًا بالنسبة إلى عمل الصحفيين الأجانب.
ودورم يشغله السؤال ما الذي سيحصل إذا وُجد عدد أقل من المراسلين المستقلين لتغطية الحروب: المواد الخبرية غير المثيرة والمشكوك فيها جزئيًا ستحل محل القصص الإخبارية المُعاشة والتي تم بحثها جيدًا، تلك القصص التي تتحدث عن حياة الناس في ظل الحرب، وهي تقارير التي لا تتناسب مع واقع الحرب، كما يقول دورم.
"في الحقيقة الحرب تكون مشابهة: فالآلام مشابهة والقتل كذلك ويجب في الأساس ملء التغطية الإعلامية بما نرى ونسمع ونشم".
ناومي كونراد/ م.أ.م
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل