شاب القطار !!!
جلس الرجل العجــوز بجوار ابنه البالغ من العمر 25 عاماً فى القطار.. وبدا الكثير من البهجة والفضول على وجه الشاب الذى كان يجلس بجانب النافذة، فحينما أخرج الشاب يديه من النافذة وشعر بمرور الهواء صرخ «أبى انظر جميع الأشجار تسير وراءنا».
فابتسم الرجل العجوز ليجارى ابنه فرحته.. وبجانبهم بالقطار كان يجلس زوجان يستمعان إلى ما يدور من حديث بين الأب وابنه.. وشعرا بقليل من الإحراج فكيف يتصرف شاب فى عمر 25 سنة كالطفل هكذا!!!.
وفجأة صرخ الشاب مرة أخرى وقال «أبى ، انظر إلى البركة وما فيها من حيوانات، ثم نظر إلى فوق وقال انظر يا أبى الغيوم، إنها تسير مع القطار» ..
وهنا استمر تعجب الزوجين من حديث الشاب مرة أخري.. ثم بدأ هطول الاأطار، وقطرات الماء بدأت تتساقط على يد الشاب الذى امتلأ وجهه بالسعادة وصرخ مرة أخرى فرحاً وقال «أبى إنها تمطر، والماء لمس يدي، انظر يا أبي»، وفى هذه اللحظة لم يستطع الزوجان السكوت وسألا الرجل العجوز هل ترى ما يفعله ابنك الشاب الذى يفكر كالأطفال كلما رأى شيئاً فلماذا إذن لا تقوم بزيارة الطبيب والحصول على علاج لابنك ؟؟؟؟؟
وهنا نظر الرجل العجوز إلى الزوجين وقال لهما: «إننا بالفعل قادمون من المستشفى حيث إن ابنى قد أصبح بصيراً لأول مرة فى حياته»، تذكرت هذه القصة بما لها من إشارة إلى خطورة التسرع فى الحكم على الآخرين حينما منحت الشبكة العربية للتسامح جائزتها هذا العام للمفكر سمير مرقص فى احتفال كبير فى الجامعة الأمريكية ببيروت وسط حشد كبير من سياسيين ومثقفين لإسهاماته فى نشر ثقافة التسامح.
تذكرت حينما كنت ضيفاً على قناة أمريكية وبعد ساعات من اختيار محمد مرسى لمستشاريه الـ 17 وقال لى المذيع: إن مرسى اختار قبطياً ليكون مساعداً له، وهنا انتقدت سمير مرقص وقلت إن اختيار مرقص لم يتم عن كفاءاته الشخصية بل نوعاً من التمثيل الخالى من دور حقيقى أو صلاحيات فتم اختياره بسبب اسمه الواضح قبطيته، وأنه لو لم يكن اسم الوالد «مرقص» وكان اسما آخر يقبل القسمة على اثنين – أى يسميه المسيحى والمسلم على السواء- لما تم تعيينه بهذا المنصب، تماماً مثلما كان يفعل مبارك فى تمسكه بعائلة "بطرس غالي".
وبالرغم من أن انتقادى لسمير مرقص كان بدافع وأسباب حقيقية مثل قبوله للعمل مع رئيس لن يفعل ما وعد به قبل الرئاسة، وهذا ما حدث.. ومنها أن مرسى تعهد بنائب قبطى ولكنه اختاره فقط مساعداً فى قطاع غير معروف وهو "التحول الديمقراطي".
ومنها دراستنا لفكر معلمى ومرشدى الإخوان على مدى تاريخهم، كذلك مذكرات الصحفيين الإيرانيين الشيوعيين وما فعله بهم زملاؤهم الإسلاميون بعد أن وصلوا للحكم بعد الثورة الإسلامية وهم من كانوا أصدقاء حميميين أثناء فترة سجون حكم الشاه.
كل هذا يجعلك تستوعب كيف يفكر مرسى وجماعته وكيف ينظر للآخرين.. وبرغم كل تلك الدوافع الحقيقية، إلا أن الأيام أثبتت معدن هذا الرجل فكان سمير مرقص هو أول من استقال من الرئاسة رداً على إعلان دستورى مرسى فى الحادى والعشرين من نوفمبر الماضي.
وقال فى استقالة مسببة: «إن الإعلان الدستورى إضعاف للشرعية ومعدوم قانونياً وغير ديمقراطى كذلك تحصين مرسى لنفسه يقضى على الفصل بين السلطات».. وكانت أول استقالة لمساعدى مرسى فى الوقت الذى ظل فيه آخرون ولم يتقدموا بها إلا عندما لم يجدوا لهم نصيبا بالكعكة.. كما لم تتغير مواقفه سواء وهو خارج المنصب أو داخله.
ولهذا يعتبر الاثنان سمير مرقص وجورجيت قلينى فقط من الحالات النادرة التى أخلصت لمصر وغلبت الصالح العام على صالحهما الشخصى من بين قائمة المعينين الأقباط على مدى أربعة عقود سواء بالرئاسة أو الوزارة أو المجالس التشريعية.
دكتور سمير مرقص أنت نموذج مصرى وقبطى مشرف .. أعتذر لك فقد تسرعنا فى الحكم عليك مثلما فعل الزوجان مع شاب القطار، وأهنئك على جائزتك الأخيرة .. تستحقها .. وكل عيد قيامة مجيد وأنت بخير.