رئيس التحرير
عصام كامل

أبو الغيط يدعو إثيوبيا إلى الانفتاح والشفافية في محادثات سد النهضة

أحمد أبو الغيط أمين
أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية

أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن المنطقة العربية تواجه تحديات كبيرة بسبب ندرة المياه.


وقال خلال كلمته في افتتاح المؤتمر العربي الثالث للمياه: "هذه التحديات تمثل في مُجملها تهديدًا وجوديًا يتضاءل بجانبه أي خطر آخر، ويهون بالمقارنة معه أي تهديد.. إن لم تُستنفر كافة الإمكانات العربية – على المستوى الوطني في كل دولة، وعلى المستوى العربي العام - في مواجهة هذا التهديد، فإننا نُفرط في حق أبنائنا في الحصول على تنمية مُستدامة متوازنة، ونوعية حياة كريمة ولائقة".

وأضاف: "​إنني أتحدث اليوم أمام جمهرة من أهل التخصص من الراسخين في العلم ومن يتولون المسئولية المباشرة عن إدارة ملفات المياه في بلدانهم.. ولا يُفتى ومالكٌ في المدينة.. ولن أعدد أمامكم ما تعرفون جميعًا من أبعاد الوضع المائي العربي بكل صعوباته الراهنة.. ولكني أضع أمامكم نقاطًا أراها أساسية في تناول المسألة المائية في العالم العربي، بكل ما تنطوي عليه من جوانب متعددة ومتشابكة".

النقطة الأولى
أزمة المياه في العالم العربي واضحة بما لا يحتاج إلى بيان، وخطيرة بما لا يستدعي التفصيل.. فالمنطقة العربية لديها 1% فقط من مصادر المياه العذبة على مستوى العالم، و40% من سكانها يعيشون في مناطق الشح المائي المُطلق، بل إن هناك 14 دولة عربية من بين التسع عشرة دولة الأكثر معاناة من نُدرة المياه على مستوى العالم.

وأخطر ما في الأمر أن الوضع المائي في بلادنا لا يتجه إلى التحسن، وإنما إلى التدهور، بل إلى التدهور المطرد في بعض المناطق، ففي ظل معدلات نمو سكاني تصل إلى 2.5%، وفي ضوء ندرة سقوط الأمطار وتكرار دورات الجفاف يتناقص نصيب الفرد العربي من المياه باستمرار بكل ما ينطوي عليه ذلك من انعكاسات على أمننا الغذائي.

وصارت المنطقة العربية أكبر منطقة عجز غذائي في العالم والمعنى هنا أننا لا نواجه أزمة ذات أبعاد ثابتة، وإنما خطر يستفحل باستمرار، ووضع يتدهور بمعدلات مُتسارعة.

وفي مواجهة تهديدات استثنائية على هذا النحو، فإن الحلول والاستراتيجيات يتعين أن تكون استثنائية أيضًا.. ينبغي ألا تنصب السياسات والاستراتيجيات على ما هو قائم في اللحظة الراهنة من تحديات، وإنما على ما قد يحمله المستقبل من احتمالات ومآلات.

النقطة الثانية
​المسألة المائية متعددة الجوانب ومتداخلة الأبعاد.. ثمة جوانب علمية وفنية، وأخرى بيئية وتنموية، وثالثة سياسية وإستراتيجية، ولا شك أن نجاح الدول العربية في الاستجابة للتحدي المائي مرهون بقدرتها على مواجهة هذه الأبعاد جميعًا بشكل متضافر، عبر تحقيق التنسيق والتناغم الكامل بين الجهات الحكومية المختلفة التي يتعلق عملها بأي جانب من جوانب المسألة المائية، وبحيث تكون الخطط والاستراتيجيات شاملة على المستوى الوطني من دون تضارب أو تداخل ينعكس سلبًا على الأداء.

كما أن هذا التعاون والتنسيق يتعين أن يمتد من المستوى الوطني إلى المستوى العربي، فكثيرٌا من أبعاد المسألة المائية يتطلب استجابة جماعية من جانب الدول العربية، ويستوجب تخطيطًا مشتركًا يتجاوز نطاق الدولة الواحدة.

وكان هذا هو الهدف المأمول من إنشاء المجلس الوزاري العربي للمياه منذ نحو عشرة أعوام، وكذا من إطلاق إستراتيجية الأمن المائي العربي والتنمية المستدامة 2010-2030، وخطتها التنفيذية التي تمت المصادقة عليها في قمة نواكشوط 2016.

إن تحقيق التكامل بين السياسات العربية فيما يخص ثلاثية الماء والغذاء والطاقة لم يعد ترفًا، وإنما ضرورة والتزامًا لا يُمكن النكوص عنه.

النقطة الثالثة
إن خط الدفاع الأول في مواجهة تحديات ندرة المياه هو البحث العلمي والتطوير التكنولوجي (وأرى أمامي نخبة ممتازة من رموزه والقائمين عليه في عالمنا العربي).

إذ لا فرصة أمام الدول العربية لتجاوز التحديات المختلفة المرتبطة بشُح المياه، إلا عبر الارتقاء بمجالات البحث والتطوير، ومن أسف أن الدول العربية تنفق أقل من 1% من الناتج القومي الإجمالي على البحوث والتطوير وحتى في المجالات التي أحرزت فيها دول عربية تقدمًا مشهودًا – مثل مجال تحلية مياه البحر الذي تستحوذ المنطقة العربية على معظم طاقاته على مستوى العالم – ما زال هناك عجزٌ عن تطوير التكنولوجيا الذاتية والإمكانيات الوطنية.

وما زال هناك تباطؤ في تصنيع المعدات اللازمة محليًا، وامتلاك ناصية التقنيات المطلوبة عربيًا، سواء في أساليب الزراعة (التي تستقطب 80% من استخدامات المياه في المنطقة العربية)، أو فيما يتعلق بكفاءة استغلال المياه وتقنيات التحلية واستخدام المياه المُعالجة ومعالجة مياه الصرف وإعادة التدوير وغيرها من التقنيات.

إن المنهج العلمي والبحث والتجريب والتطوير تُمثل كلها سبلا لا غنى عنها لمعالجة تحديات الندرة والشح المائي، وأقول بوضوح إن الجسور بين أصحاب الخبرة وأصحاب القرار ما زالت واهية، وإننا نحتاج إلى تضافر أكبر بين أهل العلم وأهل السياسة لمواجهة أزمات المياه.

النقطة الرابعة
​إن المسألة المائية تظل في التحليل الأخير قضية سياسية، ذلك أنها تمس صميم الأمن القومي العربي، واستراتيجيات مواجهة تحدي الندرة، مثل التخلي عن سياسات الدعم العشوائي أو الاتجاه إلى التسعير من أجل الارتقاء بكفاءة إدارة الموارد تحتاج كلها إلى قرارات سياسية جريئة وحاسمة لا ينبغي تأخيرها أو التباطؤ في اتخاذها.

ومن ناحية أخرى، لا يخفى عليكم جميعًا ما تواجهه بعض دولنا العربية من تحدياتٍ لأمنها المائي نابعة من اشتراكها مع دول غير عربية في المجاري المائية وما يفرضه ذلك من أوضاع جيوسياسية صعبة ودقيقة خاصة أن 80% من المياه العربية تأتي من خارج العالم العربي.

ولا شك أن بعض التطورات الأخيرة تنطوي على ما يُثير الانزعاج الشديد والقلق وأتحدث هنا عن المفاوضات المُتعلقة ببناء سد النهضة الأثيوبي على النيل الأزرق الذي يُعد مصدرًا لـ 85% من المياه التي تعتمد عليها مصر؛ أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.

إن الأمن المائي العربي كلٌ لا يتجزأ، ونسيج واحد لا تنفصم عراه، وإننا ندعو إثيوبيا إلى إظهار الانفتاح الكافي في المحادثات المتعلقة ببناء وتشغيل السد، ذلك أن مبادئ التفاوض بحسن نية والتشاركية والشفافية هي الكفيلة بإيجاد صيغٍ للتعاون واقتسام الموارد المائية بصورة تُبعد عن المنطقة شبح صراعات المياه التي طالما تنبأ بها كثيرون.

وأضاف إن الدول العربية مُطالبة بالتعامل مع ما يتهدد أمنها المائي، سواء في فلسطين أو مصر أو لبنان أو غيرها من الدول بإستراتيجية جماعية واضحة، وسياسة تكاملية شاملة تعكس الإرادة الجماعية للدول العربية.

وأكد أن هذا النهج هو ما يضمن للمنطقة صوتًا مؤثرًا ووزنًا معتبرًا في مواجهة أي افتئات أو جور من جانب أي طرف على الحقوق العربية.
الجريدة الرسمية