رئيس التحرير
عصام كامل

استقالة الأستاذ «مكرم»


كان اقتراح الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الوطني للإعلام بتقديم استقالة رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاث للرئيس أو للبرلمان عقب الانتخابات الرئاسية الجديدة، لفتة ذكية تليق بالرجل وحسه السياسي والمهني، لكن الآخرين رفضوا الفكرة والمبدأ لأسباب تخصهم، وكان يفترض فيهم ومنهم التجاوب وتقديم المثل والقدوة بحكم أنهم من يشرفون على صياغة وقيادة الرأي العام.


وبغض النظر عما جرى من رفض أو قبول الاقتراح، فقد جرى العرف وليس الدستور على أن يتقدم كبار موظفي الدولة باستقالاتهم في أعقاب الانتخابات الرئاسية، ومنح الرئيس الجديد فرصة إعادة التقييم لمن يديرون دولاب العمل معه، خاصة أن معظم الشكاوى والنقد الموجهه للسلطة في الأساس من مساعدي الرئيس في الحكومة وبقية الأجهزة، خاصة أنه لا يوجد نجم أو شخصية من العيار السياسي أو المهني الثقيل، وفيما يبدو أن السنوات السبع الماضية بكل ما فيها من تغييرات ودراما سياسية لم تستطع أن تنتج اتجاها أو تفرز قيادات أو حتى أحزاب يمكن أن تكون مؤثرة أو تخلق بديلا للأوضاع الراهنة.

وربما تصبح شعبية الرئيس في السماء لو أنه تخلى عن بعض الأسماء والشخصيات التي تحتل مقاعد مؤثرة في المشهد السياسي الراهن، ثم إن دروس التجربة السياسية لا تزال ساخنة، وفِي الوعي السياسي، ولم تبرد نيرانها بعد، وقيل مثلا إن الرئيس مبارك لو كان اتخذ تلك القرارات التي اتخذها في الأيام الأولى لأحداث ٢٥ يناير من حل البرلمان والحكومة وإقالة حبيب العادلي وتغيير الدستور لصنع المصريون له تماثيل في الشوارع..

لكن عيب الرجل التاريخي أنه لم يتخذ أبدا القرار المناسب في الوقت المناسب، وكان دوما متأخرا خطوات عن الوقت المناسب، ربما بدافع الحرص الشديد الذي كان يتسم به عكس الرئيس السادات الذي كانت فترة حكمه تتسم بالإيقاع السريع في كل شيء، وقد نجح في تقديم عدة وجوه للمسرح السياسي ومنهم مبارك نفسه، الذي ظل نائبا للرئيس ست سنوات..

وبالتالي لم يشعر برهبة عندما آلت إليه السلطة بشكل مفاجئ، ثم إن السادات كانت له رؤية ملخصها أنه من حق جيل أكتوبر أن يتولى زمام السلطة في مصر بعكس جمال عبد الناصر الذي اعتمد على الدائرة الضيقة ممن كانوا حوله بمنطق الاعتماد على أهل الثقة والولاء أولا قبل الكفاءة والخبرة، وربما كانت تلك الفلسفة هي السبب الأساسي فيما وصلت إليه مصر في كل المجالات، لأنه منذ تلك الأيام أصبح الولاء للسلطة أو الرئيس مقدما على الولاء للوطن والمؤسسة، وتكشف مثلا أحداث ما بعد نكسة يونيو مدى الولاءات وتباينها بين عامر وناصر وتقديم الولاء الشخصي على الولاء للمؤسسة.

وبشكل عام فإن كل دروس النهضة تقول إن صناع التنمية والازدهار هم المحترفون والمتخصصون والأكثر علما وخبرة وكفاءة، وإن الدول التي حققت طفرات اعتمدت على العقول المبدعة وليس على عواطف الموظفين الذين يقفون ضد أي تغيير، والحكاية ليست وفق تصنيف البعض الذي ينافق الشباب، لكنها بالأساس على الخبرة، ويبدو الأمر غريبا حين تذهب الأندية الكبرى للتعاقد مع مدربين أجانب بمئات الألوف من الدولارات لأنهم الأكثر خبرة، بينما يصبح الأمر نفسه عيبا ولا يجوز في قطاعات كثيرة تحتاج الخبراء الأجانب نفسهم..

ويكفي القول مثلا إن بدايات ماسبيرو كانت على أيدي خبراء ألمان وإنجليز وهو ما حدث أيضا في نشأة الجامعات المصرية والمؤسسات العلمية المختلفة، بل إن محمد علي نفسه مؤسس مصر الحديثة بدأ فترة حكمه بإرسال البعثات للتعلم في الخارج من كل التخصصات بما فيها الإسكافي، والأمر كذلك فقد وضع المحترم مكرم محمد أحمد بدايات الحل ليعفي الجميع من الحرج السياسي والقانوني، لكي يتقدم الكبار في كل المؤسسات باستقالاتهم، خاصة أن كثيرا من تلك الوظائف أفسدها هوى بعض الأجهزة في الاختيار وحان الوقت لتصحيحها إذا كنا جادين فعلا في الإصلاحات.
الجريدة الرسمية