الفنان محمد صبحي: الدولة تكرم «التافهين».. وأرفض تكريمي بعد وفاتي
- أقمت مسرح محمد صبحي على الطريق الصحراوي لهذا السبب
- تمنيت منذ صغري أن يأتي الجمهور للفن وليس الفن هو الذي يذهب إليه
- أفكر حاليا في تقديم برنامج ممسرح ولكن بفكرة مختلفة
- تكريمي من قبل الجمهور شيء عزيز على قلبى
- 7 ملايين شخص على صفحتى على "فيس بوك" يتحدثون لى بدرجة أعلى من الحب
- "مسرح مصر" يقدم "اسكتشات"
- ألعب الكوميديا بصدق التراجيديا وألعب التراجيديا بخفة ظل الكوميديا
الفنان محمد صبحى.. يحمل على كتفيه 70 ربيعًا، إلى جانب موهبة لا يختلف عليها اثنان، وحضور لا يزال متصدرًا المشهد الدرامى المصرى، والعربى إن جاز القول، الفن بالنسبة له مسألة "حياة"، بمرور السنوات أصبح صاحب مدرسة خاصة في الدراما، صاحب ظهور ممتع على خشبة المسرح، أجيال عدة تربت على الطابور الصباحى لـ"أسرة ونيس"، وتابعت رحلة صعود "سنبل" قبل المليون وبعده، وغيرها من الأعمال التي قدمها "بابا ونيس" سواء على خشبة "أبو الفنون"، أو على الشاشة الفضية.
"صبحى".. عندما يتحدث يجب أن يصمت الجميع، ليستمع لما يقوله فكلامه دائما يكون في موضعه، وحديثه مشوق مثل الحواديت، ثقافته عالية للغاية، لذا لديه القدرة على الحديث في أي موضوع مهما كان تخصصه، عشق الفن، وقدس خشبة المسرح لذا أعطته الكثير، بعدما كانت غاضبة عليه في بداية مشواره، تعلم الالتزام واحترام المواعيد من الكبار، فصار كبيرا.
خلال مسيرته الفنية اكتشف "صبحى" عددا كبيرا من الفنانين فأصبحوا نجوما، يؤمن بفنه فآمن الناس بموهبته، أصبحت حكمه وأقواله على هواتفنا، لذلك وصفه البعض بالأستاذ والآخرون بالفيلسوف.
"فيتو" من جانبها التقت الفنان القدير محمد صبحى، تحدثت معه عن أمور عدة، وكان الحوار التالى:
بداية.. شهدت الفترة الأخيرة تكريمك في أكثر من مناسبة.. صراحة كيف تتعامل مع هذه التكريمات؟
بالفعل كرمت خلال الأشهر الماضية في أكثر من مكان وأعتز بها جميعا، فالتكريمات التي أكرم بها لها حيثيات كبيرة، وتختار بدقة كبيرة من قبل عدد كبير من لجان التحكيم، فهى ليست عبثية لتكريم رمز أو غيره.
أثناء حفلات تكريمك يتم طرح كتب عن حياتك.. هل تفكر في طرح تلك المؤلفات للجمهور العادى؟
أتمنى ذلك بالتأكيد، لكن ليس لى حق في ذلك، لأن المسئولين عن المهرجانات التي تكرمنى هم أصحاب هذه الكتب، وهم أصحاب الحق في اتخاذ قرار طرحها من عدمه، لكن من جانبى سأطالبهم بطرح نسخ من تلك المؤلفات في معرض الكتاب.
حصلت على كثير من الجوائز.. هل ترى أن ذلك كفيل لتقدير عطاءاتك الفنية؟
لم أفكر مرة واحدة في حصد الجوائز من عدمه، لكنني أفكر في رد الفعل تجاه أعمالى، ورد الفعل دائما أحصل عليه من الجمهور والنقاد، أما تكريمات الجامعات والمؤسسات الكبرى فهى الأقرب إلى قلبى، لأنها تأتى وسط حضور عدد كبير من الشباب.
بماذا تفسر غياب تكريم الدولة لك؟
عدم تكريم الدولة لى على مدى 70 عاما يؤسفنى جدا لأنه يشعرني أنها لا ترانى ولا ترى أعمالى، كما أننى كتبت وصية لأقاربى وتلاميذى برفض أي تكريم من الدولة بعد رحيلى، لأن كل مبدع وهو على قيد الحياة لا يصح أن يرى المبدع الأدنى منه يتم تكريمه وهو لا، فأنا أرى كثيرا من الأخبار تقول إن المبدع الفلاني يكرم لأنه على وشك الموت، وأستعجب ممن يتجاهلون تكريم فن محمد صبحى ليحتذي به الشباب، ويكرمون عددا من "التافهين" ليحتذي بهم الشباب، كما أننى أنظر إلى فنى أنه عطاء لمصر، وتكريمى من قبل الجمهور شيء عزيز على قلبى، وعندما أرى أكثر من 7 ملايين شخص على صفحتى بـ"فيس بوك" يتحدثون لى أرى درجة أعلى من الحب.
ما الأسباب التي دفعتك للعودة والوقوف مرة أخرى على خشبة المسرح وتقديم مسرحية "غزل البنات"؟
سعيت بكل لهفة واشتياق لتقديم مسرح "الريحانى" مرة أخرى لجميع الأجيال التي لم تره، لكى يعرفوا أنه كان يوجد مسرح له قيمة كبيرة.
هل تفكيرك في إعادة مسرح "الريحانى" يرجع إلى موقفك من الأعمال المسرحية التي يتم تقديمها حاليًا؟
حينما أقدم عملا أريد أن يراه الشباب، لمعرفة تاريخ الفن في مصر، ولكن ذلك ليس له علاقة بوجود نصوص جيدة من عدمه، ففي دول أوروبا عندما تدخل إلى المسارح تجد مسرحيات منذ قرون يتم إعادة عرضها مرة أخرى.
وماذا عن مسرح محمد صبحى؟
مسرح محمد صبحى في مدينة سنبل وهى على الطريق الصحراوى، وبعيد كل البعد عن المنشآت الحيوية، وكنت أقصد بعده، لأنى تمنيت منذ صغرى أن يأتى الجمهور للفن، وليس الفن هو الذي يذهب إلى الجمهور، وبالفعل حدث ذلك في مسرحية "غزل البنات" التي تعرض حاليا، والدليل على ما أقوله أن المسرح يوميا كامل العدد، وببساطة مسرح محمد صبحى هو الحلم الذي تحقق بعد 70 سنة من الخدمة في الفن.
بالحديث عن مسرح "محمد صبحى".. ما رأيك في "مسرح مصر"؟ وما رأيك في الاتهامات التي وجهت لك بأنك تقف ضد التجربة؟
لم أنتقد "مسرح مصر" ولو مرة واحدة، على العكس كنت أرحب بتلك الفكرة، لأنه نشأ بعد عدة ثورات أدت إلى ظلام دامس، في وقت خشي الجميع من تقديم ما قدمه أشرف عبد الباقي مع مجموعة الشباب الذين قدمهم، لكن بعد انتهاء الموسم الأول فوجئت بعدد كبير من الإيحاءات الجنسية والتعليقات السخيفة التي تستخدم لمجرد الضحك فقط، وما يقدم حاليا لا يمكن أن نطلق عليه عملا مسرحيا ولكنها اسكتشات مسرحية، وكلمة اسكتشات لا تعيبه، فمنذ سنوات طويلة كان لدينا أعظم مقدم اسكتشات فنان يدعى سعد ألبك، كان يقدم اسكتشاته على الراديو، وبالرغم من ذلك كانت جميع وسائل النقل تقف في الشوارع من أجل سماعه، ولم أتذكر أن أحدا من رجال ألبك كانوا يقولون إن ما يقدمونه مسرح، بل كانوا فخورين بما يقدمونه من اسكتشات، وبالرغم من ذلك كانت تلك الاسكتشات لها متعة ذهنية كبيرة جدا.
هل طرحت وجهة نظرك تلك على الفنان أشرف عبد الباقي؟
عندما قال أحد الصحفيين لأشرف عبد الباقى إن محمد صبحي يصف ما تقدمه بأنه اسكتشات، قال نعم إنها اسكتشات، لأن المسرح يتم تحضيره في 8 أشهر، ويعرض 3 أشهر، ويصور بعد سنتين من العرض، على عكس ما يقدمه أشرف عبد الباقى يكتب في يوم ويعرض في يومين ويصور في الرابع.
ولن أتحدث مرة أخرى عن "مسرح مصر"، ففاقد الشيء لا يعطيه، فهؤلاء الشباب لا يستطيعون أن يضحكوا الجمهور سوى بــ"قلة الأدب".
ما رأيك في الشباب الذي يقول إن محمد صبحي وزير الأخلاق؟
أشعر بالسعادة حينما أقرأ ذلك على "فيس بوك" أو إحدى وسائل التواصل الاجتماعى، فذلك يعني أنني شخص ذو أخلاق، فإذا اجتمعت أنا وشخص للمناظرة على الخناق اللفظى دون استخدام أية ألفاظ خادشة، فذلك يحتاج إلى عبقرية، فجميع الأجيال كان يوجد بها "قلة أدب"، لكن ألفاظنا التي كانت غير مباحة أصبحت دارجة الآن في المجتمع، وأتذكر أن زملاءنا في المعهد كانوا يرتدون ملابس قصيرة، ولكن كنا لا ننظر إلى ذلك مطلقا، فأنا أعيب على صناع الدراما في مصر أنهم يحبون دائما إظهار ما هو سيئ في المجتمع، فصناع الدراما لا يرون المرأة المصرية سوى تاجرة مخدرات أو عاهرة، والسينما في الستينيات كان يوجد بها حس وتذوق رغم أن المجتمع كان يوجد به عدد من العاهرات، فالأخلاق تغيرت تماما عما قدم في ونيس، فلا بد أن نفصل حرية الإبداع عن الصياغة.
صنفت ككوميديان رغم أنك قدمت أعمالا تراجيدية كالكرنك وفارس بلا جواد؟
أنا فنان ألعب الكوميديا بصدق التراجيديا وألعب التراجيديا بخفة ظل الكوميديا، وتلك هي المعادلة الصعبة، فكل ما هو كوميدي أساسه تراجيدي.
من الذي تراه خليفتك في المسرح؟
لا يوجد شيء يسمى خليفة، فأنا لا أتذكر أننى قلت في يوم إننى خليفة فلان أو فلان خليفتي، فجميعنا نكمل بعضنا البعض، وأنا أرى أنه لا يصح أن أقول: فلان خليفتي، فجميع الرواد الذين سبقوني تعلمت منهم.
هل تؤمن بمقولة: «تنوعت الألوان والمسرح واحد»؟
لا بالطبع، المسرح علم متنوع، فيوجد المسرح الواقعي، والمسرح الكوميدي والتعبيري، ويوجد جميع الألوان في المسرح، لكن المسرح المستحيل هو المسرح السياسي، لأن السياسة لا تقدر أن تفصلها عن حياتك.
ما رأيك في الدراما التي تقدم حاليا؟
أعيب على شركات الإنتاج التي تدفع لفنان في مقتبل عمره 40 مليون جنيه، "أنا كمحمد صبحى إذا تقاضيت هذا الرقم في أول فيلم لي مكنتش مثلت تاني"، فأنا أتذكر عندما تساوى راتبي بسميحة أيوب ومحمود المليجي في المسرح كنت أشعر بخجل شديد.
لماذا تبتعد عن الأعمال الدرامية في الوقت الحالي؟
رد مازحا والابتسامة على وجهه: عندما تريد شركة إعلانات إنتاج عمل تافه فسأعود للتمثيل الدرامي مرة أخرى.
وماذا عن برنامجك "مافيش مشكلة خالص" الذي قدمت موسمين منه؟
بالفعل قدمت منه موسمين وتعاقدت على الموسم الثالث، لكن عند وفاة زوجتى اعتذرت عن عدم إكماله، وبعدها قررت الابتعاد عن تقديمه من أجل العمل المسرحي، لأنني كنت متشوقا إليه بدرجة كبيرة للغاية، ولكن أفكر حاليا في تقديم برنامج ممسرح، ولكن بفكرة مختلفة، ولكنى لم أتعاقد على أي منها حتى الآن.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"