فارق دقيق بين الحبيب والصديق
كثيرا ما تمتزج المشاعر بداخلنا، فيضل الإحساس طريقه، حتى نجده استقر في القلب، فيَسلبنا القدرة على إعطائه صفة تتناسب مع بدايته، أو توصيف يتناغم مع نهايته بداخلنا، لا يمكن إنكار أن الإعجاب إحساس أولي لبدء العلاقة بين اثنين، وعلى أساسه تبدأ تكون مشاعر قد تستمر في خط مستقيم معلنة عن وجود صداقة قوية، وقد تسلك طريقا مختلفا في إشارته فتستقر في القلب، وتكون بداية لعلاقة حب.
الصداقة.. هي علاقة واضحة وصريحة في مشاعرها واتجاهها، وتظل أعواما بل مدى الحياة على وضعها بكامل إدراك العقل، ولنَقل بكامل عقلانية القلب، فالصداقة لها مساحتها في يومياتنا، لاحتياجنا لوجود الآخر في حياتنا بشكل عقلاني ومتحفظ سواء في التنزهات أو العمل أو السفر أو حتى في القراءة أو الدراسة، نحتاج رفيقا صدوقا في أخذ رأيه أو نصحه أو نقده أحيانا في أمور معيشتنا وأزماتها ومشاكلها.
أما الحب.. فهو علاقة خاصة جدا، مكونة من أحاسيس خاصة كالاهتمام والغيرة والحنين والشوق، تتمركز في القلب، تجد العقل فيها يخبو كلما زاد التعلق، كلما زاد التوافق، فيكون المحرك الأول والأخير لتصرفاتنا هي المشاعر، وتكون أحكامنا أساسها العاطفة، فتصبح الحياة قائمة على وجود من نحب فيها، وتكون السعادة بالقرب من الحبيب، وإن بعدت المسافات يكون الحرف رسالة عشق، ويكون الصوت نغم الغرام.
لكن ماذا لو تبادلت العلاقات الأدوار بناء على إلحاح شديد من المشاعر حديثة التكوين، ماذا لو أدرك العقل أنه لم يعد منطقيا معاملة الحبيبة على أنها صديقة، وماذا لو ذاب القلب حنينا في احتياجه للارتواء من حب ذلك الصديق!
حينما يحدث تبادل أدوار للأحاسيس، حينما يحدث فقدان توازن للمشاعر، يحدث خلل في منظومة الصداقة، يتسلل لتلك العلاقة دفء لا يدركه العقل، بل يتملك القلب دون وعي، دون تخطيط، دون تعمد، لكن بكامل الإحساس والحس.
لترتيب مراحل العلاقات بناء على أحاسيسنا، نجد الصداقة تأتي قبل الحب في الغالب، فالصداقة تتيح التعارف، ثم الإعجاب بالشخصية، ثم يأتي التعود الذي يعتبر البوابة السرية للتعلق بالآخر معلنا وجود استدامة للعلاقة، ومنها تبدأ يوميات الأصدقاء، من تفاهم في الأفكار، تناغم آراء، تعايش في المواقف الحزينة والسعيدة، وتصبح علاقة دائمة الوجود على صفحة حياتنا على مداها.
إلى أن تتحول نظرة الصديق لصديقته بشكل مختلف، فدون قصد يجد نفسه يتفحصها!
يبحث في ثنايا صفاتها عن كل ما يحب في المرأة من صفات، يجذبه بها كل ما يحبه كرجل في المرأة من إحساس كالحنان مثلا، ومن جهة أخرى نجدها تتعلق أكثر بصديقها لإعجابها الشديد بصفات معينه به كالاحتواء مثلا، نجد مشاعرهما أو صفاتهما يحتاجها كل منهما من الآخر، فهو يريد دفء المشاعر وهي تشتاق لصدق المشاعر، هو يبحث عن دلال الأنوثة وهي تحتاج أمان الرجولة، فنجد العلاقة بين الصديقين تحولت دون أن يشعرا إلى حب!
كما أن التوافق الكبير إلى حد ما بين الصديقين يجعلهما يرتبطان بعلاقة حب دون أن يشعرا بالتحول، فالصداقة محتمل بها الاختلاف، أما الحب لا ينشأ إلا إذا كان في عمقه توافق بينهما، فتتناغم المشاعر وتتشابك لإحساس كل منهما أنه مكمل للآخر فيما يشعر به أو يفكر به أو حتى ما يحلم بتحقيقه.
في مجتمعاتنا الشرقية وبحكم تربيتها الشديدة الصارمة، نجد أن الفتاة ممنوعة ومحرومة من تقبل أي إحساس عاطفي إلا في إطار شرعي متمثل في الزواج، فتغلق باب قلبها أمام أي طارق بحب وإن كان بريئا، أما بالنسبة للشاب فنجده تربى على ثقافة جميع البنات إخواتك إلى أن تتزوج واحدة منهن، فراغ عاطفي أو عدم نضوج عاطفي قد يجعل الفتاة أو الشاب يتحولا بعلاقة صداقتهما إلى علاقة حب لوجود فراغ عاطفي لم يشبع يوما، ولاحتياج شديد للآخر بمشاعر خاصة تسمى الحب.
كما أن من الضروري عرض حالة يتعرض لها بعض الأزواج، فحين يكون الرجل متزوجا ويبدأ في الإعجاب بصديقة دراسته في الماضي أو صديقته بحكم زمالة العمل مثلا، فلا بد أن يسأل نفسه ويتفحص مشاعره عما إذا كانت نزوة صداقة، أم هروب من روتين الزواج، أم فعلا وجد ذاته في حب تلك الصديقة، أم هل بها صفات يفتقدها بزوجته، أم كان في الأساس يفتقد مشاعر الحب مع زوجته لزواجهما التقليدي الذي لم يرتكز على الحب في اختيار شريكة مشوار الحياة من الأساس، أم هي حالة من الهدنة، فتتحول الصداقة لحب مؤقت لتجديد سكون الزواج، ثم العودة للحياة الزوجية بقصة حب لم تكتمل وصداقة لن تعود لسابقها، لماضيها، لإحساسها المعلن دون خجل.
ولا ننكر تعطش البعض للإحساس بالحب لحرمانه منه لظروف مختلفة، قد نجدهم يقرأون مشاعر الصداقة بطريقة غير صحيحة، فيعتقدونها مشاعر حب، قد يخطئوا في قراءاتهم وقد ينجرحوا في إحساسهم إذا لم يكتمل.
وبما أن تحول الصداقة إلى حب وارد الحدوث كما أسلفنا من ذكر أسباب، فمن المنطقي طرح تساؤل أكثر عمقا ألا وهو هل يمكن للحب أن يتحول لصداقة!
بالطبع لاختلاف مشاعر كل من العلاقتين وما يتبعهما من سلوك وارتباط، فإن من الصعب تحول أكثر العلاقات الإنسانية إحساسا وأكثر المشاعر توهجا وهو الحب بكل ما يتضمن من خصوصية وعواطف إلى أن يصبح صداقة.
فكأن الصديق يعود في عكس اتجاه الإحساس، فيفقد العقل بوصلته في الحكم على حقيقة مشاعره، ويختل نبض القلب فلا يقوى أن يعامل حبيبته على أنها صديقته، لاختلاف العواطف لكل الصفتين بداخله كرجل.
قد تضطرنا الظروف في أحيان نادرة أن نصادف حبيبا كانت تَجمعنا به علاقة حب في الماضي، لظروف زواج أو سفر أو إمكانيات مادية تجعل الحب لا يموت لكنه يدفن في قلب المحبين، وتمر السنوات ويجمعهما القدر من جديد، فيجدا حبيب الأمس زوج لأخرى، أو عاشقة الماضي زوجة لغريب، فلا يمكن أن يحدث اللقاء الثاني لتبدل الظروف، لكن يبحث القلب وإحساسه الدفين عن مخرج، ليظهر على سطح العلاقات لكن بتحفظ، فيصبح حبيب الأمس، صديق اليوم، بمسمى جديد يخفي وراؤه إحساسا بالحب يتألم في الظل.
لكن لندرة حدوثه قد نجد في الغالب رفض حبيب الماضي أن يتعامل مع حبيبته كصديقة في الحاضر لعدم إمكانيته تطويع مشاعره للمسمى الجديد بظروفها الجديدة، ولا ننسى رصد حالة مستمرة الحدوث ألا وهي حكم المجتمع المتزمت على من يتقدم في العمر، فيَعيب عليه المجتمع إحساسه بالحب من امرأة عشقها، أو قد لا تشعر هي بحبه لاعتبارات فرق السن، فيضطر للإبقاء عليها بجانبه دون ملامة المجتمع أو لتجاهلها حبه لها فيحول حبه لها لصداقة!
بين الحب والصداقة خيط دقيق، يتشكل بقلب متزن، ناضج، يعرف جيدا تصنيف مشاعره، يملك عقل يقرأ أحاسيس القلب بوعي، فلا يعطي صفة حبيب لصديق مقرب، ولا يميل بعاطفته اتجاه مجرد إعجاب، كما أن من الطبيعي أن تتحول الصداقة لحب، لامتلاكها معظم مقومات ومشاعر الحب، لكن من غير المنصف للقلب إجباره على تَقبل الحبيب كصديق إرضاء للمجتمع، إرضاء للظروف.